وفي الوقت الذي تجمع به الأهالي في ساحة “الكرامة”، ضمن مركز المدينة، للمناداة بمطالبهم، وزع ناشطون وناشطات باقات من الورد على السيدات المشاركات في الحراك السلمي، تأكيدًا على دور المرأة وحضورها، وأهمية مشاركتها الثورية.
 
نوّار، شابة ناشطة من محافظة السويداء، قالت لعنب بلدي، إن المرأة في السويداء حاضرة في المشهد السياسي الكامل منذ عام 2011، وأثبتت وجودها في الاحتجاجات السلمية الحالية للمطالبة بحقوها، وتركت بصمتها عبر مجموعة فعاليات منها تأليف الأغنيات والأناشيد الثورة، مع مشاركة إعلامية لإعلاء صوتها وإظهار موقفها، كما أن شعار يوم الجمعة “تاء التأنيث الثائرة”.
مشاركة نسائية واسعة في احتجاجات السويداء المتواصلة للمطالبة بالتغيير السياسي ورحيل الأسد- 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)

مشاركة نسائية واسعة في احتجاجات السويداء المتواصلة للمطالبة بالتغيير السياسي ورحيل الأسد – 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)

“روح ساحات الكرامة”

نوّار ترى أن اللافت في المشاركة النسائية هو الصورة الحضارية التي تقدمها المرأة عن الحراك، والتأكيد على أن الشارع يدعو للسلام لا للحرب، لا سيما أن صوت المرأة لم يكن مسموعًا، فالمرأة تشارك بالاحتجاجات مع أطفالها، وترسم رسومات تعبيرية، لتعكس استمرار سلمية الانتفاضة في السويداء واستمرار الانتفاضة أيضًا، دون خوف، رغم المخاطر الأمنية والتحديات الاقتصادية.
وخلال المظاهرة، ألقت شابة من المحافظة كلمة شكرت خلاها النساء السوريات اللواتي عانين من النظام السوري قتلًا واعتقالًا واغتصابًا وتهجيرًا.
وألقى ممثل عن التجمعات المهنية في المحافظة كلمة وجه عبرها التحية لكل أم فقدت ابنها، وكل امرأة تنتظر عودة ولدها من سجون الاستبداد والظلم، وكل امرأة عاشت فراق أبنائها المهجرين، وكل امرأة في مخميات الشتات، “كنتن روح ساحات الكرامة وبوحها ونبضها وعزتها، زغاريدكن فتحت باب الحرية واسعًا للأحرار”.
سيّدات من السويداء يشاركن في الاحتجاجات السلمية المطالبة برحيل الأسد- 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)

بباقات الورد، سيدات من السويداء يشاركن في الاحتجاجات السلمية المطالبة برحيل الأسد – 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)

بعد جواد الباروكي

إلى جانب المشاركة الواسعة لمختلف أطياف ومكونات أبناء السويداء، والتأكيد على المطالب الثورية ذاتها، المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين، وإسقاط النظام، والتغيير السياسي، تأتي الاحتجاجات بعد أخرى سبقتها الأسبوع الماضي، قتل خلالها متظاهر مدني برصاص عناصر قوات النظام، خلال مشاركته في مظاهرة قرب مركز “التسوية” وسط المدينة، في 28 من شباط الماضي.
ورغم حالة التوتر التي عاشتها السويداء عشية مقتل المواطن جواد الباروكي، عاد أبناؤها للاحتجاج في ساحة المدينة الرئيسة اليوم، الجمعة، إذ نشرت “السويداء 24″، وهي وسيلة إعلام محلية متخصصة بتغطية أخبار المحافظة، صورًا تظهر تجمع محتجين في ساحة “الكرامة” وسط المدينة.
من جانبها، قالت السفارة الأمريكية في سوريا، في 1 من آذار الحالي، إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين في السويداء.
وأضافت، “نأسف للخسارة في أرواح المدنيين ونقدم تعازينا لجميع المتضررين ولعائلاتهم، السوريون في السويداء وفي كل مكان يستحقون السلام والكرامة والأمن والعدالة”.
إطلاق النار على المحتجين ليس الأول في السويداء، إذ سبق وأطلقت قوات أمنية النار على محتجين، في أيلول 2023، دون وقوع إصابات حينها.
رغم تكرار الحادثة، لا يزال حراك السويداء محافظًا على سلميته، إذ خرج الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، عقب مقتل الشاب، خلال لقاء حشد من المحتجين، متحدثًا عن أن جواد الباروكي “شهيد للواجب”، ووصف قاتليه بـ”أيادي الغدر”، مشددًا على ضرورة الحفاظ على المسار السلمي للحراك. الموقف نفسه أبداه الهجري في المرة الأولى التي تعرض خلالها المتظاهرون لإطلاق نار من قبل القوات الأمنية، إذ دعا حينها لضبط النفس، والحفاظ على المسار السلمي.

ليست حديثة عهد

لا تعتبر السويداء حديثة عهد بالاحتجاجات، إذ شهدت المحافظة عدة موجات منها على سنوات متفرقة خلال العقد الأخير، لكن ما يميز المشهد حاليًا حالة الالتفاف الاجتماعي، المتمثلة بمناصرة أوسع لأبناء المحافظة من نقابيين وفنانين وحرفيين وغيرهم للحراك، إلى جانب مباركة المرجعية الدينية أيضًا، ما يعطي لصوت الشارع صدى أكبر، وجرأة أعلى دفعت بالناس من قرى وأرياف المحافظة للتجمع كل يوم جمعة في “ساحة الكرامة”، مجددين تأكيدهم على المطالب ذاتها.
السويداء تحيي اليوم الدولي للمرأة من ساحة الكرامة حيث يطالب المتظاهرون برحيل الأسد- 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)

السويداء تحيي اليوم الدولي للمرأة من ساحة الكرامة حيث يطالب المتظاهرون برحيل الأسد- 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)

حراك السويداء المتواصل منذ نحو نصف عام، وتحديدًا بعد رفع أسعار المحروقات في آب 2023، وما رافقه من حالة تململ بدت جريئة على المستوى الفردي في الساحل في السوري، ومدروسة على المستوى الجمعي في السويداء، كان محط أنظار سياسيين ودبلوماسيين غربيين (السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، ومبعوثو ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى سوريا) قرؤوا في المشهد خروجًا عن “أسطوانة النظام السوري” التي تؤطر الحراك في مذهب أو طائفة أو مكون اجتماعي محدد، مع الإشادة بشجاعة أهالي السويداء ومشروعية تطلعاتهم إلى العدالة والحرية وإطلاق سراح المعتقلين.
جمعة الاحتجاجات السلمية المطالبة برحيل الأسد تحمل اسم "تاء التأنيث الثائرة- 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)

جمعة الاحتجاجات السلمية المطالبة برحيل الأسد تحمل اسم “تاء التأنيث الثائرة – 8 من آذار 2024 (عنب بلدي)