نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


الفساد في الجزائر...... ظاهرة طبيعية أم صراع يرفض الكشف عن كل أسراره؟




الجزائر - فشلت الحركات الاحتجاجية لعمال قطاعي التعليم و الصحة وسكان أحياء القصدير و الجدل القائم بين الإسلاميين و العلمانيين حول عقوبة الإعدام، في التغطية على فضائح الفساد و هدر المال العام في الجزائر إلى درجة انه أصبح الحدث الأبرز في البلاد منذ بداية العام الجديد قبل أسابيع قليلة من مشاركة منتخب كرة القدم-ملهم الشعب بكل أطيافه-في نهائيات مونديال جنوب أفريقيا 2010.


خليل شكيب .. وزير الطاقة و المناجم الجزائري
خليل شكيب .. وزير الطاقة و المناجم الجزائري
لم يسبق وأن عاشت الجزائر منذ استقلالها عام 1962 على وقع فضائح الرشوة و الفساد في المؤسسات العمومية مثل الذي تعيشه اليوم، حال وضع في خانة الصراع على السلطة.

لقد صور البعض أن 2010 ستكون السنة التي سوف تفتح فيها كبرى ملفات الفساد في الجزائر، ستشهد تفجيرات متتالية لفضائح مالية واقتصادية، لن "يُرحم" فيها أحد مهما كانت مكانته في النظام والسلطة. ملفات قيل أيضا أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يتولى شخصيا متابعتها، وتوكل مهمة التحريات فيها لفرق المديرية العامة للاستعلامات والأمن (جهاز الاستخبارات) قبل إحالة الملفات على الأقطاب الجزائية المتخصصة للفصل فيها.

ويبدو أن حبس الوكيل العام لوزارة الأشغال العمومية على خلفية فضيحة الطريق السيار "شرق-غرب"، ووضع الرئيس التنفيذي لشركة المحروقات "سوناطراك" تحت الرقابة القضائية و الزج بعدد أخر من الإطارات العليا بالشركة في السجن للاشتباه في تورطهم بقضايا فساد، عزز طرح أولئك الذين يرون أن "الكثير من كبار المسؤولين باتوا يعيشون في حالة رعب".
يصف المحامي ميلود براهيمي ظاهرة الفساد في الجزائر بكونها رياضة للنخبة و أنها في طريقها لتصبح رياضة شعبية وأكثر دمقرطة حتى لا تبقى حكرا على كبار المسؤولين متسائلا عن سر إظهار ملفات الرشوة و هدر المال العام كل 15 عاما

ويرى المحامي براهيمي أن ظاهرة الرشوة و الفساد في الجزائر مرت بثلاث مراحل ،الأولى في بداية ثمانينيات القرن الماضي ،حيث تم استغلال الموضوع لشيء واضح وهو التخلص من مسؤولين كبار من أتباع الرئيس الراحل هواري بومدين، عن طريق تحريك العدالة (مجلس المحاسبة).

أما المرحلة الثانية فكانت في متصف التسعينيات و تزامنت مع الحرب الشرسة ضد الإرهاب مبديا استغرابه للحديث عن مكافحة الفساد في تلك المرحلة لان الحرب الوحيدة آنذاك كانت ضد الإرهاب مشيرا بان اتهام مسؤولين ظهروا في النهاية أنهم أبرياء ساهم في تحطيم الشركتين العموميتين "سيدار" وكوسيدار" اللذان كانا يمثلان مفخرة الاقتصاد الجزائري في تلك الفترة التي كان فيها احمد اويحيى الوزير الأول الحالي رئيسا للحكومة.

ويؤكد براهيمي أن المرحلة الثالثة في تطور ظاهرة الفساد في الجزائر وهي تلك التي تعيشها البلاد حاليا تختلف عن المرحلتين السابقتين لان النظام يعرف استقرارا مشيرا إلى صعوبة فهم مغزى إظهار هذه القضايا للعلن. كما تساءل عن السبب الذي جعل مصالح الأمن المكلفة بالوقاية من الجرائم الاقتصادية المتواجدة في كل المؤسسات العمومية لا تتدخل قبل تسجيل وقوع حالة رشوة او فساد.

اعترف وزير الطاقة و المناجم شكيب خليل احد المقربين من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أن فضيحة "سوناطراك" أضرت بصورة الجزائر لان الشركة هي المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني. ويبدو أن شكيب خليل أراد أن يعطي الانطباع بان التعامل مع موضوع الفساد في شركة "سوناطراك" كان خطأ مدافعا عن نزاهة مسؤولي الشركة التي تؤمن 98 بالمئة من عائدات الجزائر سنويا.

وربما لخليل الحق في ذلك لان بعض المتعاملين الجزائريين اشتكوا من فرض متعاملين أجانب على الطرف الجزائري شرط التوقيع على تعهد بعدم تعاطي رشوة أو قبول وتقديم حتى هدية مهما كان نوعها خلال إتمام مختلف المعاملات الخاصة بإتمام أي مشروع.

غير أن وزير العدل الطيب بلعيز يرى خلاف ذلك لان ظاهرة الفساد برأيه متواجدة في كل دول العالم مشددا على ضرورة احترام قرينة البراءة التي يتمتع بها كل متهم إلى أن تتم إدانته. وأكد أن القضاء يقوم بعمله بكل "حياد" و "استقلالية" وان النيابة العامة تختص بتحريك الدعوى العمومية بمقتضى القانون و تأمر بالتحريات و التحقيق و جمع الأدلة في جميع القضايا.

ونفى الوزير الأول احمد اويحيى أن تكون القضايا التي تحدثت عنها وسائل الإعلام هي نتاج لصراع دائر في هرم السلطة مشيرا إلى واجب الدولة في الحفاظ على المال العام .
ويرى المتتبعون للشأن السياسي في الجزائر أن المجرى الذي اتخذه التحقيق في قضايا الفساد قد يعجل بتعديل حكومي بات وشيكا سيطيح بالعديد من الوزراء على رأسهم وزير الطاقة شكيب خليل نفسه.

كشف وزير العدل أن الإرادة السياسية "الحازمة "للدولة الرامية إلى محاربة الفساد بكل أشكاله عن طريق خلق آليات ووسائل "للوقاية" سمحت بمتابعة ومحاكمة 5575 شخص منهم 930 شخصا تمت محاكمتهم و إدانتهم في 2006 مقابل 1789 شخصا في 2007 و 1694 في 2008 و 1162 في 2009

و أوضح الطيب بلعيز أن 16ر55 بالمئة من جرائم الفساد تكمن في "اختلاس ممتلكات من قبل موظف عمومي" مقابل 37ر11 بالمئة لجريمة " منح امتيازات غير مبررة في صفقات عمومية" و 98ر10 بالمئة لجريمة "رشوة الموظفين العموميين".

وعملت الجزائر على تكييف قوانينها المتعلقة بالجرائم الاقتصادية مع التحولات التي يشهدها العالم، فبعد أن كانت الجريمة الاقتصادية يعاقب عليها بالإعدام في السبعينيات من القرن الماضي، خفضت هذه العقوبة إلى السجن المؤبد بموجب قانون 26 حزيران/ يونيو 2001 ثم إلى ما بين سنتين و 10 سنوات سجنا بموجب قانون 20 شباط/ فبراير 2006. كما عدلت قانون الإجراءات الجزائية من خلال إعطاء آليات للضبطية القضائية تمكنها من التصدي للجريمة المنظمة بطريقة أكثر فعالية وتأسيس أقطاب متخصصة و تكوين قضاة الحكم و التحقيق و النيابة في مجال محاربة الفساد.

ولعل إعلان وزير العدل نفسه عن إعادة النظر في عمل مجلس المحاسبة و تنشيطه وكذا مراجعة قانون الصفقات العمومية اعتراف صريح بفشل الآليات الحالية للوقاية من الفساد. فمجلس المحاسبة الذي تأسس بموجب دستور 1976 يخول له القانون مراقبة كل الأموال العمومية مهما كانت الوضعية القانونية لمسيريها أو المستفيدين منها، كما يخول له سلطة رقابة وتقييم نوعية التسيير على صعيد الفعالية والنجاعة والاقتصاد في تنفيذ الميزانية دون إبداء رأيه في النفقات العمومية، قبل أن يجرد من صلاحياته الفضائية عام 1990.

ورغم انه يضم أكثر من 207 قضاة، لم يبرزوا أي دور لمجلس المحاسبة في عمليات التحقيقات التي طالت شركات عمومية كبرى بسبب اتهام والاشتباه بمسؤوليها في تبديد أموال عمومية والتلاعب في إبرام الصفقات.

وحاولت الحكومة الاستنجاد بالمفتشية العامة للمالية لمكافحة الرشوة في القطاع العمومي، وأوكلت لها مهمة الرقابة على المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، بالإضافة إلى هيئات الضمان الاجتماعي التابعة للنظام العام والإجباري وكل الهيئات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي التي تستفيد من مساعدات الدولة، وكذا كل المؤسسات العمومية، مهما كان نظامها القانوني ،والأموال المستعملة في إطار حملات التبرع والتضامن. بالإضافة إلى تمكينها من ممارسة الرقابة على كل شخص معنوي آخر يستفيد من المساعدة المالية من الدولة أو جماعة محلية أو هيئة عمومية بصفة تساهمية أو في شكل إعانة قرض أو تسبيق أو ضمان .كما يمكن أن تقوم تدخلات المفتشية العامة للمالية بتقييم أداءات أنظمة الميزانية والتقييم الاقتصادي والمالي لنشاط شامل أو قطاعي أو فرعي أو لكيان اقتصادي والتدقيق أو الدراسات والتحقيقات أو الخبرات ذات الطابع الاقتصادي المالي والمحاسبي، مع إمكانية طلب استفسارات من المسؤولين مهما كانت صفتهم وصلاحية الاطلاع على كل الملفات مهما كان شكلها وطابعها.

خسائر بأكثر من 20 مليار دولار و الحل في تشجيع الحماية وليس القمع

قدر جيلالي حجاج رئيس جمعية مكافحة الفساد الخسائر التي تكبدتها الجزائر جراء تفشي مظاهر الفساد بأكثر من 20 مليار دولار مرجعا تأخر تنصيب الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، إلى "عدم وجود إرادة سياسية فعلية لمكافحة الفساد" بالرغم من مصادقة الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2004.
وأشار حجاج إلى امتناع غالبية المسؤولين عن التصريح بممتلكاتهم رغم ترسيم الإجراء عام 1993.

ربما ساهمت الحكومة في تشجيع الفساد من خلال سنها لبعض القوانين "المجحفة" في سنوات التسعينيات من القرن الماضي خاصة باتجاه المستوردين، وهو عامل أدى إلى رفع حالات التصريحات الكاذبة وخلق شبكات قوية للرشوة و التهريب والتحويلات غير الشرعية للأموال نحو الخارج من خلال عمليات وهمية ، وهو ما كبد خزينة الدولة خسائر لا تقل عن مليار يورو، أما التصدير غير القانوني للنفايات الحديدية فكلف 7 ملايين دولار.

ويعتقد المحامي مقران ايت العربي، أن الحد من تفشي ظاهرة الرشوة يتطلب إعادة الاعتبار لمجلس المحاسبة مع ضمان استقلاليته، وان يلعب البرلمان دور الرقابة من خلال مساءلة أعضاء الحكومة أسبوعيا وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول الرشوة بصفة عامة،وان يفتح القضاة تحقيقات في القضايا التي تتناولها الصحافة، وان لا تخضع الشرطة القضائية المكلفة بالتحقيق سوى للقانون، كما يجب على مسؤولي الأحزاب السياسية التصريح بممتلكاتهم و أن تقوم السلطات العمومية بالتحقق من ذلك.

أما المحامي ميلود براهيمي فأكد انه لا يؤمن بالتسيير الأمني والقضائي للاقتصاد الوطني داعيا إلى تشجيع وتغليب الإجراءات الحمائية على القمع لان مكافحة الفساد تفشل عندما تصل القضية إلى العدالة و هو ما يعني أن الإجراءات الحمائية لم تعمل بالشكل المطلوب.

د ب أ
الاثنين 5 أبريل 2010