نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


الإجراء الأمني "اس 17" يحول الوطن إلى سجن مفتوح




تونس - لم يعد بمقدور "ناجم" أن يسلك طريقه المعتاد عبر الحدود الجزائرية لنقل البضائع، وهي المهنة التي ظل يزاولها لنحو عشرين عاما، وذلك منذ اخضاعه إلى الإجراء الأمني "اس17" والذي حول حياته إلى جحيم.


بحسب الرواية التي قدمها ناجم /59 عاما/ لمنظمة العفو الدولية فإن الإجراء اتخذ بحقه في الثاني من تشرين أول/ أكتوبر2016، عندما طلب منه ضباط شرطة الحدود الانتظار في نقطة عبور أثناء محاولته مغادرة تونس، وبعد حوالي 90 دقيقة، أخبروه أنه لم يعد مسموحا له بالسفر. لم يقدم الضباط لناجم أي وثيقة مكتوبة، ولم يقدموا ما يفيد بصدور أمر قضائي يمنعه من السفر. وقد حاول ناجم السفر إلى الجزائر مرة أخرى في 2017، لكن تم منعه للمرة الثانية من مغادرة تونس. وفي إفادته للمنظمة الدولية فإنه لم يتبق لناجم سوى أن يتكهن بسبب منعه من السفر، إذ يعتقد بأن عقوبة سجنية سابقة لمدة سنتين في قضية ترتبط بالتهريب عام 2005 كانت السبب وراء منعه من السفر. لكن ناجم اليوم، علاوة على البطالة، فهو يواجه العزلة إذ أن إخضاعه للإجراء "اس 17" جعل أقرانه يشككون في أمره، ولا يرغبون في توظيفه في أعمال أخرى، لافتراضهم، بسبب الوصمة المرتبطة بالإجراء، أنه بإمكانه أن يكون مشتبها في قضية إرهابية. ولا يبدو ناجم وحده ممن يعانون من هذه المعضلة، فتقرير المنظمة أحصى 60 حالة مشابهة موثقة من بين قرابة 30 ألف فرد منعوا بشكل رسمي من السفر وفقا للإجراء الأمني "اس 17" بينما تشير منظمات من المجتمع المدني مثل شبكة "الملاحظ للعدالة الانتقالية " في تقرير نشرته عام 2017، إلى ان عدد المشمولين بالإجراء يصل إلى 100 ألف شخص. وتعرف السلطات الأمنية في تونس الإجراء المثير للجدل "اس 17" بأنه "إجراء وقائي إداري يتم اتخاذه في صورة وجود معلومات أو شبهات بخصوص إمكانية تحول أشخاص إلى الأقطار المصنفة بؤر توتر مثل سورية وليبيا، أو من سبق لهم زيارة تلك البلدان أو ثبتت مشاركتهم في الأماكن التي تشهد صراعات". ويجد هذا الإجراء الذي بدأ العمل به في 2013، تبريره من وجهة نظر السلطات، في سفر الآلاف من الشباب التونسي إبان موجة الربيع العربي نحو سورية وليبيا على وجه الخصوص، وبمساعدة شبكات تسفير نشطت في المساجد والأحياء الشعبية لاستقطاب مقاتلين ضمن جماعات متشددة. ووصل عدد هؤلاء إلى قرابة ثلاثة آلاف عنصر بحسب احصاءات حكومية كشفت عنها في نهاية 2016 ، بينما تشير تقارير دولية إلى عدد أكبر من ذلك، الأمر الذي زاد من ضغوط المجتمع الدولي على تونس لكبح أنشطة شبكات التسفير واستعادة مواطنيها. لكن فرض المزيد من قيود السفر وتطبيقها دون ضوابط قانونية أوجد الكثير من التعقيدات وأتى بنتائج عكسية تتعارض مع مبدأ إعادة الادماج للمحكومين في قضايا ارهابية، وتشغيل العاطلين وفتح آفاق للشباب وخريجي الجامعات الذين يمثلون إجمالا أكثر من ثلث العاطلين في تونس. كما ألقت حادثة انتحار محمد ضياء حرقا أمام مقر للشرطة بالضوء على تلك القيود، ليصبح أول ضحية من بين المشمولين بالإجراء الأمني "اس 17". تقول عائلة محمد لموقع "انكفادا" الذي وثق حالات من الممنوعين من السفر، إن ابنها جرى ترحيله من ايطاليا في العام 2015، وفور وصوله احيل أمام الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الارهاب للتحقيق معه لمدة أسبوعين. وتضيف والدة الضحية أن ابنها لم توجه اليه أي تهمة ولم يجر ملاحقته قضائيا ولكن حياته تحولت إلى جحيم إذ بات يعيش داخل سجن مفتوح منذ اخضاعه إلى الإجراء "اس 17". بالنسبة لمنظمة العفو الدولية لا تعتبر إجراءات مراقبة الحدود أوامر حظر سفر صريحة، حيث أن الأشخاص الخاضعين لها لا يمنعون بالضرورة من السفر. لكن عمليا، كان الإجراء اس17 في بعض الأحيان بمثابة حظر سفر بحكم الواقع. وتقول هبة موراييف مديرة المنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا "لا شك بأن التصدي للهجمات الارهابية ضد المدنيين يمثل أولوية للسلطات التونسية غير أن السماح للأمن بحرية فرض قيود شاملة وغير قانونية وبعيدا عن أنظار القضاء يعد أمرا خارجا عن القانون". وتضيف موراييف قائلة "الطريقة التعسفية والتمييزية التي يتم بها تطبيق اجراءات اس 17 تغتصب حقوق الانسان للمئات من الأشخاص". في نظر المنظمات الحقوقية فإن الإجراء الأمني يتعارض مع الدستور لكن تكمن المعضلة في أنه لا يمكن تقييم مدى دستورية الاجراء طالما أن البلاد تفتقد إلى محكمة دستورية، وهي من بين المؤسسات التي تأخر وضعها طيلة فترة الانتقال السياسي وبعد المصادقة على الدستور الجديد عام 2014. ويمكن فهم مدى التعقيد الذي يفرضه الإجراء الأمني عبر إفادة أحد الضباط من ذوي الرتب ويعمل في أحد المطارات، لمنظمة العفو الدولية من أنه لا يمكن السماح للمسافرين الخاضعين للإجراء "اس 17" بالمرور، حتى لو كانت لديهم أوامر من المحكمة بتعليق أو رفع قيود السفر. ويضيف الضابط "في بعض الأحيان يحضر الأشخاص محاميهم معهم إلى المطار ليجادلوا بأن الإجراء ضدهم غير قانوني. لا يمكننا اتخاذ قرار السماح لشخص بالسفر إذا قالت السلطات التي أصدرت إجراء المنع ضدهم أنه لا ينبغي لنا. من يتحمل المسؤولية إذا كان ذلك الشخص الذي يغادر البلاد قد تورط في نشاط إرهابي؟ يجب أن يكون هناك سبب وراء الحظر، وعلينا أن نحترم ذلك". يخلص تقرير المنظمة الحقوقية إلى أن السلطات فرضت هذه الإجراءات المقيدة لحرية التنقل بطريقة تمييزية تستند في الغالب إلى المظهر والممارسات الدينية أو الإدانات الجنائية السابقة، ودون تقديم تبرير أو الحصول على أمر من المحكمة، ما أثر بشكل مباشر وبطريقة سلبية على سبل عيش الأفراد والحق في الحياة الأسرية والعمل والحق في الحياة الخاصة. وعلى الرغم من أهمية الحرب على الارهاب التي تخوضها الديمقراطية الناشئة في تونس، فإن السياسات المقيدة لحرية التنقل والعمل تهدد برسم مستقبل غامض للمئات من العائدين من مناطق النزاعات الى أرض الوطن، بناء على تعهدات تونس باستقبالهم وادماجهم وفق برامج بتمويل من الأمم المتحدة بعد قضائهم لعقوباتهم السجنية. وبينما ينتظر ناجم وأمثاله صدور قرار برفع قيود السفر عنهم من اجل استعادة حياتهم الطبيعية، تدعو هبة موراييف السلطات التونسية إلى "القيام بإصلاحات عاجلة وضرورية لضمان أن لا يجري تطبيق تعسفي للإجراءات المقيدة، ودون موافقة القضاء".

طارق القيزانى
الاحد 11 نونبر 2018