نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


المهمشون في محوى الرماح في اليمن: إقصاء وازدراء وواقع مؤلم




صنعاء - "لا نملك خدمات المياه ولا الكهرباء وكأننا نعيش في قارة أخرى ولسنا يمنيين" تقول ناجيه علي، إحدى المهمشات القاطنات في محوى الرماح الواقع في منطقة الحصبة وسط العاصمة اليمنية صنعاء.


تذهب ناجية على وابنتيها كل صباح إلى المسجد المجاور للمحوى لجلب المياه بسبب غياب خدمات المياه عن الخيام التي يقطنون فيها.المهمشون (ويعرفون ايضاً بالأخدام) هم مواطنون يمنيون يتميزون عن أغلبية سكان البلاد بملامحهم الأفريقية و بشرتهم السوداء، و يعتبرون من أدنى الطبقات الاجتماعية في البلد.

توافد هؤلاء المهمشون إلى محوى الرماح من مناطق مختلفة في اليمن بعد أن أعيتهم الظروف المادية الصعبة عن إيجاد مناطق سكنية مناسبة تؤويهم، فكانت تلك الخيام هي الملجأ الوحيد لهم. وتتجمع إعداد من فئة المهمشين في محوى الرماح الذي يحوي خياما صغيرة مصنوعة من الكراتين، والأقمشة الممزقة وبعض الطرابيل ومتراصة بجانب بعضها بشكل عشوائي. تفتقر هذه الخيام إلى خدمات الصرف الصحي، ما يجعل الروائح الكريهة تفوح من جوانب الخيام. ويكتفي القاطنون في هذه الخيام بحفرة صغيرة بجانب كل خيمة تستخدم لقضاء الحاجة.

يتعرض المهمشون للتمييز و غياب الحقوق، حيث يعيشون أوضاعاً مأساوية وعزلة عن بقية أفراد المجتمع، و يعملون في مهن دونية كتنظيف الشوارع وغسل السيارات. وغالباً ما يعيش هؤلاء المهمشون في ضواحي المدن، حيث تسمى تجمعاتهم السكنية بالمحاوي (الجمع من لفظ محوى).

طارق محمد / 35 عاما/ احد المهمشين القاطنين في محوى الرماح، يعمل اسكافيا ويسكن هو وزوجته وأبنائه الثلاثة في خيمة صغيرة في محوى الرماح منذ ثلاثة أعوام. جاء محمد من محافظة إب جنوب العاصمة اليمنية صنعاء للبحث عن عمل، ولكنه لم يجد أمامه إلا خياطة الأحذية بعد أن أعياه التعب في البحث عن عمل مناسب يجني منه قوت يومه. "اجني 500 ريال في اليوم الواحد من عملي وفي بعض الأحيان أعود إلى أسرتي بخفي حُنين،" يقول محمد.

وكغيره من أبناء هذه الفئة، لا يحظى محمد بمعاملة جيدة من بقية الناس ولا يحصل على حقوقه كاملة مثل غيره من المواطنين وذلك بسبب بشرته السوداء. ترتص أكثر من 50 خيمة في ذلك المحوى أغلبها لأسر مكونة من أكثر من طفل لم يحظ اغلبهم بحقهم في التعليم.

امة الله خالد، أمُ لأربعة أطفال، أشارت إلى أن أبنائها وأطفال الفئة المهمشة بشكل عام لا يُقبلون في اغلب المدارس بسبب بشرتهم السوداء، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على توفير قيمة الزى المدرسي وغيرها من المستلزمات المدرسية. وتقول :"يقولون أن أطفالنا غير نظيفين، هذا إلى جانب نعتهم بالأخدام ما يجعلهم يضطرون إلى ترك تعليمهم". في خيمة صغيرة مصنوعة من الطرابيل الممزقة، تعيش خالد وأسرتها حيث يفترشون فرشا ممزقة، ويمتلكون بعض الأوعية الخاصة بالمطبخ الذي خصصت له جزءً من خيمتها.

وبالنسبة لدورة المياه فهي عبارة عن حفرة صغيرة خارج الخيمة. وبالرغم من الروائح الكريهة الصادرة منها والقاذورات المتجمعة حول الخيمة إلا أن خالد تقول إنهم لا يملكون خياراً أخر. "أعلم أن كل هذا يجلب الأمراض لي ولأسرتي ولكن ما هو الحل؟".

و تزداد معاناة هؤلاء المهمشين في موسم الأمطار، حيث تصيب مياه الأمطار خيامهم وأثاثهم المتواضع. يعاني الكثير بداخل تلك الخيام من الأمراض نتيجة المياه الملوثة، والبعوض المنتشر. إلى جانب ذلك، يعتمد أولئك المهمشين على مياه المساجد الواقعة بجانبهم لاستخدامها في الطهي والشرب بسبب عدم توفر خدمات المياه في المنطقة وافتقارهم إلى المال لشراء المياه الصالحة للشرب. وتؤكد علي أن الدولة قدمت لهم الكثير من الوعود مثل توفير المساكن، والوظائف، والمساعدات، ولكن لم يتحقق شيء من هذا القبيل. وتقول "وعدنا المجلس المحلي منذ أكثر من عامين بتوفير مساكن خاصة بنا، كما تم توفيرهاً لفئات أخرى من المهمشين الذين تواجدوا في محاوي أخرى". مجيب الفاتش، مدير الشؤون الاجتماعية والعمل أمانة العاصمة، قال إنهم في طور دعم هذه الفئة من خلال مشاريع صغيرة تمكنهم من الحصول على دخل يقتاتون منه. وأشار إلى أن موضوع إعطاء أولئك المهمشين مساكن خاصة بهم لا يزال قيد الدراسة، حيث أن العديد منهم يقومون ببيع المساكن التي أعطتها لهم الدولة. "يبيع هؤلاء المهمشون المساكن التي منحتها لهم الدولة ومن ثم يعودون مجدداً إلى المحوى كي يحصلوا على تعويضات أخرى وهذه قضية يجب أخذها بعين الاعتبار".

المهمشون في محوى الرماح يمثلون نموذجاً مصغراً لوضع المهمشين في اليمن. وبالرغم من أن دستور البلاد يمنع التمييز ضد أي فرد من أفراد المجتمع، إلا أن المهمشين في اليمن يتعرضون للإقصاء والنظرة الدونية. وتعتبر الوظيفة العامة والمناصب الحكومية خطاً أحمر بالنسبة لأفراد فئة المهمشين حيث لا يجد رجالها عملاً سوى الالتحاق بقطاع النظافة. "ينظر أغلب الناس إلينا على انه لا أصل لنا، على الرغم من أننا يمنيون ويحق لنا العيش كغيرنا، وشغل مناصب سياسية والحصول على خدمات صحية، واجتماعية وتعليمية وغيرها" يقول محمد.

وبحسب إحصائية صادرة عن اتحاد المهمشين في اليمن يقدر عدد المهمشين بـ 3.3 مليون من أجمالي عدد السكان في اليمن، أي بنسبة 11% من إجمالي عدد السكان والبالغ 25 مليون نسمه. ويشتهر المجتمع اليمني بطبقات ثلاث وهي الطبقة العليا (تتضمن المشايخ والسادة) والطبقة المتوسطة (تضم القبائل) والطبقة الدنيا (وتشمل فئة المهمشين ومن يشتغلون في مهن كالحلاقة وبيع اللحوم ويعرفون بالمزاينة).

ويرى باحثون اجتماعيون أن استبعاد المهمّشين، وعدم اندماجهم في المجتمع، يعود إلى عوامل رئيسية، منها هيمنة الثقافة القبلية، والتمييز على أساس الوضع الاجتماعي والعائلي. و يقول الدكتور عادل الشرجبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، إن للمهمشين الحق في المشاركة في الحياة العامة والاندماج مع بقية المجتمع، حيث يمثل إقصائهم انتهاكاً لحقوق الإنسان، موضحاً أن الأسباب في عدم اندماج المجتمع مع شريحة المهمشين تعود إلى عدة أسباب منها الثقافة السائدة في المجتمع وهي التفرقة في الطبقات منها القبلية، والمزاينة، والاخدام (المهمشين). وتلك الطبقات قائمة على أساس التفرقة والتمييز على أساس المكانة الاجتماعية.

إضافة إلى ذلك يقول الشرجبي أن كثيرا من المهمشين استسلموا لتلك الأوضاع ولم يحاولوا تغييرها. ومنذ مطلع العام المنصرم 2011 بدأ المثقفون من شريحة المهمشين بتحركات لاستغلال مناخات التغيير ودولة المواطنة المتساوية التي ترفع شعارها القوى السياسية. حيث استطاعت فئة المهمشين أن تحصل على مقعد وحيد في مؤتمر الحوار الوطني، كحلم أولي تحقق في مشاركة هذه الفئة في القرار السياسي للبلد عام 2013.

ويقول نعمان الحذيفي، ممثل المهمشين في مؤتمر الحوار الوطني سابقاً، إن مطالب المهمشين واضحة منها الحصول على المساكن، والأمن، والتعليم، والصحة والأعمال وغيرها من الحقوق. "هذه حقوق يجب أن توفر للمهمشين كونهم مواطنين يمنيين، ومن حقهم الحصول عليها كغيرهم من اليمنيين" يقول الحذيفي. وأوضح الحذيفي أن المهمشين في محوى الرماح يفترض أن يحصلوا على حقوقهم بشكل سريع :"خاصة أننا نعيش في هذه الأيام موسم الأمطار"، وفي هذه الفترة يعاني القاطنون في ذلك المحوى. وأكد أن هذه دعوه يوجهها إلى القائمين وقيادات السلطة المحلية بأمانة العاصمة:" للأسف كثير من الوعود وقليل من الأفعال الصادرة منها". وقد تم إدماج قضية المهمشين ضمن أجندة مؤتمر الحوار الوطني".

هذا وقد تضمنت الوثيقة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني مخرجات خاصة بالمهمشين مثل الالتزام باتخاذ تدابير تشريعية لحماية المهمشين بسبب التمييز ضدهم والنهوض بأوضاعهم. وتنص الوثيقة على "تتخذ الدولة كافة التدابير اللازمة لإدماج المهمشين بالعملية التعليمية واعتماد إلزامية التعليم ومنح دراسية في المرحلة الأساسية و الثانوية والجامعية وتتحمل السلطات تكاليف المنح وتخصيص نسبة في المعاهد والكليات العسكرية والمدنية بما يتناسب مع عددهم السكاني." وقد تضمنت المخرجات نصا دستوريا يتضمن حماية حق المهمشين في المشاركة والتمثيل بنسبة 10% من الوظائف العامة ولهم الحق في تقلد المناصب القيادية في كافة الهيئات والمؤسسات والمجالس والسلطات التشريعية المنتخبة وتتخذ الدولة كافة التدابير القانونية اللازمة لتحقيق دلك وبما يكفل مشاركتهم في الحياة العامة المدنية والسياسية والوصول إلى مواقع صنع القرار بمساواة تامة مع بقية فئات المجتمع.

د ب ا
السبت 30 غشت 2014