نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


التونسيون محرومون من زيت الزيتون صانع شهر تونس عالميا






تونس - طارق القيزانى - يفاخر سكان مدينة الدويرات التابعة لولاية تطاوين جنوب تونس بتواجد أكبر شجرة زيتون بحوض البحر الأبيض المتوسط في منطقتهم، منذ ما يقارب من ألف عام. تتواجد الشجرة المهيبة منذ العصور الوسطى في منطقة شبه صحراوية تتميز بمناخ جاف نسبيا. يبلغ محيط جذعها 116 مترا وتمتد على مساحة تغطي حوالي 1200 متر مربع.


  يطلق أهالي المدينة على الشجرة لقب "زيتونة العكاريت" نسبة إلى مالكيها، ويمكن أن تبرز للناظر إليها من مسافة بعيدة كغابة مصغرة نظرا لأغصانها الكثيفة ومترامية الأطراف. يقول العروسي العكروت مالك الشجرة "ورثتها عن جدي وأعمل بها منذ عقد التسعينات. يمكن أن يصل انتاج الشجرة من زيت الزيتون إلى 1500 لتر كما يمكن أن لا يتعدى النصف في مواسم الجفاف". ومع أن الشجرة تتواجد في منطقة لا تعرف تقليديا بغزارة انتاجها لزيت الزيتون، كتلك الحقول الشاسعة المطلة على ساحل المتوسط، فإنها تعكس جانبا من عراقة تونس في زراعة هذه النبتة بكامل جهاتها منذ فترة ما قبل الميلاد. ولا يمكن أن تنافس شجرة "العكاريت" في شهرتها بدول حوض المتوسط سوى شجرة أخرى لا تقل شأنا وتاريخا في تونس بالذات. يقول سكان منطقة الشرف في مدينة الهوارية التابعة لولاية نابل، على الجانب الشمالي للساحل التونسي، إنهم يعتزون بـ"معمرة الهوارية"، وهو لقب اختصت به إحدى أقدم أشجار الزيتون في تونس وفي العالم؛ إذ يقدر عمرها بأكثر من 2500 عام، ويعني ذلك أنها تعود إلى الفترة المزدهرة لحكم القرطاجيين. تعد الشجرة المعمرة أحد أهم المزارات السياحية المهمة في الهوارية. وبحسب رواية الأهالي في المدينة فإن الرحالة والكاتب الفرنسي المعروف فريدي توندور، هو من وثق عمرها في أحد زياراته الاستطلاعية في الجهة في ثمانينات القرن الماضي. ويقول المهدي الغربي مدير المجمع الفلاحي في مدينة الشرف "نعمل الآن مع باحثين متخصصين من أجل جمع كافة المعطيات بشأن الشجرة المعمرة لتحديد عمرها الافتراضي بشكل أكثر دقة حتى نحصل على وثيقة رسمية". تلخص الشجرة المعمرة شهرة تونس العالمية في انتاج الزيتون وزيت الزيتون، حيث تعد الثانية من حيث الترتيب ولا تزاحمها في ذلك سوى المنافس التاريخي ايطاليا بالإضافة إلى اسبانيا واليونان. وتنتشر في تونس حوالي 70 مليون شجرة زيتون في حقول تمتد على كيلومترات خاصة بولايتي صفاقس وسوسة. وهي تتوقع انتاجا يفوق 250 ألف طن من زيت الزيتون هذا العام لتعزز بذلك موقعها كثاني منتج عالمي. لكن منتجي هذه النبتة يشكون من حملات منظمة ضد صادراتهم على الضفة الشمالية. وتقول منظمة "فورزا تونس" الثقافية إن وسائل الإعلام في ايطاليا تقود حملات منظمة ضد زيت الزيتون التونسي بهدف تبييض الزيت الايطالي بعد انتشار تقارير عن ترويج زيت مغشوش في الأسواق الأمريكية قادمة من إيطاليا. ووصل السخط في تونس إلى حد تشبيه مدير المنظمة سهيل بيوض الحملة الإيطالية "بالحرب البونية الرابعة"، في إشارة إلى الحروب الثلاثة الطاحنة بين القوتين روما وقرطاج في فترة ما قبل الميلاد. وقال بيوض "هذه الحملة تأتي على الأرجح بعد موافقة البرلمان الأوروبي بمنح تونس حصة إضافية من صادرات زيت الزيتون". وكان الاتحاد الأوروبي رفع حصة تونس على مدى عامين بدءا من كانون ثان/يناير 2016 بواقع 35 ألف طن لتضاف إلى حصتها المقدرة بأكثر 56 ألف طن، في خطوة لدعم الاقتصاد المتعثر للديمقراطية الناشئة. وتمثل صادرات زيت الزيتون قرابة 40 بالمائة من اجمالي الصادرات الفلاحية في تونس و10 بالمائة من اجمالي الصادرات الوطنية. وهذا العام قد تتجه تونس إلى تصدير أغلب انتاجها إلى الخارج بسبب ترنح الاقتصاد، في مسعى للحد من عجز الميزان التجاري ضمن حزمة أخرى من الاجراءات لانعاش اقتصادها. وهو الأمر الذي قد يفرز أمام التونسيين مفارقة في الأسواق المحلية مع ندرة زيت الزيتون أو ارتفاع متوقع لأسعاره. وقال وزير الفلاحة سمير بالطيب إن حوالي 220 الف طن من الانتاج في 2017 ستوجه للتصدير بينما سيخصص للسوق المحلية حوالي 30 ألف طن. وهذا أمر كاف ليشعل أسعار الزيت في تونس على الرغم من كونها ثاني منتج عالمي وفي بعض السنوات هي الأولى. وربما هناك شريحة واسعة من التونسيين بدأت بالفعل بالتعايش مع هذه المفارقة منذ سنوات بسبب عزوفهم عن شراء واستهلاك زيت الزيتون. وقالت سميرة الجمني التي تملك مزرعة زيتون عائلية بولاية نابل الساحلية "من المؤسف أن تتحول هذه الثروة الوطنية إلى منتوج بورجوازي بامتياز في بلادنا رغم وفرة الانتاج". وتخزن سميرة أغلب انتاج المزرعة للاستهلاك العائلي وتخصص نسبة منه للبيع. وتوضح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ) "زيت الزيتون جزء من عاداتنا الغذائية كما نستعمله على مدار كامل السنة في عدة استخدامات أخرى مثل التجميل والتداوي". لكن ليس كل التونسيين بنفس استهلاك عائلة سميرة. فبحسب احصائيات رسمية للمعهد الوطني للاستهلاك فإن التونسي استهلك 7.4 لترات من زيت الزيتون سنة 2015. بينما كان قد استهلك سنة 2000 نحو 8.2 لترات. وقال طارق بن جازية رئيس المعهد الوطني للاستهلاك إن غلاء أسعار الزيت التي تتراوح بين 11 و14 دينارا لا يقدر عليها إلا ميسوري الحال وأيضا أهالي ولايات الساحل المنتجة لزيت الزيتون. ويتحجج المزارعون بارتفاع كلفة الانتاج والجني وتعاقب مواسم الجفاف التي قلصت من حجم الانتاج، ما أدى برأيهم إلى ارتفاع منطقي للأسعار. ومع ارتفاع أغلب أسعار المواد الغذائية وارتفاع كلفة المعيشة طيلة فترات الانتقال السياسي والاقتصادي في البلاد منذ 2011، فإن التونسيين بدأوا بشكل واضح بالتخلي عن الكثير من عاداتهم الغذائية ومن بينها استهلاك ثروتهم الوطنية زيت الزيتون.

طارق القيزانى
الاربعاء 15 نونبر 2017