نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


طرابلس بعد انتهاء الحرب...بؤس وكآبة تخيم على السكان




طرابلس - مع أن الحرب فيها انتهت، لازالت هالة قاتمة من البؤس والكآبة تخيِّم على أحيائها الواسعة وسكانها الذين يمثلون أكثر من ثلث البلاد. هذا هو حال العاصمة الليبية طرابلس بعد شهر من نهاية الحرب فيها. لقد تفاقمت مشاكل المدينة، وتجددت فيها أزمات خلّفتها الحرب التي دارت طوال 14 شهراً في ضواحيها، مثل الألغام والنازحين.



تُقدِّر السلطات الليبية نازحي طرابلس بنحو 300 ألف لم يعد أغلبهم. يؤكد ذلك مدير مكتب النشاط ببلدية أبو سليم (أكبر بلديات المدينة) عبد السلام حسن. وأشار في تصريحه لـوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) لوجود أكثر من 50 ألف نازح في أبو سليم وحدها، ويرى أن مخلفات الحرب والألغام المزروعة في مناطق الاشتباك هي المانع الأول للعودة، يأتي بعدها الدمار والخراب الذي حل بالبيوت والمؤسسات والمحلات، ثم المشاكل الخدمية، مثل الكهرباء والمياه التي تحتاج صيانتها لإمكانيات كبيرة، وفق قوله.

وتختلف أوضاع النازحين، ففي حين استطاع "علي الرحيبي" مثلاً العودة دون أن يفقد شيئاً في منزل أسرته بمنطقة السواني، سيضطر آخرون إلى الانتظار طويلاً، كما هو الحال مع "سليمان سعيد" الذي احترق منزله بطريق المطار، وسيحتاج قبل العودة لإنفاق مبالغ ضخمة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها ليبيا منذ عام 2014.

وفي حين يشكر الرحيبي من حافظوا على منزله أثناء الحرب، يواجه "صالح عمّار" مشكلة كبيرة في بيته الذي سُرِق بالكامل بمنطقة وادي الربيع. ويقول مستغرباً لـ (د. ب. أ) "لقد هشّموا ما لم يستطيعوا سرقته، ولا أدري لماذا كل هذا الخراب المتعمّد".

مع هذا، يظل حال عمّار "الذي لم يلحق الدمار الكامل بمنزله ويمتلك منزلا آخر أفضل من غيره ممن دُمِرت بيوتهم ومحلاتهم ولا يملكون البديل أو القدرة على دفع إيجارات شهرية تصاعدت أسعارها، واضطر أغلب هؤلاء للإقامة مع أطفالهم في المدارس والمساجد ودور تحفيظ القرآن، وأجبرت أُسَر على الافتراق لضمان مكان في بيوت الأقارب.

يقول "حسن": "جزء كبير من أطفال النازحين يعانون من مشاكل نفسية وتبول لا إرادي بسبب الظروف التي يمرون بها، ونحن نعمل على معالجة ذلك عبر اخصائيين نفسيين ونشطاء مدنيين".

وبعيداً عن أزمة النزوح، هناك أذى آخر طال كل أحياء طرابلس يتمثل في الانتشار غير المسبوق للقمامة. لقد تضاعفت أكوام الفضلات وصارت هضاباً تغزوا ملوثاتها وحشراتها الشوارع نهاراً، وتلفها بسحب الدخان الكريه عند حرقها ليلاً.

يستنكر"محمد سيفاو" (الذي تعاني زوجته وابنه من حساسية الصدر) حرق القمامة من قِبل بعض المواطنين، ويستغرب نظرة البعض في التخلص منها عبر نشرها في الجو. ويقول لـ (د. ب. أ): "عندما تنطلق مراسم الحرق المعتادة؛ تبدأ حالة الطوارئ في منزلي، ولن يمنع شيء دخان الحرائق والمولدات من التسلل رغم إقفال الأبواب والنوافذ".

قد لجأ سيفاو لشراء جهاز تنفس اصطناعي في المنزل، وهذا كله لم يحل دون تفاقم الوضع واللجوء أحياناً للمستشفيات في حالات طوارئ".

بدورها، تواجه شركة الخدمات العامة بطرابلس مشاكل متمثلة في قلة الإمكانيات وشح الوقود، فضلاً عن رفض أغلب المناطق إنشاء مكبّات في محيطها الإداري وتلويحها باستخدام القوة. وقلّص هذا من فرص وجود أماكن لرمي القمامة التي استباحت أكياسها الأرض، وتكفّل دخانها بملء كل ما تبقى من حيّز.

مع ازدياد الشكاوي، بادرت الحكومة بتعيين لجنة تسيير جديدة لشركة الخدمات. ووعد رئيس اللجنة الجديد "محمد بن إسماعيل" في حديثه مع (د .ب. أ) بالوصول لحل جذري في القريب العاجل، مؤكداً افتتاح مكبات مرحلية جديدة واستئناف العمل في المكب الرئيسي بمنطقة سيدي السايح بعد إغلاقه لأكثر من سنة نتيجة توسطه مناطق القتال أثناء الحرب.

مع حلول الصيف، يفتح ملف آخر، وينطلق موسم جديد لقطع الكهرباء من أجل تخفيف الضغط على الشبكة، وكعادة السنين الماضية تتحمل طرابلس العبء الأكبر مع استمرار رفض مدن ومناطق كثيرة في الغرب الليبي (بالقوة) الخضوع لجدول طرح الأحمال الذي تعتمده الشركة العامة للكهرباء، خاصة تلك التي تقع محطات توليد في نطاقها. كثيرون يتَّهمون الشركة بالعجز والتحيّز، وهي أيضاً تشتكي قلة الحيلة وتناشد الجميع عبر منشوراتها بالاقتصاد في الاستهلاك والعدل في التوزيع، دون جدوى، الأمر الذي يزوّد من ساعات القطع في طرابلس لِتَفوق 12 ساعة، وقد تلتهم اليوم كله، هذا خلاف الإظلام التام الذي بات يحدث كل حين بسبب تكرار اقتحام مواطنين محطات التحكم وإعادة الكهرباء إلى مناطقهم بالقوة أثناء طرح الأحمال، بحسب رواية عضو مكتب الإعلام بالشركة "محمود الرياني" لـ (د. ب. أ).

لقد اعتاد الطرابلسيون الأمر، ولجأ كثيرون لشراء المولدات، ولكن الأمر ليس بتلك البساطة، فالطاقة تحتاج وقوداً قد لا يتوفر، فسعر الوقود الليبي المدعّم مع الانفلات الأمني شجّعا على نشوء عصابات تقوم بتهريب الوقود خارج البلاد أو بيعه داخلها بأسعار تصل إلى 15 ضعف سعره الرسمي كما يحصل دائماً مع وقود الديزل، أما البنزين فهو أكثر توفراً مع انقطاعه كل حين، ومن ناحية أخرى يحمل تخزينه في المنازل مخاطر قد تؤدي لكوارث، كما حدث مع "ع. إ .ع" التي وصلت نسبة الحروق في جسمها إلى 60% وأُنقِذت حياتها بأعجوبة بسبب حريق ناتج عن بنزين المولد، وفق حديثها لـ (د. ب. أ) .

ويبدو أن الأمر ليس سهلا، فالمولدات ليست حلاً دائماً، وشكاوى السكان لم تأت بنتيجة، ورغم نجاح عدة وقفات احتجاجية في الدفع لتعيين مجلس إدارة جديد لشركة الكهرباء، استهل المجلس أسبوعه الأول بتكرار الإظلام التام في المنطقتين الغربية والجنوبية ثلاث مرات خلال أربعة أيام، كما أن على سكان المدينة الالتفات لمشاكل أخرى قد تكون أكبر، مثل المياه التي تنقطع عن المدينة بشكل متكرر بات يستوجب البحث عن بديل حصل عليه ميسورو الحال عبر حفر آبار منزلية (غير مرخّصة في أغلب الأحيان)، أما أصحاب الدخل المحدود وضحايا الأزمة المالية التي تمر بها ليبيا مع شح السيولة وهبوط الدينار، فما لهم سوى انتظار حل جذري لمنظومة مياه تأتي من أقصى الجنوب (منظومة النهر الصناعي) ويستطيع مجموعة مسلحين "بكبسة زر" قطعها والمساومة بها.

مع اشتداد درجات الحرارة ووصولها لحد الأربعينات مئوية خلال الصيف وانقطاع الكهرباء والمياه وتلوث الأجواء، بالإضافة للحالة النفسية التي أعقبت الحرب، يُدْفِع سكان طرابلس عنوة إلى الخروج بحثاً عن متنفس، رغم الحظر الذي تفرضه الحكومة لمنع انتشار فيروس كورونا، وزاد هذا من خطر الوباء، فبعد أن كان معدل الحالات اليومي لا يتعدى الواحدة كل يومين؛ تبدل الحال، ووصل إلى أكثر من 150 حالة يومية أغلبها في طرابلس ذات الكثافة الأكبر، وتردي وضع المؤسسات الصحية لا يُنْبِئ بفرج قريب.

لقد شغل فيروس كورونا كل العالم، ولكن في طرابلس هناك هموم أثقل وأشد وطأة. النزوح، الألغام ومخلفات الحروب، وتكدّس القمامة وانقطاع الكهرباء والمياه والوقود، مع أزمات مالية وشح السيولة النقدية، فإلى أين يفر سكان من كانت تسمى عروس البحر.؟

أشرف العزابي
السبت 3 أكتوبر 2020