نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


ليست “كسر عضم” حكايتنا الدرامية مع الدراما!





أكتب هذه الكلمات الطويلة التي زاد عددها عن 1000 ردا على بعض التساؤلات التي وصلتني على البريد الرسمي عن بعض الأعمال الدرامية التي نعرضها في رمضان الحالي ومنها مسلسل كسر عضم- السراديب، وترى أنها خطوة لا تصب في مصلحة التلفزيون وجمهوره. في ضوء ذلك، ورغم الانهماك والانشغال الكبير بالتحضيرات للانطلاقة الجديدة للتلفزيون في 24/04/2024 والتي ستكون بمشيئة الله نوعية ومنتظرة على مستويات عدة وأهمها الاستديوهات الجديدة، فقد وجدت في وقت السحور، عسى أن يتقبل الله صيامكم، فسحة لكتابة رد ربما يفتح نقاشا صريحا عن المسألة أو يقدم وجهات نظر وحقائق ثابتة.


 
برأيي المتواضع، الدراما ليست فقط كلمة تكتب في بوست ولا رسالة في مجموعة دردشة ولا فيديو يستعرض الأخطاء والعثرات ولا حتى برنامج جدي يقدم نقدا متماسكا. الدراما عالم، صناعة، لوبيات، والأهم رؤوس أموال وكلف عالية لا يمانع المنتجون أكانوا دولا، شركات أو أفرادا في دفعها ببذخ أحيانا لقناعتهم بتأثيرها ويدها الطولى في الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور. في ضوء ذلك، فإن الدخول إلى عالم الدراما كمنتج أو كشاشة عارضة ليست كلمة بالفم كما يقال بالعامية الدارجة ولا يستطيع تلفزيون صاعد، يصعد بسرعة كتلفزيون سوريا، أن يعلي صوته أو يفرض رغباته وتمنياته عندما توضع الأعمال الجديدة على الطاولة. المعادلة في غاية البساطة؛ لا تفاوض كثيرا، خذها أو دعها أو فلتنتجها بنفسك (Take it, Make it or Leave it).
أن تدعها وشأنها وتتركها لكبريات القنوات أمر سهل جدا، بل هو الأسهل والأقل تكلفة ماديا ومعنويا، لكنك ستبقى دائما منعزلا ومعزولا على الهامش تنتظر انتهاء الموسم لتبحث عن فتات العروض الثانية أو الثالثة أو تذهب إلى مكان بعيد في الأرشيف راكضا وراء مسلسلات قديمة تملأ الهواء، وهذا كان ديدن القنوات التي نشأت بعد ثورة عام ٢٠١١. المصيبة الأكبر تكمن في النقطة الثانية، إذ لم تضطلع أي جهة سورية معارضة رسمية أو خاصة بعملية الإنتاج الدرامي على أهميتها ولا قدمت أي تسهيلات للفنانين المعارضين رغم وجود الموارد أحيانا، وفضلت انتظار الآخرين ليقوموا بهذه المهمة بعد أن سلموا للنظام بانتصاره، والأخير لم يدخر جهدا، حتى في ذروة أزمته، لاستمرار الإنتاج حرصا على ضمان التأثير وجذب أكبر قدر من الفنانين إلى جانبه أو ضمان صمتهم على الأقل، فيما تركت لصفحات المعارضة وشخوصها مهمة التعليق فقط.
بكل صراحة، لا يستطيع تلفزيون سوريا، وهو أكبر مؤسسة إعلامية سورية حاليا، الخوض في عملية الإنتاج، فجميع موارده المالية خلال السنة الواحدة لا تكفي لإنتاج عملين دراميين احترافيين. بصراحة أكثر، لا يستطيع تلفزيون سوريا أيضا أن يشتري أعمال درامية جديدة أو أن يمتلك حصرية العرض الأول، فكلفة الحقلة الواحدة، كما يعرف القريبون من السوق تبدأ من 10 ألاف وتصل 20 ألف دولار في بعض الأحيان، وهي مبالغ باهظة لربما تعادل ميزانية قسم رئيسي لدينا ولعام كامل. السؤال إذا وقبل الدخول بالتفاصيل، كيف استطاع تلفزيون سوريا أن يضع اسمه في السنوات الأخيرة على قائمة الجهات العارضة في العالم العربي؟
الجواب باختصار، بكرم ومساعدة المؤسسة الشقيقة في مجموعة فضاءات الذين تخلوا عن مكاسب حصرية ليساعدونا في مهمتنا بدخول بيت كل سوري عبر الدراما وجذبهم لمشاهدة المحتوى الذي نقدمه، والذي لا يجادل الأعمى في أنه الأعلى سقفا في مواجهة النظام دون طائفية وشعبوية مع مناصرة للثورة بقيمها في الحرية والكرامة والأهم في الديمقراطية. وقد وصل هذا الجهد الطيب حدا يراعي فيه حساسيات جمهورنا وتفضيلاتهم بشأن الخيارات الضيقة للممثلين والمخرجين.
لقد عرضنا الجزء الأول من “كسر عضم” قبل عامين ولم يعجبنا سقفه وبعض رسائله ووجوهه رغم المشاهدات العالية التي حققها عند شرائح مختلفة بما فيها جمهور الثورة، وفتحنا الباب حينها لكل الأقلام الناقدة، ودون أي قيود، للخوض فيه بكل تفاصيله تشريحا وتمحيصا، فهامش الحرية أسمى ما نملك من رأس مال. في العام الماضي، امتلكنا مع الشقيقة “العربي “٢ الحق الحصري في عرض مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” وقدمناه للجمهور بوصفه منتجا لنا يرقى إلى طموحنا التحريري رغم الهنات الإنتاجية، فكان الأعلى سقفا في تاريخ الدراما العربية كلها وليس السورية فقط.
في هذا العام، حصلنا مع قنوات عربية أخرى على العرض الأول من الجزء الثاني من كسر عضم – السراديب، وهو أمر ليس جديد ولا مستغرب كوننا عرضنا الجزء الأول قبل عامين، ووجدنا عند قراءة ملخصه بأن شركة الإنتاج راعت النقد الذي كتب سابقا، وقدمت سقفا أعلى من الجزء الأول. صحيح أنه لا يرقى إلى عملنا ” ابتسم أيها الجنرال”، الذي لا يستطيع أحد إنتاجه أو عرضه حتى، لكنه يتماشى مع القاعدة السائدة في التلفزيون عند الاستحواذ على الدراما ” بحيث لا يمدح النظام ولا يهاجم الثورة”، وهذا قائم في العمل الحالي. أكثر من ذلك، ثمة مشاهد كثيرة قدمت فيه تثبت رواية المعارضة خاصة فيما يتعلق بالقتل تحت التعذيب، وتسليم شهادات الوفاة للمعتقلين، واستخدام الأولاد والزوجات في التحقيق، لذلك هو عمل لا يلمع النظام كما يدعي البعض مع أنه لا يذكر رئيسه، وهو ما كنا نتوقعه. لم يصور المسلسل في سوريا، وخرج منه كثيرا من الممثلين السابقين مع المخرجة لأسباب عدة قد يكون منها سقفه العالي مقارنة بالجزء الأول.
قد يجادل البعض بأن هذه الأعمال غايتها التنفيس، وهو ما كان يعمل عليه النظام حتى قبل الثورة، وهو أمر فيه وجهات نظر لكيفية الاستفادة منه. فمن خلال دراسة متأنية ومقابلات كثيرة أجريتها في أبحاثي السابقة خلال توثيق الثورة السورية، ذكر قسم لا بأس منه من المستجيبين كيف أن أعمال مثال ” لعنة الطين”، ” تخت شرقي”، ” بقعة ضوء”، “الولادة من الخاصرة” كانت حاضرة في أذهانهم كمحفز للانتفاض والثورة على النظام رغم استخدامها من قبل الأخير للتنفيس. لقد عبرت أعمال عدة استخدمت أيضا للتنفيس مثل “ضبوا الشناتي”، ” غدا نلتقي”، “دقيقة صمت” وغيرها عن مكنونات السوريين المعارضين في بلدان اللجوء وباتت حالات وقصص تنشر على حساباتهم رغم وجود ممثلين يعيشون في سوريا وبعضهم موالي للنظام.
لكن الأمر مختلف بالنسبة لجمهور الثورة يقول قائل، فأنتم تعرفون أنفسكم بالانحياز لها ولقيمها، ويخشى أن يكون ذلك مقدمة للتطبيع. الجواب بسيط أيضا، التطبيع لا يحتاج تبرير ولا مقدمات، من يريد القيام به يعلنه جهارا نهارا، وهو فعل مذموم وغير مفهوم بغياب أي حل سياسي يحقق التغيير الحقيقي في سوريا. نعيد التأكيد على أن سياستنا التحريرية ثابتة لم تتغير، وأننا نمتلك الشجاعة لإبلاغ جمهورنا بتغيرها فيما لو حصلت، لكنها لن تحصل. لقد نشأ التلفزيون في عام 2018 في ظرف عصيب لحماية سردية الثورة في الحرية والكرامة بعد الهزيمة العسكرية والتراجع السياسي الذي أصاب قوى المعارضة، وقد اضطلع خلال الأعوام الأولى للتأسيس بمهام مناصرة مطلوبة Advocacy لتأكيد استمرارية الفعل النضالي ضد الاستبداد حتى بعد تغير البوصلة الدولية نحو القبول بالنظام.
على أهميتها، ليست مهمة الإعلام المناصرة دائما، بل إن وظيفته تنحصر أكثر في التعبئة “Mobilization” كونه الوحيد القادر على اختراق الحدود والتقسيمات الجغرافية لتنشيط الفعل التواصلي للجمهور. إن عملية التعبئة تتطلب خطابا وتكتيكات مختلفة لضمان جذب أكبر شريحة من الجمهور، وتستخدم فيها أدوات ليست دائما تتوافق مع تمنياتنا، ونفخر في تلفزيون سوريا أن أكثر من نصف عدد المشاهدات تأتي من مناطق خاضعة لسيطرة النظام، ونعتقد أن إحداث التغيير منوط بهم أكثر من النقاشات التي تجري أحيانا خارج سوريا وفي التنسيقيات والغرف على أهميتها.
يمتلك النظام نحو 10 قنوات تلفزيونية تقدم أشياء عدة ومنها الدراما القديمة والجديدة، وهو أمر نحاول التنافس مع النظام فيه. يعرف العارفون أن النظام لم يدخر جهدا ومنذ سنوات وبمطالب رسمية وغير رسمية لإسكات صوتنا لسبب وحيد أننا ننافس على جمهورنا الخاضع لسيطرته وتأطيره. نسعى لأن نكون الشاشة الأهم في سوريا والأكثر متابعة في الداخل والشتات ونعمل ليلا نهارا في سبيل ذلك وقد حققنا خطوات مهمة وخاصة داخل سوريا. حريصون على الصراحة والنقاش مع جمهورنا، نقدر دائما مخاوفهم وحرصهم، لكنهم مطالبون بتفهمنا.
تلفزيون سوريا خدمة إعلامية وليس منظمة ومؤسسة سياسية أو حزبية، تقدم نفسها للمجموع وتنحاز قيميا لجمهور الثورة، تسعى لتوسيع جمهورها بالطبع وتحرص على مخاوفهم لكنها تخط استراتيجياتها بتأني ودراسة ولا تلتفت للأفعال والراغبات العفوية، وستثبت الأيام، كما أثبتت ماضيا وتثبت حاضرا، أننا الأكثر أمانة واحترافية في معركة حقيقية مع النظام لن تنتهي فصولها قريبا. وانشالله سوف أنشر بالتدريج مقاطع عن الانطلاقة الجديدة للتلفزيون وعلى ثقة أنها ستكون عند حسن ظنكم. تقبل الله الصيام وصالح
الأعمال
---------- 
فيسبوك
 

د حمزة المصطفى
الثلاثاء 26 مارس 2024