نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


أمن النظام أم الوطن؟





إبّان البدايات التفاؤلية المرافقة للربيع العربي، وحينما كانت بعض الشعوب تتهيأ لعملية انتقالية تُخرجها من قمقم الاستبداد المقيت الذي طالما قبعت في مستنقعه الآسن، اهتمت مراكز الأبحاث بدراسة أحوال قطاعات الأمن والجيش في الدول التي تعبر تغيرات عاصفة، احتجاجية كانت أم ثورية أم عسكرية. وتم عقد مؤتمرات وجلسات نقاش عديدة، الهادئ حيناً والعاصف أحيانا، لتلمّس الخلل في الممارسات الأمنية ومحاولة إيجاد الحلول. وقد تعدّدت الطرائق في هذا الاتجاه، فمن تعديلات مؤسساتية، تُعيد تعريف دور المنظومة الأمنية وحدود عملها وعلاقتها مع "الرعاة" في دول الاستبداد، للوصول بها إلى حسن التعامل مع المواطنين في دول الحرية الجزئية أو التدريجية، والتي لم يكن الحالمون يسعون إلى أكثر منها. ومن جهة أخرى، أتت الدراسات والأبحاث والمؤتمرات بنتائج قاطعة أحياناً تدعو إلى إعادة هيكلة جذرية لمجمل القطاع الأمني، كما العسكري. وقد صدرت، في هذا الصدد، كتب وتقارير عدة من مؤسسات غربية أو عربية. كما ساهم المجتمع المدني الدولي المتخصص في هذا الحقل في إنتاج هذه التقارير.


 
تميّزت بعض هذه المشاريع بوجود ممثلين عن قطاعات أمنية عربية، تبحث عن تجميل صورتها، فتساهم في اللقاءات التي تتعرّض لها بالنقد. وقد سعى المنظمون إلى أن يكون هذا النقد في حدود الممكن، خصوصاً بمشاركة فاعلة من المنظمات الحقوقية والصحافة وبعض الخبراء الأجانب الذين أتوا من بلدان عرفت تحولات ديمقراطية جديدة نسبية، كالبرتغال (1974) وإسبانيا (1976).
أما ما عُقد من لقاءات حول الدول التي عرفت تغيرات عنفية، فقد شارك في أغلبها بعض 
ممثلي الأجهزة الأمنية والعسكرية الذين غادروا سرب الاستبداد في عمليات انشقاق علنية. وكانت مساهماتهم ملفتة إيجاباً وسلباً. فمن الجانب الإيجابي، استعرضوا بوضوح نسبي هيكليات معقدة، ساهمت في جعل هذا القطاع محمياً من الشفافية، ومُغيّباً عن الإنسانية. كما كان من الإيجابي، في مساهماتهم أيضاً، إشارتهم التفصيلية إلى دور النظام السياسي والذي تجري الاحتجاجات ضده، في تشويه العقيدة الأمنية وتحويلها عن أهدافها "النبيلة" المتمثّلة في المحافظة على القوانين، وتأمين الحماية للمواطنين، إلى المحافظة، بأي ثمن مهما كان دموياً، على السلطة وترهيب "الرعية".
في المقابل، كانت هناك جوانب سلبية ومتوقعة في مساهماتهم، تتمحور خصوصاً في الممارسة وتصحيحها، فقد قاوم أغلبهم، صراحةً أو بطرق مواربة، إدخال تعديلاتٍ جذرية على طرق العمل والممارسات الأمنية التي اعتادوا عليها. وقد كانوا غالباً متشدّدين في أهمية استمرار (وتطوير؟) بعض هذه الممارسات الممقوتة في الديمقراطيات الحقيقية، مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب. ومن خلال هذه المواقف، تبين للخبراء وللباحثين، بشكل واضح وجلي، أن "العقيدة" الأمنية لا يمكن لها أن تنشق عمن غرق في تلافيفها عقودا، ولو أنه هو انشق عن النظام الذي أسّس لهذه العقيدة أو دعّمها عقودا.
ومن كثرة اللقاءات والاجتماعات التي عُقدت في هذا الاتجاه، صارت المسألة مجالاً للتندّر ممن يحلو له انتقاد كل شيء وأي شيء. وفي المقابل، صارت بعض المؤسسات التي تبحث عن الاستمرارية في التمويل تميل إلى هذا الموضوع "الجذّاب"، ولو أنها لم تكن متخصصة به.
كان الجاد من هذه الدراسات والتقارير مفيداً، ولو أن التحولات جرت عكس ما تشتهي الشعوب. فمع الثورات المضادة في بعض البلدان، وتمكّن الاستبداد (أو تمكينه) في بعضها
الآخر، وتحوّل الحراك إلى عملية عنفية دموية في بعضها الأخير، فقدت الشعوب كثيرا من آمال إصلاح القطاعات الامنية والعسكرية، والانتهاء من الدولة "الأمنوقراطية" المستدامة. لكنها حصلت على ما يمكن أن يُساعد في نشر الوعي والتثقيف على ضرورة المسألة، آجلاً أم عاجلاً. فقد تم اقتراح إخضاع القطاعات الأمنية والعسكرية لسلطة مدنية، كما تم التطرق إلى عمليات إعادة هيكلة من دمج وإلغاء. كما تم التشديد على الدور الرقابي للسلطة التشريعية، خصوصاً فيما يرتبط بالموازنة الأمنية وبالمحاسبة والشفافية. كما نوّه بأهمية الدور الرقابي للمنظمات الحقوقية والصحافة. وأخيراً، وليس آخراً، كان من المهم أن يتعرّف العاملون على مسألة الإصلاح بأهمية القطاع التربوي والتعليمي والتثقيفي في إخراج المجتمعات من ثقافة الخوف. إنها مجموعة كبيرة ومتداخلة من الحلول المقترحة، مرفقة بوسائل وطرق عمل عديدة في سبيل إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، بما يتلاءم مع معايير التحول الديمقراطي المنشود أو الموعود أو الموءود.
في إحدى هذه الندوات، وبعد استخلاص النتائج، التفت إلي الصديق نرسيس سيرا، وهو أول وزير دفاع مدني في إسبانيا ما بعد الديكتاتورية، قائلاً: "لكن، في كل الأحوال، يجب الحذر من استسهال عملية المتابعة والمراقبة لعمل الأجهزة الأمنية، لأنها بوعي أو بلا وعي، ستستغل أي ضعف في هذا المسار، لتعود إلى ممارساتها السابقة". فتذكرت حينها ما قاله عبد الرحمن الكواكبي، منذ قرنٍ ونيّف، "إنَّ الحكومة من أيّ نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد؛ ما لم تكن تحت المراقبة الشَّديدة والاحتساب الذي لا تسامح فيه". وأتذكر اليوم قلق الصديق الإسباني، وأنا أتابع العنف الذي مارسته الشرطة الإسبانية ضد المحتجين في كتالونيا.
---------------
العربي الجديد

سلام الكواكبي
الثلاثاء 10 أكتوبر 2017