نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


مشهد الصراع الدولي يتكثَّف في سورية






تُعدّ الساحة السورية منذ أربع سنوات -على الأقل- ميدانًا للصراعات الدولية، لكن النقلة النوعية حدثت منذ التدخل الروسي في سورية، العام الماضي، بمباركة أميركية على الأرجح، وكان الهدف غير المعلن لهذا التدخل هو تحجيم دور الدول الإقليمية في سورية، إيران من جهة، وتركيا والسعودية وقطر من جهة أخرى؛ والأطراف التي تعمل على تغذية الصراع ووسمه بمظهر صراع مذهبي سني – شيعي لا طائل منه.


 
إن التوازن الذي يحاول التدخل الروسي فرضه، هو مصلحة أميركية وغربية أيضًا، على ما يبدو، كشرط لازم لرعاية ناجحة للحلّ السياسي، والدخول في المرحلة الانتقالية، ولقد أعفى التدخُّل الروسي الولايات المتحدة من الخوض المباشر في مجريات الحدث السوري؛ لإحلال هذا التوازن، باستثناء دعمها لـ “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال، لما سينجم عنه من إغضابٍ لحلفائها الداعمين لقوى المعارضة المسلحة في سورية، كما أن ذلك التوازن يساعد في التهدئة الضرورية؛ لتركيز الهجمات على (داعش)، وتنسيقها بين مختلف أطراف التحالف الدولي الذي انضمّ إليه الروس بخجل.
 
انعكس التدخل الروسي -في البداية- بما يشبه معركة كسر عظم بين روسيا وتركيا على الأرض السورية، خاصة بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية شمال اللاذقية أواخرَ العام الماضي، فيما كان التحدي السعودي – القطري للروس أقل حدّة، كما برز التنافس الروسي – الإيراني في أكثر من مناسبة، فالروس يريدون إفهام الإيرانيين بأنهم هم من يدير المعركة في سورية، وعلى النظام وحلفائه الآخرين التعاون.
 
مهَّد ذلك تدريجيًا، لأن تصبح الولايات المتحدة وروسيا القوتين الأكثر هيمنة -على نحو واضح- على مختلف الأطراف المؤثرة في سورية، من دون أن يلغي ذلك الخلافات التي قد تظهر بينهما من وقتٍ لآخر فيما يتعلق بطريقة مقاربة الطرفين للمسألة السورية التي كادت أن تتحوَّل إلى ما يشبه المتاهة.
لم تُطح الخلافات الأميركية – الروسية، حتى الآن، ولا يبدو أنّها ستفعل، بالتقارب الاستراتيجي بين الدولتين، اللتين تُعدّ هيمنتهما على مجريات الحدث السوري التحول الأساسي في السنة الماضية، والذي ربما يمهِّد لحلّ سياسي في نهاية المطاف.
 
يمكن مقاربة المعارك الأخيرة في حلب، ومشاركة الروس الفاعلة فيها، برغبة الحلف المساند للنظام بتحقيق نصر سريع في هذه المدينة، قبل الجولة الجديدة المزمعة من محادثات جنيف هذا الشهر، وهذا ما أغضب أميركا التي أعلن وزير خارجيتها، جون كيري، أن حصار حلب الشرقية قد يطيح بالتعاون بين البلدين في ما يتعلق بالشأن السوري. ومن غير المستبعد أن يكون هجوم الفصائل المقاتلة؛ لفكّ الحصار عن الجزء الشرقي من مدينة حلب، ترجمة للرسالة الأميركية، التي مفادها أن لا تغيير جذري يجب أن يحدث في حلب ومحيطها، ولا حصار في نهاية المطاف لا لحلب الشرقية ولا الغربية.
 
بالتالي، فمن الصعب حسم معركة حلب لصالح أحد الطرفين؛ لانعكاس ذلك على مجمل التوافقات المعلنة وغير المعلنة للتحالف الروسي الأميركي، خاصة في ما يتعلق بالحرب ضد الإرهاب، ممثلاً بداعش وجبهة النصرة (فتح الشام) في هذه المرحلة. كما أنّ الاتفاق الضمني، بين معظم القوى الدولية، على منع تمكُّن المتطرفين الإسلاميين من الاستيلاء على السلطة في سورية، هو من الحقائق الثابتة، مع أن ذلك لا يمنع استخدام هؤلاء في إدارة الصراع واستعادة التوازنات وليّ ذراع الخصم، بانتظار بدء المرحلة الانتقالية التي يُفترض أن تنعطف بسورية في اتّجاه جديد يتجاوز حالة الاستبداد السابقة سياسيًا.
بدورهم، ذكَّرنا الإسلاميون، الذين ينحدرون من أبيهم الروحي (الإخوان المسلمين)، بأحد أسوأ مشاهد الذاكرة السورية، حيث أحيوا اسم منفّذ مجزرة المدفعية إبراهيم اليوسف، مطلقين اسمه على معركة استعادة الكلية ذاتها جنوبي حلب، وكم ينمّ ذلك عن انغلاق دائرة الصراع العدمي بلبوسه الطائفي المخاتل!
 
في هذه الأثناء، يبدو مشروع الدولة الإسلامية في العراق وسورية (داعش) في طريقه إلى التحجيم بعد أن تشكّل أوسع تحالف دولي لمحاربته، وتُعدُّ انتصارات القوى العراقية الأخيرة، المدعومة دوليًا، ضد هذا التنظيم رافعةً تمهِّد لتحقيق تقدم مهم ضدّه على الأراضي السورية، مع أن ذلك مازال بين أخذ وردّ؛ بسبب ضعف التنسيق بين القوى التي تُقاتل التنظيم. ولا شك في أنّ الحل السياسي المزمع تطبيقه سيساعد، بدرجة كبيرة، على تحجيم قوة (داعش)، لتبقى الظاهرة الداعشية المعقّدة كنارٍ تحت الرماد، ما لم تحدث انعطافات سياسية مهمة في دول المنطقة، وحتّى لا يبقى هذا التنظيم، الذي يتغذّى على أوهام تاريخية مفوَّتة، ضرورةً لا بدّ منها في صراع المصالح الإقليمية والدولية في منطقتنا.
 
لا شك في أنّ ثمة تحولًا في مواقف الدول الإقليمية بخصوص الشأن السوري، في الآونة الأخيرة، ولم يكن ذلك ليحدث لو لم يتم ذلك التوافق النسبي بين الروس والأميركان، ولعل انقلاب الموقف التركي تجاه سورية، قبل الانقلاب العسكري الفاشل، وانشغال الأتراك بترتيب الوضع الداخلي بعده، سيؤثر على الدعم التركي للفصائل المسلحة، بخاصة (النصرة) و(داعش)، وقد اتُّهمت تركيا مرارًا بدعم هذين التنظيمين الإرهابيين، ولعل المحادثات بين الرئيسين التركي والروسي ستًمثّل تتويجًا للتحول في الموقف التركي. كما بدأت السعودية بإرسال إشارات إلى الروس، لصالح تطبيع العلاقات بين البلدين.
 
في الواقع، لا يمكن لأي دولة إقليمية الوقوف في وجه اتفاق دولي لحل في سورية، في نهاية المطاف، وفي هذا الإطار، يمكن عدّ تغيير (جبهة النصرة) لـ (فتح الشام) انعكاسًا لمحاولة تكيُّف هذا التنظيم وداعميه الإقليميين، بعد الإعلان عن اتفاق الروس والأميركان على الحرب ضد (داعش) و(النصرة) معًا، كما لن يكون بوسع إيران الوقوف في وجه الحلّ المقبل في سورية، وسيحاول الإيرانيون العمل على تحقيق مصالحهم، من دون الاصطدام المباشر بالقوى الدولية الفاعلة على الأرض السورية.
 
مع أنّ السوريين هم ضحايا صراعات الآخرين على أرضهم في هذه المرحلة، إلا أن هذه الصراعات هي المرشّحة لإنتاج الحلّ السياسي المنشود، الذي قد يكون على حساب بقاء سورية نفسها دولة موحّدة!
-----------
جيرون

منير شحود
الخميس 11 غشت 2016