نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


مهمة قناة الآن السرية في إدلب!؟






"وثائقي" عرضته قناة "الآن" انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح مادة للجدل، بعدما نصبوا "الدبكة" عليه، الجيش الإلكتروني الأسدي وجوقة اليساريين جماعة "ما قلنالكم"! وزمامير الطوائف الذين يريدون القول إن السُنة كلهم منتج ظلامي فاسد!



الوثائقي المعروض ليس وثائقياً بالمعنى المتعارف عليه، هو تجميع لصورعديدة التقطها ناشطون على مدى فترات زمنية، وهي موجودة بكثافة على مواقع التواصل من قبل أن يجمعها الفيلم، وآخرها صور أبو التاو الذي كان يدخن سيجارة تحت لافتة كتب عليها منع التدخين! الصحفية المُستعرِضة وقفت أمام شاشة سوداء تعلق بطريقتها على الصور، وتأخذ ما يؤكد وجهات نظرها من كتب نشرها أتباع "القاعدة" وليس من المؤكد أنها متداولة بين السكان في إدلب، وليس بالضرورة أنها شكلت وعياً وآلية سلوك قاعدي لسكان إدلب!
في عام 1999 عرضت الجزيرة وثائقياً مشابهاً، بنفس الطريقة، قام بإعداده "صلاح نجم" رئيس تحرير القناة تحت مسمى "تدمير القاعدة" وكان يرصد انتشار القاعدة في أفغانستان، وذلك قبل فترة من الحادي عشر من سبتمبر، وربما كان هدفه إيجاد مبرر أخلاقي في ذهن الشعوب الغربية لتقوم جيوشهم بتصدير "الديمقراطية" الى أفغانستان والعراق!؟

فيلم قناة "الآن" لايمكن وصفه بالفبركة لأن كل ماورد فيه صحيح، وشاهدناه مئات المرات من قبل، بالفعل توجد لافتات من هذا النوع كالتي رأيناها، ويوجد مقاتلون من تركستان، ومحافظة إدلب فعلا مقسمة عسكرياً بين التنظيمات المتحالفة مع أحرار الشام والأخرى المتحالفة مع هيئة تحرير الشام،التي تضم فتح الشام أو النصرة سابقاً. إذن عوامل الفبركة ليست واردة في الفيلم، الفبركة هي فكرة الفيلم الذي يريد أن يصور الأوضاع في إدلب وكأنها تشبه تلك الموجودة في مناطق داعش!؟ لنرى إن كان ذلك صحيحاً!
لا يمكن في إدلب تشبيه الوضع بمناطق داعش، لأن داعش تسيطر منفردة على مناطقها، أما "النصرة" فتتقاسم السيطرة مع فصائل متعددة، وأغلب الأحيان هذه الفصائل أقوى منهم، مثلا حاولت النصرة مراراً القضاء على تنظيم فوضوي يسمى جند الأقصى، الذي أصبح الآن لواء الأقصى، ولم تستطع، وتحرشت مرارا بالأحرار دون نتيجة، النتائج الهامة التي حققتها "النصرة" كانت في ريف حلب الشمالي مع فصائل مثل جمال معروف وحزم سابقا. حتى تحرشها بالجيش الحر في إدلب لم يأت بنتائج هامة وماتزال العديد من الفصائل تعمل هناك.

والأهم  الأوضاع في محافظة إدلب لا تشبه تلك الموجودة في مناطق داعش، ففي إدلب تنتشر القنوات التلفزيونية عبر الصحون اللاقطة، وهناك مراسلون وناشطون بالمئات يحملون هواتف نقالة وأجهزة بث في كل مكان، أورينت تعمل بحرية كبيرة في المنطقة، وحتى قناة الآن لديها 4 مراسلين!؟
الممنوع في إدلب يتعلق بالهواجس الأمنية وخوفأً من أن يلتقط المراسلون صور معسكرات أو مقرات أو حواجز خوفاً من أن يتهموا لاحقاً بأنهم يصورون المنطقة لضربها أو لتقديم إحداثيات للنظام، عدا هذا الهاجس الأمني يعمل تلفزيون أورينت وغيره في المنطقة بحرية غير موجودة في مناطق سيطرة أسد ومليشياته المتحالفة! والطيران الروسي.

الصورة الكئيبة التي ظهرت عن تورا بورا إدلب ليست حقيقية، مازال هناك، حتى الآن، في إدلب حراك مدني وإذاعة فريش ونشطاء يوجهون انتقادات للنصرة، ويوم الجمعة الماضي اعتلى منابر المساجد شيوخ النصرة للتهجم على فصائل أخرى وعلى إشاعة رغبة الجيش التركي بالدخول إلى ادلب، وعلى تداعيات أستانة، فقام جمهور المصلين في بنش مثلا بإنزال الخطيب وطرده من المسجد، هذا لايمكن تخيله في مناطق داعش أو مناطق سيطرة أسد ومليشياته، أن شيوخاً يعتلون المنابر لمدح روسيا وإعطاء صفة الملائكية لجنود بشار وقتلة المليشيات الطائفية يقومون بإنزالهم من على المنابر وطردهم!؟ والأهم أن النشطاء تظاهروا الجمعة الماضية ضد النصرة ردا على تحركات لمتظاهرين مؤيدين للنصرة، ولم تحدث اشتباكات تذكر بينهم، لا بل هناك جدل كبير في المنطقة حول كل القضايا وكل ما يطرح على الساحة بحرية معقولة غير متوفرة لا في مناطق داعش ولا مناطق سيطرة الطائفيين الأسديين الذين يزمر لهم طائفة اليسار المتحالفين مع حلف الطوائف ضد السُنة!؟

ما عرضه الوثائقي عن المسيحيين في المنطقة غير حقيقي بالمطلق، فمع تحرير إدلب طلب المسيحيون في معظمهم الساحق الخروج الى اللاذقية ومناطق طرطوس، بناءً على إقناعهم من قبل كنائس ورجال دين النظام بالخروج وأوصلتهم كتائب من بينها النصرة الى حواجز أسد، وبناءً على طلب المسيحيين أنفسهم ساهمت أورينت الانسانية بنقلهم وحمايتهم حتى حدود حواجز أسد، وهناك صور عرضها تلفزيون أورينت عن دوريات للنصرة في حارة المسيحيين في إدلب لحمايتهم قبل الخروج وكذلك جرى في القنية واليعقوبية!
أوضاع التوتر التي عرضها الوثائقي مرتبطة بشكل أساسي والخوف الأساسي لسكان المنطقة متعلق في معظمه الساحق بالخوف من القصف الجنوني لطائرات أسد وروسيا وبسبب ذلك تعيش ادلب أوضاعاً غير مستقرة وغير طبيعية، أغفلها وثائقي "المهمة المستحيلة"  Mission: Impossible !

الفيلم الذي عرضته قناة الآن، المملوكة لرجل تركي، يأتي في ظل الاستعدادت التركية لاقتحام ادلب والحديث عن بناء قواعد عسكرية تركية داخل الحدود الشمالية السورية، وتزايد الحديث عن انتشار درع الفرات وفي الرغبة المعلنة عن القضاء على وجود النصرة، وهو حديث لم يعد سرياً ولا حتى إعلامياً فقط، بل تحدث عنه نائب رئيس الوزراء التركي وأيضا وزير الدفاع، فواضح أن "الوثائقي" لديه مصلحة في تصوير ادلب بهذه الطريقة في هذه اللحظة تمهيدا لمشاريع يتم إعدادها في عواصم إقليمية!؟
قناة الآن في هذا الوثائقي وغيره مثل العربية تعاني بشدة من رهاب الإسلاموفوبيا وكل برامجها هي حول القاعدة وداعش والايزيديات والسبايا وبقية الأسطوانة، لأهداف باتت معروفة ككبح انتشار الربيع العربي، ومساعدة الطباخين الإقليميين وغير الإقليميين في طبخ ما يعد لهذا البلد الذي أصبح لعبة بيد من يرغب!؟

في ظل وجود أكثر من 300 صحفي في المنطقة هل يمكن الحديث فعلا عن سبايا وبقية الترهات وأصلاً المقاتلون من كل الكتائب غالبيتهم من سكان ادلب، عدا التركستان وهؤلاء فصيل منضبط، وحتى أكثر عقلانية من معظم الفصائل الموجودة وهو لعب أدواراً في فض اشتباكات بين هذه الفصائل؟!
الحديث عن الأوضاع الاجتماعية مثل النساء السافرات والتبرج، وكأن ادلب كانت لاس فيجاس في الماضي، أنا من ادلب وانقطعت عنها قبل الثورة بعدة أشهر،  إننا نتحدث عن منطقة محافظة جدا وإن كانت تتقبل حالات مخالفة لبعض العائلات الليبرالية، وبعض المناطق كانت اكثر تحررا كسلقين وحارم، لكنها لا تتعدى خلع الحجاب! والباقي مناطق محافظة جدا كتفتناز ومحيطها وجبل الزاوية مع ريف حماه الشمالي والشرقي!؟
المشكلة أن الإسلاميين على مختلف انواعهم يعانون من قلة العقل والسفاهة وينشرون لافتات وقصص أخرى التي تعبر عن تدني مستواهم العقلي! فهل صحيح أن مشكلة مجتمع يعاني من القصف اليومي والجوع الدائم بالحصار، هي التبرج ومن لديها المال والمزاج للتبرج في هذه الأيام في ادلب؟!

المشكلة الرئيسية كانت ومازالت تتحملها قناة أورينت فمراسلوها يحبون المعارك والقصف والنوح واللطم والمشافي المدمرة، ويتجنبون الحديث عن الجدل العام في المنطقة وخلافات الفصائل وحركة النشطاء والتغيرات التي تطرأ على المجتمع بسبب الحرب والتهجير المتلاحق، نعم مراسلو اورينت يتحملون المسؤولية بسبب زهدهم بهذه القضايا وتركيزهم على مايعرف بالمعركة الرئيسية، علماً أن القناة موقفها المنفتح على كل التنظيمات والأفكار، وأؤكد بكل قوة أن ليس لها أجندة غير سورية، ولا تعاني من رهاب الاسلاموفوبيا، حتى ان نكتة درجت أن "الشيخ المحيسني هو أحد مراسلي القناة في ادلب" لذلك كان بإمكانهم ان يتحركوا ويكتبوا دون أن يكونوا مشبوهين بأن تحركهم ضمن أجندات اقليمية مثل بقية القنوات، حتى لا يسمحوا لمثل هذه العته أو هذه الرسالة المدمرة لسكان ادلب أن تمر هكذا!
القضية الآن أن أي تناول عاطفي غير عقلاني لوثائقي الآن سيصور وكأنه دفاع عن القاعدة وممارسات النصرة وسيتهم بمحاولة تجميل صورة هي أصلاً صورة غير جميلة، ولكن ليس بسبب اللافتات المعتوهة، بل بسبب تدمير كل امكانية للحياة في ادلب عن قصد من قبل طيران روسيا وأسد والتركيز منذ تحرير ادلب على محاولة جعل الحياة فيها مستحيلة، وهذا لا تريد الجوقة التي ذكرتها أعلاه أن تراه!؟ لذلك إن أي نقاش حول الموضوع يحاول تجميل الوضع الذي هو نفسه بائس ولكن لأسباب غير تلك التي ذكرها الوثائقي التبريري للقتل الجماعي، سيكون أشبه باللعنة، لكنني أستدعي هنا طريقة عمل المحاكم الأمريكية وهو فضح أهداف هذا الوثائقي واجندته وعرضه في اليوم الذي تصدر الخارجية الأمريكية صور المحارق، وعندما يتحرك طرف إقليمي لفرض أجندة استانة ولماذا في هذا الوقت بالذات تقرر قناة الآن التركية أن ادلب هي تورا بورا! هل هي صدفة؟ ربما!

المشكلة الأخرى ان قناة الآن دخلت من منطق أنها ليست معادية للثورة السورية وهي تعرض بشكل منتظم لمعاناة السوريين وهي موجودة في مناطق المعارضة وتعرض تقارير إنسانية عن المعاناة من القصف ووحشية النظام لذلك تبقى المشكلة معها أسوأ مما لو ورد هذا الوثائقي على بي بي سي أو قناة الميادين... لمن يعقل ويعدل!
----------
اورينت
 

غسان عبود
الخميس 18 ماي 2017