نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


صورة جيمس جويس في شبابه




تصادف هذه السنة المئوية الأولى لصدور «صورة الفنان في شبابه»، رواية جيمس جويس الأولى التي نُشرت في نيويورك سنة 1916، ولكنها كانت ـ بمبادرة شخصية من إزرا باوند ـ قد ظهرت مسلسلة في مجلة «إيغويست» الأدبية، خلال عامَيْ 1914ـ1915. التوقيع، في ختام الرواية يشير إلى «دبلن 1904 ـ تريست 1914»؛ الأمر الذي يعني أنّ كتابتها استغرقت 14 سنة، وامتدت بالتالي على أسفار جويس بين إرلندا وإيطاليا


 . كذلك كانت الرواية ثمرة عمل سابق بعنوان «ستيفن بطلاً»، كان من المقرر أن يشتمل على 63 فصلاً، لكن جويس تخلى عنه عند الفصل 25، واستقرّ على «صورة الفنان…» في فصولها الخمسة. قبل ذلك، كان جويس قد كتب الشعر، ومسرحية وحيدة بعنوان «المنفيون»؛ كما نشر نصّاً قصيراً فاتناً، بعنوان «جياكومو جويس»، يمزج بين النثر السردي وقصيدة النثر، وينهض بدوره على مزيج من هذيانات الإحباط والاستيهامات الجنسية لأستاذ تجاه إحدى طالباته.
وكما هو معروف، تتناول «صورة الفنان…» سيرة ستيفن ديدالوس، الأنا الآخر لشخص جويس نفسه، من طفولته وحتى بلوغه سنّ الثامنة عشرة؛ وانتقالات وعيه، خلال هذه الأطوار العمرية، بين الكنيسة والمراهقة والتمرّد الاجتماعي والفنّ، حين يقرر الفتى الهجرة من بلده إرلندا، والرحيل إلى أوروبا، رافعاً ذلك الشعار الشهير: «لن أخدم ذاك الذي لم أعد مؤمناً به، سواء حمل اسم موطني، أرض أجدادي، أو كنيستي. وسأسعى إلى التعبير عن نفسي، بما أستطيع من حرّية، وبما أستطيع من كلّية». ذلك لأنه لقي الكثير من العنت والمشقة، وطُحنت مشاعره مراراً وهو يصغي إلى سجالات سياسية ودينية وفلسفية، في البيت على طاولة العشاء، وفي الشارع مع أقران تتناهبهم انتماءات متضاربة، وفي المدرسة حيث التقاليد والكنيسة والشقاقات المذهبية بين الكاثوليك والبروتستانت؛ ثمّ في الفضاء الأعرض الذي تمثّله مدينة دبلن، وفيها تتمثّل إرلندا بكلّ تناقضاتها وصراعاتها وجمالها وقبحها…
ولا يُنسى ذلك القسم من الفصل الثالث، حين يقشعر بدن الفتى ديدالوس خلال موعظة في الكنيسة تشرح أهوال الجحيم (مشهد رهيب يؤديه سير جون غيلغود، الواعظ، في شريط جوزيف ستريك المستمد من الرواية): «هم يرقدون في ظلام يحيطهم من كل جانب، فتذكروا أن نيران الجحيم ليس لها نور. فكما فقدت نيران النير البابلي حرارتها ولم تفقد ضوءها بأمر من الله، كذلك تتقد نيران الجحيم إلى الأبد في ظلام، بينما تحتفظ بشدة سعيرها بأمر من الله، فتكون عاصفة لا نهاية لها من الظلمة، في لهيب مظلم، ودخان كبريت محترق مظلم، وتتراكم في وسطه الأجساد واحداً فوق الآخر من دون فرجة هواء. ومن بين الرزايا التي ابتليت بها أرض الفراعنة لم يكن هناك أفظع من الظلمة، فماذا نسمي إذن ظلمة الجحيم التي لا تدوم ثلاثة أيام فقط بل إلى الأبد». (في ترجمة ماهر البطوطي، دار الآداب، 1986).
وبالطبع، لا يُحتفى بهذه الذكرى المئوية لـ«صورة الفنان…» كما يحتفي بها عشاق أدب جويس في يوم 16 حزيران (يونيو) من كلّ عام. هذا هو يوم «بلومزداي» العجيب، من العام 1904، حين تجوّل رجل إرلندي يُدعى ليوبولد بلوم فــي شوارع العاصمة دبلن، ثمّ التقى بإرلندي آخر شابّ يُدعى ستيفن ديدالوس، فترافقا بعض الوقت، وزارا دار بغاء بيللا كوهين، ثم عاد كلّ منهما إلى بيته.
وهذا نهار لم يجرِ في الواقع، بل في «عوليس»، رواية جويس الأشهر (نقلها إلى العربية د. طه محمود طه، ثمّ الشاعر العراقي صلاح نيازي؛ في ترجمتين جديرتين بالتقدير العالي أياً كانت هناتهما)؛ من الصباح الباكر، وحتى قرابة الثانية والنصف بعد منتصف الليل. وأمّا الحوادث التي تشهدها مدينة دبلن في ذلك اليوم، فإنها متناهية في بساطتها، رغم أنّ التاريخ يجثم عليها مثل كابوس، كما يعبّر ديدالوس.
الفصول الثلاثة الأولى تصوّر الفتى في برج مارتيللو الذي يقطنه مع مولليغان وهاينز، ودرس التاريخ الذي يلقيه على طلاب مدرسة المستر ديزي، ثمّ نزهته على شاطئ سانديماونت. الإثنا عشر فصلاً التالية تروي وقائع يوم بلوم (عوليس الرواية): الإفطار في منزله، حضور الجنازة، زيارة مكتب الصحيفة، خمّارة ديفي بارنز، المكتبة، شوارع المدينة وموكب نائب الملك، الموسيقى في فندق أورموند، الاصطدام مع «المواطن» في خمارة بارني كيرنان، مغازلة جيرتي ماكدويل على الشاطئ، المستشفى ولقاء ديدالوس (تليماخوس الرواية)، ثمّ مغامرتهما في المبغى. القسم الثالث يتألف من ثلاثة فصول: بلوم وديدالوس في الملجأ، عودتهما إلى منزل بلوم في 7 شارع إيكلز، ثمّ حجرة نوم موللي (زوجة بلوم) وأخيلتها الجنسية التي تسردها في ذلك المونولوغ ـ التحفة؛ الذي يسير، كجملة واحدة متصلة بلا أيّة علامة وقف، على امتداد أكثر من 3500 كلمة.
شخصياً، لم أفوّت فرصة متابعة واحد على الأقل من أنشطة كثيرة أقامها عشاق أدب جويس يوم 16 هذا الشهر، في باريس. ثمة بهجة خاصة، إلى جانب المعرفة المتجددة، في اكتشاف وإعادة اكتشاف صورة جويس، هذا الروائي الكبير، في شباب له… لا يزول.
--------------
القدس العربي

صبحي حديدي
الثلاثاء 21 يونيو 2016