نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


نور هشام سليم... واعتذار رئيس وزراء بريطانيا






حكى هشام سليم في برنامج "شيخ الحارة والجريئة"، عن ابنه نور العابر جنسيا والذي كان ابنته نورا قبل عدة سنوات. هشام وابنه اتخذا قرارا شجاعا بالإفصاح عن التجربة التي يمر بها نور. فقد خاطر هشام برفض كثير من الناس له باعتباره ممثلا ثروته الأساسية هي حب الناس، وخاطر أيضا بتعرض ابنه للرفض مما قد يتسبب له في المزيد من المعاناة.


نور وُلد كأنثى وعاش في جسد أنثى حتى بلغ الثامنة عشر ولكنه كان دائما ما يشعر أنه ذكر، فهو ببساطة إنسان له هوية ذكرية ولكنه وُلد في جسد أنثى. وعلى مدار سني حياته عانى من هذا الوضع، حتى قرر أن يتخذ خطوة تجاه ذلك. فقد قرر أن يتحول إلى النوع الذي يعبر عن هويته. وهو ما يتم من خلال العلاج الدوائي والنفسي وأيضا العمليات الجراحية لتصحيح الجنس، بهدف أن يعيش في توافق مع هويته الجندرية.
والحقيقة أن صعوبة ما يمر به نور ليس فقط في التغيرات الهرمونية والنفسية المعقدة ولكن أيضا في التعامل مع الرفض المجتمعي. فالمنتمون لمجتمع الميم أو مجتمع الأقليات الجنسية من المثليين والعابرين جنسيا عموما، غالبا ما يتعرضون لضغوط مجتمعية عنيفة، فهم مرفوضون من معظم من حولهم إلا من رحم ربي.
وللأسف تشكل خبرات الرفض التي يتعرضون لهم باستمرار على أساس هويتهم الجندرية أو ميولهم الجنسية جزءا كبيرا من صورتهم عن ذواتهم. فنحن كبشر كائنات اجتماعية، نتأثر بما يقوله الناس عنا وبالأخص المقربون والمهمون بالنسبة لنا.
ففي مجتمعاتنا كثيرا ما نختار أن نمارس الإدانة بدلا من التقبل، والوصم بدلا من التفهم. ليس فقط تجاه الأقليات الجنسية، ولكن تجاه من يكسرون الأنماط في العموم. فدرجة تقبلنا واحترامنا للآخر وثقتنا فيه تقل كلما ابتعد عن النمط المحدد له سلفا من قبل المجتمع.
كثيرون مثل نور، سواء كانوا عابرين جنسيا أو مثليين، يتعرضون للتنمر والاضطهاد والتعنيف من قبّل زملائهم وجيرانهم وحتى من عائلاتهم
نفعل ذلك بحكم الثقافة السائدة ونحن في الأغلب لا ندرك كيف تدمر هذه الأحكام النمطية حياة الآخرين. وهنا أتذكر قصة آلان تورنج عالم الرياضيات الإنكليزي الذي فك شفرة الإنيغما التي كان يستخدمها الألمان في الحرب العالمية الثانية لإرسال الرسائل والذي ساهم بوضوح في إنهاء الحرب.
هذه الشفرة كانت معقدة جدا ولم يستطيع أي عالم أو باحث تفكيكها، إلا تورنج. وتقول التقديرات إنه لولا ما فعله لاستمرت الحرب لسنتين إضافتين، وأن ما قام به قد أنقذ حياة الملايين من الموت حيث إنه ساهم بشكل واضح في هزيمة هتلر. فضلا عن أن أبحاثه ساهمت بوضوح في تطوير فكرة الكمبيوتر، وربما لولاه لما تمكنت أنا من كتابة هذا المقال وإرساله للنشر، ولما تمكنت أنت من قراءته.
وعلى الرغم مما قدمه لبلده وللعالم أجمع، إلا أن حياته انتهت بمأساة. فعبقري الرياضيات الفذ كان مثلي الجنس، وقد حوكم سنة 1952 وأدين بتهمة الفاحشة أو الفجور، فقد كانت المثلية الجنسية جريمة في هذا الوقت. وبناء على ذلك تم تخييره بين عقوبتين إما السجن أو إخضاعه لعلاج كيميائي بغرض إخصاءه، فاختار الإخصاء. هذا فضلا عن فصله من عمله ونبذه من الجميع.
لم يتحمل آلان وأنهى حياته بنفسه في عمر الواحدة والأربعين، بعدما تناول تفاحة مسمومة بسم السيانيد. ولكن بعدما تغيرت نظرة المجتمعات الغربية للمثليين وتخلت عن فكرة وصمهم بالعار ورفضهم وتحقيرهم ومحاكمتهم. قدم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردن براون اعتذارا رسميا نيابة عن المملكة المتحدة لتورينج في عام 2009، ومنحته الملكة إليزابيث الثانية عفوا ملكيا سنة 2013.
كما أصدرت بريطانيا في عام 2017 "قانون تورينج " للعفو العام بأثر رجعي عن كل من تم معاقبتهم بسبب التشريعات التي تجرّم المثلية، في محاولة لرد الاعتبار للأقليات الجنسية التي طالما تم اضطهادها وإقصائها.
في الواقع نور محظوظ بأبيه الفنان والمثقف هشام سليم الذي قدم له كل الدعم حتى يستطيع أن يجد ذاته بأقل قدر ممكن من المعاناة النفسية، ولكن كثيرين جدا مثل نور سواء كانوا عابرين جنسيا أو مثليين يتعرضون للتنمر والاضطهاد والتعنيف من قبّل زملائهم وجيرانهم وحتى من عائلاتهم.
لا عجب عندما نجد كثيرا من المثليين يتزوجون من شريك مغاير الجنس فقط لإرضاء المجتمع
فمعظم من حولهم يوجه لهم رسالة مفادها "أنت/أنتِ غير مقبول لذاتك، أنت/أنتِ مرفوض، نجس، سيء... إلخ"، وما أقساها رسالة! فإما أن تغير من هويتك، وهو ما يعد مستحيلا في هذه الحالة، أو أن تعيش متقمصا شخصا غير ذاتك حتى ترضي الآخرين.
ولذا فلا عجب عندما نجد كثيرا من المثليين يتزوجون من شريك مغاير الجنس فقط لإرضاء المجتمع، فيحولون حياتهم وحياة الشريك إلى جحيم. ولا عجب عندما نجد عابرين يعيشون صراعا نفسيا عنيفا بين الصورة التي يريدها المجتمع لهم وبين ما يشعرون به تجاه هويتهم، صراع قد يدفعهم في بعض الأحيان لمحاولات الانتحار كما في حالة نور، الذي قال "كنت سأنتحر لو لم أغير جنسي".
أو في حالة الممثلة حنان الطويل (التي قامت بدور انشراح في فيلم الناظر) وهي متحولة جنسيا، والتي تعرضت للتعنيف والهجوم من قبل جيرانها، بعدها تم احتجازها في مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعصبية، وهناك أقاويل مختلفة عن كيف ماتت ولكن يُرجح إنها انتحرت.
وفي النهاية علينا أن ندرك أن نور أو من يمر بظروفه، هو شخص لديه طموحات وأحلام مشروعة بأن يكون سعيد وناجح في الحياة مثله مثل باقي البشر. وكل ما يحتاجه هو أن نقابل شجاعته وصراحته بالدعم والتفهم بدلا من الرفض والإقصاء!
-------
الحرة

ماهر جبره
الاثنين 11 ماي 2020