نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


التعليم في ليبيا ... ضربات متلاحقة من "العسكرة والفوضى "




طرابلس - أشرف العزابي- لم يكن التعليم في ليبيا بحاجة إلى ضربة أخرى عند تسلل فيروس كورونا إلى البلاد. فقد نال هذا القطاع من الضربات ما يكفي على مدى نصف قرن.

كانت البداية متواضعة بعد الاحتلال الإيطالي مع نسبة ضعيفة لمن يجيدون القراءة في ظل شح المدارس وانعدام الجامعات، حتى عام 1955 عندما افتتحت أول جامعة ليبية تلتها أُخَر، بالإضافة للمدارس التي انتشرت في أغلب أرجاء ليبيا المترامية. كان ريع النفط الذي بدأ إنتاجه في ستينيات القرن الماضي وراء ذلك، لقد زاد الاهتمام بالتعليم في أواخر أيام المملكة الليبية وفي السنين السبع الأولى من حكم العقيد القذافي الذي يرى معارضوه أن التعليم في عهده تلقى أقسى الضربات التي بدأت أولاها عام 1976 حين قاد بنفسه ما سُمِّاه مؤيدوه بـ"ثورة الطلاب" التي تم فيها القبض على من لا يوافقون فكره من الطلبة والأساتذة، وتم إعدام بعضهم في حرم الجامعات أمام الطلبة على مدى السنين اللاحقة، ليفر البعض الآخر أو يرضخ للأمر الواقع الذي تجسد فيما سمّي بـ"الإدارة الطّلابية" للجامعات والمدارس، لتتأسس بعدها "حركة اللجان الثورية" التي تحكمت في مفاصل الدولة ومن ضمنها التعليم الذي غيرت من سبل إدارته ومناهجه تباعاً حتى وصل الأمر إلى إلغاء تدريس اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وتعويضهما بالكتاب الأخضر الذي ألفه القذافي.


 
في منتصف الثمانينات تم تجييش المدارس الإعدادية والثانوية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، و تحويل بعض المعلمين إلى ما سُمِّي بـ"الضابط المعلم"، بالإضافة لتفعيل منزلية التعليم للمرحلة الابتدائية. لم يكن للمعلمين من حيلة، بعد أن صار همهم البحث عن وسيلة للارتزاق مساءً إلى جانب مرتباتهم الهزيلة، وأدى هذا لعزوف أغلب الذكور عن مهنة التعليم وتصدر السيدات لها.

يصف أحد الليبيين (ع.أ) في حديثه لـوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) حال المدارس حينها بالقول: "انقلبت مدرستنا "القدس الإعدادية بطرابلس" رأساً على عقب. جاء العديد من العساكر وتغير شكل بعض المعلمين مع الزي العسكري. حتى طابور وتمارين الصباح تحولت إلى جمع عسكري صارم تحسب فيه الحركات".

يكمل: " نعتَنا العساكر بأبشع الصفات، خاصة حين ينال منا التعب ونطأطئ الرؤوس، كانوا يغرسون الأغصان القاسية بين رقبة الطالب وترقوته، ثم يعاقبونه إن سقط الغصن".

يضيف: "في الفصول؛ حلت الدروس العسكرية مكان بعض الحصص، وفي الساحة أخذت دروس التراص والمشية العسكرية من حصة الرياضة. ابتعدت أيدينا نسبياً عن الألعاب المدرسية ولامست البنادق، حتى أننا تسابقنا في تفكيكها وإعادة تركيبها ... كان عمري 13 عاماً وأذكر العقوبة التي تلقاها فصلنا عندما أخطأنا في طريقة الانصراف من الجمع العسكري، أجبرنا العساكر على الدحرجة لمئات الأمتار، وعندما يقف أحدنا من أجل التقيؤ بسبب الدوار؛ يبادرون بضربه وركله بوحشية ... لقد كرهت التدريب العسكري مبكراً، ورفضت بعد تخرجي من الجامعة الخضوع للتدريب الإلزامي، فلم تعد لي طاقة على قضاء عامين آخرين من التدريب العسكري، وهذا حال دون حصولي على وظيفة حكومية بسبب اشتراط وثيقة إنهاء التدريب العسكري الإلزامي".

يبقى حال (ع.أ) أفضل من غيره ممن جُرّوا إلى الحرب عنوةً، كما حدث مع طلبة جبل نفوسة عام 1987، . يسرد أحدهم "مسعود أ. " قصته لـ (د. ب. أ) ويقول: "كنا في منتصف الموسم حين أخبرونا أننا سنكمل عامنا الدراسي في إقليم (أوزو) التشادي التي كان حينها تحت سيطرة ليبيا".

يضيف: "أخذنا كتبنا معنا، وشككنا حين وصلنا قاعدة الوطية وسلمونا معدات وأسلحة أن الأمر مريب، وصار الشك حقيقة عندما وصلنا صحراء أوزو ووجدنا من سبقونا من الطلبة يعدّون الأسلاك الشائكة. لقد تدفئنا بنار كتبنا من هول برد الليل، ولم نجد ما نلجأ إليه من وطأة شمس النهار، ولا ما نقتات به بعد إنهاء علبة الحليب الصغيرة التي كانت كل قوت اليوم، ولا ما نشربه مع اشتعال حرارة المياه في النهار".

يكمل: "لازلت أذكر وجوه زملائي المحروقة من لفح الشمس، وتلك الكآبة التي كانت تدفع البعض إلى التشاجر بالأسلحة، ومع هذا، فقد كان حظنا أفضل من طلبة مدينة سبها الذين سبقونا إلى هناك، أخبروهم أنهم ماضون إلى استعراض عسكري في طرابلس، ليجدوا أنفسهم داخل أتون حرب مات فيها أغلبهم وتعرض بعضهم للأسر، ثم التحقوا بالمعارضة في الخارج".

الأدهى من ذلك كان التعامل مع من كُتِبت لهم الحياة وعادوا، فبدل إخضاعهم لعلاج نفسي وتعويض العام الدراسي؛ توجهوا مباشرة لامتحان الدور الثاني في الشهادة الثانوية بشكل صوري، وكتعويض لهم؛ تم إلحاقهم بالكليات التي يرغبون دون إكمال الأساس التعليمي، ما سبّب فشل أغلبهم في الجامعات، بحسب رواية أبوجبهة.

كل هذه الظروف وغيرها أدت لاستمرار انهيار أوضاع التعليم. لقد حلّ الخراب في المدارس، حتى مطلع الألفية التي شهدت بعض الانتعاش العام الذي نال منه التعليم أيضاً وتم تأسيس بعض المدارس النموذجية.

في عام 2011 تلقى التعليم ضربة أخرى وانقلب كل شيء مع اشتعال حربٍ كان أغلب وقودها من شباب الجامعات والمعاهد العليا. تُرِكت مقاعد الدراسة واستبدلت الأقلام بالسلاح.

بعد نهاية نظام القذافي؛ تم استحداث كتائب مسلحة في أغلب البلاد، لم يكن الأمر يستدعي من الشاب سوى تسجيل اسمه واستلام السلاح، مع مرتب يفوق ما يتقاضاه المعلّمون وضباط الجيش. كان حجم الإغراء أكبر من أن يقاومه الجميع، فتحوّل العديد من الطلبة إلى عناصر مليشيات مسلحة حوّلت بدورها البلاد إلى خراب نال من مقاعد الدراسة أيضاً. لقد دُمِرت مدارس كثيرة، وعُطِّلت أخرى بسبب الحروب والاشتباكات الدائرة بالبلاد دون توقف، ليس هذا فقط، فقد انقسمت وزارة التعليم إلى وزارتين في الشرق والغرب تبعاً للانقسام السياسي الذي بدأ عام 2014 ولا يزال مستمراً، حتى جاءت آخر الضربات بيد أصغر الكائنات.

في الثالث عشر من آذار/مارس 2020 وقبل تسجيل أول حالة مصابة بفيروس كورونا في ليبيا؛ أعلنت وزارة التعليم بطرابلس تعليق الدراسة كإجراء احترازي من الوباء.

تقول المعلمة "عائشة العزابي": منذ ذلك اليوم لم يعد الطلاب ولم ننه الموسم، على عكس بعض المدارس الخاصة ذات القدرة المادية التي فعّلت خدمة الدراسة عن بعد، وكل ما فعلت الوزارة هو إذاعة الدروس عبر التلفاز دون أن تلقى رواجاً".

تأخر الوباء في الوصول إلى ليبيا حتى الخامس والعشرين من آذار/مارس، وبعد تسلله؛ كانت الحالات قليلة جداً ولم تتجاوز حاجز 500 إصابة حتى نهاية حزيران/يونيو، ومع هذا لم تُستأنف الدراسة، ومع حلول آب/أغسطس شهدت البلاد زيادة طردية في الإصابات بمعدل يفوق 500 في اليوم، ليتفاجأ الجميع في منتصف الشهر بقرار وزاري بعودة طلبة الشهادة الثانوية في التاسع والعشرين من ذات الشهر، وباقي المراحل الدراسية بمنتصف ايلول/سبتمبر.

وفي موعد عودة طلبة الشهادة رصدت وكالة الأنباء الألمانية بعض العزوف لدى الطلبة والأساتذة، فيما لم تفتح بعض المدارس أبوابها. وفي استقصاء أجرته الوكالة مع أولياء أمور، رفض الغالبية عودة أبنائهم خاصة من هم في مراحل النقل، خوفاً من الوباء وتحرّزاً من سوء الخدمات الصحية بالبلاد. فكيف سينتهي هذا العام الدراسي، ومتى سيبدأ الموسم الجديد في بلاد يتلقى فيها التعليم ضربات موجعة تترك آثاراً عميقة في جسد قطاع منهك؟.

أشرف العزابي
الاثنين 21 سبتمبر 2020