نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


الذكرى 500 لمعركة مرج دابق التي رسمت خارطة المنطقة ولا تزال






كل ما تقرؤه هنا أحداث حقيقية بالاسم والوصف، والرواية هنا خبرية حيادية بالمطلق.

آب 1516 قبل 500 عام بالضبط، الأتراك والإيرانيون والعراق والشام ومصر على أعتاب تحولات كبرى سيستمر تأثيرها خمسة قرون، ومن يدري ربما تستمر كذلك قروناً أخرى.


 

السلطان العثماني سليم الأول يتجه نحو أوروبا.. محاولات لدخول النادي الأوربي .. الأوربيون يعترضون بشدة لا يجوز أبداً ان يمنح الأتراك فرصة دخول النادي الأوربي، إنهم لا يشبهون حضارتنا المسيحية العريقة ولا يفهمون آلهتنا العتيقة… ثم إن عليهم أولا أن يعيدوا القسطنطينية التي احتلوها قبل ستين عاماً، ولا يوجد أي أفق للحوار معهم.

الصفويون يؤسسون دولتهم في تبريز بإيران عام 1500 ويمضون على الفور في فرض المذهب الشيعي على سائر إيران وأنباء متواترة عن اضطهادات قاسية يعانيها سكان المدن السنية أمام الطموح الصفوي، وانهيار تام للعيش المشترك بين السنة والشيعة الذي أرساه الخليفة العباسي الناصر منذ 300 عام.

الصفويون يتحركون خارج الهضبة الايرانية ويدخلون بغداد 1508 وأنباء عن سلسلة مذابح عنيفة يكابدها العراقيون وتدمير كبير للتراث السني في بغداد وانحسار السنة تقليدياً الى الأنبار والشمال الكردي، فيما يتشكل في العراق وإيران حشد شعبي مسلح تفتي به المراجع الدينية لمواجهة العثمانيين والنواصب وحماية مراقد أهل البيت!!

السلطان العثماني بعد محاولات عديدة وسلسلة حروب ومواجهات في أوروبا ينجح في عقد هدنة مع الأوربيين ثم يتحول إلى المواجهة مع الصفويين.

الأتراك يطلبون من حكومة الشام في دمشق وحلب التي كانت تحت الحكم المملوكي أن تنضم إليهم في حربهم ضد الصفويين على أساس أنهم مرتدون أعداء للسنة، دفاعاً عن إخوانهم في العراق والاحواز والغرب الإيراني، وإحياء للخلافة التي كان العثمانيون على وشك إعلانها وفق المذهب الحنفي السني.

قانصوه الغوري السلطان المملوكي في مصر والشام يقود سلطنة هرمة مريضة عصفت بها الخلافات والأطماع واستبد فيها الولاة المحليون

الصفويون يتواصلون مع قانصوه الغوري يحذرونه من الخطر التركي، ويتواصلون مباشرة مع زعماء الأقاليم الشيعية والعلوية في جبال الساحل وكسروان وبعلبك وصفد التي كانت عاصمة الجنوب اللبناني، ويعرضون خدمات كثيرة تحت عنوان محور المقاومة والممانعة يضم ايران والعراق والشام ويمتد الى مصر لمواجهة أطماع البرتغاليين والأسبان من الغربيين الصليبيين.

بدوره السلطان سليم الأول يتواصل مع قانصوه الغوري يذكره بتاريخ الشام الأموي السني ويحذره من مكائد الصفويين ويدعوه للالتحام معه لمواجهة الصفويين الذين يحملون مشروعاً توسعياً يغطي الهلال الشيعي بدءاً من قم وبغداد الى الساحل الشامي وصولا الى الجنوب اللبناني

يظهر الاكراد والتركمان في أراضي كردستان التاريخية كقوتين مؤثرتين في ساحة المعركة بين الترك والصفويين، ويسعى الصفويون والأتراك لخطب ودهم، ولكنهم كانوا يدفعون دوماً ثمناً غالياً من بطش  المنتصر، وتزداد أهمية جيش الحماية التركماني الذي يقوده علاء الدولة وقد نجح في السيطرة على مساحات واسعة من الأرض بين الترك والصفويين في شمال العراق والجزيرة السورية وحاول ان يقيم امارة مستقلة.

السلطان سليم يصل بجيش عرمرم الى جالديران على الحدود التركية الايرانية اليوم ويخوض معركة ضارية ضد الشاه عباس الصفوي تنتهي بهزيمة ماحقة للصفويين، ويتم أسر آلاف السبايا ومنهم الأميرة نهروزة خانم زوجة السلطان اسماعيل الصفوي.

يدخل السلطان سليم تبريز عاصمة الصفويين ويستبيحها ويعلن انتصاره الكامل، وعلى الرغم من قراره المضي حتى سحق الدولة الصفوية ولكنه واجه معارضة قاسية من قادته العسكريين مما اضطره للعودة الى استانبول وحالما وصلها تخلص من أبرز القادة العسكريين واعتبرهم مسؤولين عن تفويت فرصة لقضاء على العدو التاريخي الصفوي الذي عاد بسرعة إلى تبريز وأعاد اليها عاصمة ملكه.

يرسل السلطان اسماعيل وفداً محملاً بالهدايا الى السلطان سليم راجيا اطلاق سراح زوجته من الأسر ولكنه يقتل الرسل ويدفع بالأميرة الى أحد كاتبيه ليتزوجها سبية اذلالاً للشاه اسماعيل الصفوي.

الشمال السوري السني يؤيد السلطان سليم بأكثرية ساحقة في حربه ضد الصفويين ويطالب قانصوه الغوري بالانضمام الى الحملة السنية الظافرة ولكن قانصو يواجه تحدياً كبيراً من العشائر العلوية والشيعية والدرزية التي طالبته بمواجهة الطموح التركي والتحالف مع الصفويين، وقد أيده في ذلك والي حمص والشوف جان بردي الغزالي الذي حشد جيشاً كبيراً من الجنوب اللبناني وبعلبك والشوف لقتال العثمانيين مدعوماً بتأييد صفوي كبير.

كان خاير بك والي حلب للمماليك رجلاً مهمً مرهوب الجانب ولكنه أدرك حجم الغضب الشعبي الكبير في حلب وريفها من التحالف مع الصفويين الذي يقوده ولاة الساحل وبعلبك والشوف وجبل عامل، والذي كان يشكل عصب الجيش الحكومي الذي يقوده قانصوه الغوري.

خاير بك والي حلب يتواصل سراً مع العثمانيين، وينتظر الوقت المناسب.

دولة المماليك في شيخوختها المريضة وقانصوه الغوري يعجز عن اتخاذ موقف حاسم ويستمر في مصانعة الأتراك والصفويين معاً، ولكنه يغري علاء الدولة أمير سلالة ذا القدر وهي قوات الحماية التركمانية بمهاجمة الجيش العثماني من الخلف وينجح في ذلك، وحين سأله السلطان سليم عن هذا قال قانصوه ان علاء الدولة منشق ولا يستجيب لأوامري.

الامور تزداد وضوحاً وقانصوه الغوري لم يعد صديقا للأتراك، وبدا أنه واقع تحت تأثير العسكر وقادته المتعاونين مع الصفويين.

الشعب الشامي في دمشق وحماه وحلب يبدا ثورة غاضبة من نظامه بسبب انتشار الفساد والفقر وعجز الدولة المملوكية الهرمة عن تلبية احتياجات الناس، ويزداد الغضب مع التحالف المشبوه لجيش  السلطان قانصوه مع الصفويين الايرانيين والمزايا التي غنمتها العشائر العلوية والشيعية والبكتاشية بسبب هذه التحالفات مع الصفويين، وفي الشمال السوري يعلن والي عينتاب الانفصال عن دولة المماليك والانضمام للسلطنة العثمانية.

الصفويون كانوا ينادون بتشكيل حلف مقاومة وممانعة في وجه الأطماع الغربية الصليبية البرتغالية التي كانت تسيطر على السواحل جنوب جزيرة العرب وتعلن نيتها الوصول الى مكة والمدينة والسيطرة على البحر الأحمر والخليج العربي بالكامل.

يشتد الحلف الصفوي بين الإيرانيين من جانب والعشائر المسلحة التي يقودها ولاة الساحل والجنوب اللبناني وينجح والي حمص والشوف جان بردي الغزالي من حشد أكثر من عشرة آلاف مقاتل منهم على أساس طائفي ليقاتلوا السلطان سليم في مرج دابق تحت راية السلطان قانصوه الغوري.

يدعم الاتراك ثورة أهل الشام وحلب ضد السلطان قانصوه وضد قادته العسكريين من العلوية والبكتاشية وزعماء جنوب لبنان المتحالفين مع الصفويين، وتشتد الثورة ضد قانصوه الغوري في دمشق وحلب وحماه، ويعلن السلطان سليم أنه لن يسمح بسحق الشعب الشامي ولا برميه في أحضان الإيرانيين.

يزداد الدعم الصفوي للحكام المحليين وللسلطان قانصوه الغوري، ويقدم الصفويون رجالا وعتاداً كثيراً لقتال السلطان سليم ومن تحالف معه من الشعب الشامي.

يصل السلطان قانصوه الغوري الى مرج دابق يوم 8/ آب 1516  وهي بلدة هامة تقع غرب بلدة مارع وتشكل مثلثاً مع تل رفعت وأعزاز شمال حلب، وتحظى هذه البلدة بشهرة تاريخية كبيرة حيث ورد فيها حديث في صحيح مسلم أنها ستشهد أكبر ملاحم نهاية العالم وستزهق فيها أرواح مئات الآلاف.

كان جيش السلطان منقسماً إلى الغاية ومع بداية المواجهة  يوم 24 آب انشق الجيش وانضم خاير بك والقاضي يونس إلى الجيش التركي، وهناك جدل حول دور جان برد الغزالي وتم تطويق قانصوه الغوري الذي قتل خلال الانسحاب ولا تعرف له جثة ولا ضريح.

ومنذ 24 آب 1516 أي قبل 500 عام بالضبط تحدد شكل المنطقة امبراطورية عثمانية مقابل دولة صفوية ولا يزال السوريون منذ خمسمائة عام منقسمين في التحالف بين الصفويين والعثمانيين، وما أشبه حرب اليوم بحروب الأمس، ونكذب على أنفسنا إذا قلنا إن السلاح في هذا الحرب غير طائفي، لقد انحسر المشهد قبل خمسمائة عام عن فرز طائفي مقيت وهو يكرر نفسه اليوم في معارك متتالية أبرز ملامحها هو العنصر الطائفي الذي أثبت أنه أقوى العوامل حضوراً في الحرب وأقلها فائدة في السلم.

كانت هذه التفاصيل هي التي رسمت خرطة هذا الشرق المنكوب خمسمائة عام، وهي اليوم تتكرر دون أدنى تعديل……

فمتى نتعلم الخلاص من الطائفية المقيتة التي أنهكت سوريا 500 سنة، وهي على وشك الدخول في دورة جديدة؟ ومتى نتحول الى الدولة الديمقراطية المدنية التي تؤمن بالتاريخ أمة خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون.

هل تعلمنا شيئاً؟؟؟

المعلمون ثلاثة: الكتاب يعلًم، والمدرسة تعلم، والدهر يعلم… والدهر أقسى المعلمين.
-----------
كلنا شركاء


د. محمد حبش
السبت 20 غشت 2016