نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى


التعليم في الجزائر ميدان لصراع المصالح والتجاذبات السياسية





الجزائر - رمت الحكومة الجزائرية بكل ثقلها في الوقت المحتسب بدل الضائع لإبطال مفعول قنبلة موقوتة كان سيصعب تقدير اضرارها، فأقنعت اخيرا نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس ثلاثي الاطوار للتعليم المعروف اعلاميا " كنابست"، بتجميد الاضراب الذي بدأت تنفيذه قبل اسابيع بشكل وضع امتحانات نهاية السنة وخاصة مستقبل الطلبة المقبلين على شهادة البكالوريا على كف عفريت.


 
باتت الاضرابات في قطاع التعليم بالجزائر ديكورا مألوفا في الاعوام الأخيرة فلم يعد يخلو أي موسم دراسي من حركات احتجاجية يقول عنها منفذوها أنها حق اريد له تجسيد مطالب اجتماعية ومهنية شرعية، فيما تصف الادارة هذا الموقف بـ" الحق الذي أريد به باطل"، على اعتبار انه يرهن مستقبل التلاميذ ويؤثر سلبا على المستوى التعليمي للمدرسة بشكل عام.

الاضراب... مسلسل ممل وسيئ الاخراج لا يختلف اثنان أن المدرسة الجزائرية تعكس اليوم الحراك الاجتماعي السائد في البلاد، فالتعليم هو القطاع الذي يشغل اكبر عدد من الموظفين بنسبة تصل إلى نحو 30 بالمئة، ومن الطبيعي أن يسعى هؤلاء إلى تحسين اوضاعهم الاجتماعية والمهنية، خاصة إذا كان في الجهة المقابلة حكومة مستعدة لتقديم التنازل تلو الاخر في سبيل تحقيق الهدف الاسمى وهو شراء السلم الاجتماعي والمحافظة على استمرار النظام لأطول فترة ممكنة.

يصف محمد وهو أب لأطفال في التعليم بالمدارس الحكومية، اضراب الاساتذة والمدرسين بالمسلسل الممل والسيئ الإخراج مؤكدا أن الدولة تساهلت كثيرا في التعامل مع هذه الفئة. كما لفت إلى أنه كان يتعين على الحكومة سن قوانين تمنع تنفيذ اضرابات في هذا القطاع الحساس، بل وذهب ابعد من ذلك عندما طالب ايضا بالزج بكل من يخل بالسير الحسن للمدرسة في السجن. وترى ماجدة وهي سيدة دأبت على مرافقة ابنتها إلى المدرسة، أن ما يحدث اصبح يسبب اوجاعا في الراس إن كان بالنسبة للتلاميذ او لأوليائهم منوهة أن هذا المسلسل السيئ آن الاوان له لان ينتهي إلى الابد حتى يرتاح الجميع من معركة استنزاف الاعصاب التي كثيرا ما هددت استقرار عائلات بكاملها.

ويعتقد المحامي فاروق قسنطيني رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، المقربة من رئاسة الجمهورية، أن حق الإضراب يكفله الدستور مع الحفاظ على المصلحة العامة من خلال الجنوح إلى العقلانية، غير أنه اعتبر أن المبالغة في استعمال هذا الحق (الاضراب) قد يصبح تجاوزا في اشارة واضحة إلى الإضرابات المتكررة في قطاع التعليم. وشدد قسنطيني، على الحوار بين جميع الاطراف المتخاصمة حتى لا يجد التلميذ الضحية الوحيدة نفسه في مفترق الطرق.

يجزم كمال، ان الاضراب بمدارس التعليم الحكومية هو أمر دبر بليل، وهدفه اقناع أكبر عدد من الاولياء بتوجيه ابنائهم نحو المدارس المملوكة للخواص ومن ثم التشجيع على خلق الفوارق في المجتمع الجزائري، لان ثمة حقيقة جلية وواضحة للعيان كون ليس بمقدور كل العائلات تمكين ابنائها من متابعة تعليمها في المدارس الخاصة التي تتراوح نفقات التسجيل بها بين الف و1500 يورو عن التلميذ الواحد.

لكن مسؤولة بإحدى المدارس الخاصة، تنفي عن الجهة التي توظفها الرغبة الجامحة في تحقيق الكسب غير المشروع على حساب العلم والأبرياء مشيرة إلى أن الرواج والتقبل الذي تلقاه هذه المدارس في المجتمع الجزائري، انما يعود لجديتها والتزامها بتطبيق المقرر الدراسي من قبل وزارة التعليم بدليل نسب النجاح العالية التي تحققها في كل الامتحانات والمسابقات. ويذهب سمير في نفس الاتجاه، عندما يعترف بأن اختياره للمدرسة الخاصة لأبنائه جنبه الكثير من المشاكل التي يراها اليوم في المدارس الحكومية، حتى لو كان ذلك على حساب ميزانيته السنوية.

وفي زخم الاضراب الذي نفذه المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس ثلاثي الأطوار للتعليم "كنابست" منذ 16 شباط/ فبراير الماضي، سارعت وزيرة التربية (التعليم) نورية بن غبريت، إلى الإعلان عن حزمة تدابير لحماية ما اسمته " حق التلميذ في التعليم"، تمثلت أولا في إعطاء استقلالية أكبر للفرق البيداغوجية في المدرسة بالنظر إلى تنوع الوضعيات من قسم لآخر ومن مؤسسة إلى أخرى ومن ولاية إلى أخرى والتي يتعين عليها تنظيم وتعديل وتيرة التقدم في الدروس بما تراه مناسبا.

ويتمثل الاجراء الثاني في التعليمات التي اعطيت للمسؤولين على المستوى الولائي (مديري التربية) بغرض وضع تحت تصرف التلميذ كل أجهزة الدعم والمرافقة المتوفرة حفاظا على مصلحته، ويتعلق الامر بالدروس المتلفزة وقرص مضغوط او مدمج من إعداد الديوان الوطني للتعليم والتكوين عن بعد تتضمن كل الدروس في مختلف المواد، اضافة إلى قرص مدمج ثان يتضمن مواضيع امتحانات وحلولها سيوضع في متناول تلاميذ السنة الثالثة ثانوي قبل الاختبارات.

ونوهت الوزيرة انهم لا يتحملون اية مسؤولية في الوضع الذي فرض عليهم وكان من أهم اسباب العزوف المدرسي متهمة النقابات بـ"التعسف" في استعمال حق الاضراب. كما جددت دعوتها إلى ضرورة إعداد ميثاق للأخلاقيات واستقرار القطاع، وهو الميثاق الذي سيسمح بالوصول إلى توافق من أجل خلق جو ملائم لتحقيق الأهداف التربوية.

إن أرضية التعليم الالكتروني التي روجت لها وزيرة التعليم التي كانت ضمن لجنة الاصلاح التربوي قبل استوزارها، على انها احدى مظاهر الإصلاح، جلبت لها الكثير من السخرية والانتقادات وسط عامة الشعب الذين اكدوا أنه لا يمكن بأي حال من الاحوال التخلي عن الاستاذ وتعويضه بقرص مضغوط. فضلا على أن هذه التجربة ستؤول إلى الفشل حتما لأسباب موضوعية ومنطقية كون الكثير من المدارس الجزائرية تفتقر لتجهيزات الاعلام الالي كما أنه ليس كل التلاميذ يحوزون على حواسيب خاصة بهم.

وقد حرصت الحكومات المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي على جعل المناهج التربوية والمقررات الدراسية مرتبطة بما تؤمن به السلطة وما يشجع على استمرارها، مع عدم ترك " المندسين" يسيطرون على المؤسسة التعليمية، لكن يبدو أن هذا الحرص مسه خلل على مستوى ما، بدليل قول نجادي مسقم، وهو مسؤول كبير بوزارة التعليم (التربية) ان نقابة "كنابست" تحولت إلى فاعل سياسي وليس منظمة مهنية اجتماعية. غير ان مسعود بوذيبة، الناطق الرسمي باسم "كنابست" ينفي تماما هذا الاتهام ويلقي بمسؤولية الفوضى السائدة في القطاع على الوزارة التي تأخرت في الاستجابة لمطالب الموظفين والاستهزاء في اخذها على محمل الجد.

خروج التلاميذ إلى الشارع احتجاجا على مستقبلهم المجهول دفع برئيس الوزراء عبد المالك سلال، إلى التدخل وأمر وزارة التعليم بالاستجابة لأغلبية مطالب المضربين خوفا من الانزلاق نحو المجهول خاصة في هذا الظرف الحساس الذي تعيشه الجزائر. فيما حاولت المعارضة الاستثمار في هذا الوضع، حيث رأت حركة مجتمع السلم المحسوبة على التيار الاسلامي انه كان حري على رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، الاهتمام أكثر بالقضايا التي تهم الجزائريين وعلى رأسها المنظومة التربوية التي تتدهور بشكل مستمر بدلا من تهديد المعارضة بالويل والوعيد. بينما اعتبر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني، أنه لا مستقبل ثمانية ملايين تلميذ ولا تقهقر نوعية التعليم يشكلان في أعين رئيس الوزراء او رئيس الدولة سببا للتدخل وكأن الامر لا يتعلق إلا بمسالة هامشية في حياة البلاد. كما اتهم الحكومة بالفشل وبالعمل كأفراد دون منظور متماسك، في إشارة إلى غياب التضامن بين القطاعات الوزارية، حتى ان وزيرة التعليم بدت وحيدة تصارع هيجان البحر.

يجمع الخبراء والمسؤولون أن المدرسة الجزائرية تواجه خطرا داهما يصعب مقاومته اذا لم تتخذ اجراءات في القريب العاجل لتصحيح الوضع على مستويات عدة بقطاع يحصل سنويا على اكبر الميزانيات ( 80 بالمئة من هذه الميزانيات تذهب لتسديد الرواتب التي تعتبر ضعيفة)، لكن ذلك لم يضعه بعيدا عن عواصف النقابات.

تعترف الوزيرة نورية بن غبريت، انه منذ تعيينها في منصبها الوزاري قبل نحو تسعة أشهر تظن نفسها أنها تتولى منصب وزير العمل، لان نقابات المعلمين تشدد في كل مرة على مراجعة القانون الأساسي، بينما كان يتوجب ان تتركز الانشغالات على التعليم ونوعيته والمقررات البيداغوجية والعدالة في الحصول على التعليم لكل الجزائريين.

ويؤكد نجادي مسقم، ان المدرسة الجزائرية يتوجب عليها أن تعيد النظر في برامجها، لأن خريجيها من التلاميذ في الاعوام العشرة الاخيرة غير مؤهلين بسبب تدني المستوى التعليمي. كما شدد على أن النظام التعليمي في بلاده لا مكانة له لا بين الدول المتقدمة ولا بين الدول الفقيرة.

ويخلص كيشور سينج المقرر الخاص لمنظمة الامم المتحدة للحق في التعليم، إلى أن النوعية تمثل التحدي الكبير للجزائر في مجال التعليم موضحا أنه يجب على الحكومة أن تستجيب بالفعل وعلى نحو عاجل لمقتضيات جودة التعليم من خلال تكريس جزء من ميزانية القطاع لهذا العنصر( الجودة) ضمن إطار تنظيمي يوفر موازنة استثمارية لها.

ويعتقد سينج الذي زار الجزائر في نهاية كانون ثان/ يناير ومطلع شباط/ فبراير، بانه بالرغم من تخصيصها 20 بالمئة من الميزانية العامة للتعليم، ليس لدى الجزائر إطار قانوني للاستثمار الوطني في مجال التربية والتعليم مشددا على ضرورة وضع هذا الإطار لتحديد مستوى أدنى من الميزانية الوطنية المخصصة للتعليم.

د ب ا
الاحد 19 أبريل 2015