نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى


الماضي لا يصبح ماض ابدا ....(القوقعة ) رواية عن أيام الفتنة الكبرى في سورية




لندن - الهدهد - مصطفى خليفة كاتب مسيحي سوري قد يستغرب من لا يعرفون سورية ولبنان اسمه الأول وربما الثاني فالمسيحيون في البلدين وبعد ظروف التعايش المديدة - ونتيجة للفتن المتعاقبة ايضا - يستخدمون أسماء مشابهة لاسماء المسلمين غالبا ما تكون من تراث الشعر او كنى والقاب الانبياء والخبر ليس في اسم مصطفى خليفة بل في محنته التي حدثت أثناء الفتنة الكبرى في سورية وهي سنوات اواخر السبعينات واوائل الثمانينات من القرن الماضي اثناء مواجهات نظام الاسد الاب الدموية مع الاخوان المسلمين وهي المواجهات التي تدفع سورية ثمنها الى اليوم ففي تلك السنوات اعتقل مصطفى خليفة الكاتب المسيحي على أنه من الاخوان المسلمين وزج به في الزنازين معهم فور قدومه من فرنسا حيث قضى 15 سنة في الزنازين بين سجني تدمر وصيدنايا


الماضي لا يصبح ماض ابدا ....(القوقعة ) رواية عن أيام الفتنة الكبرى في سورية

الكاتب السوري مصطفى خليفة
الكاتب السوري مصطفى خليفة
الى هنا والقصة عادية فقد حدثت جرائم كثيرة من هذا النوع في سورية وهناك من سجنوا لثلاثين عاما وخرجوا دون ان يعرفوا ما هي تهمتهم وكانوا يعدون أنفسهم من المحظوظين لأنه لم تتم تصفيتهم في من تمت تصفيته وهم الان مجرد ارقام في ملف المفقودين
الخبر هو قيام مصطفى خليفة بعد الافراج عنه بكتابة رواية عن تلك الايام اسماها (القوقعة ) وفيها يصف يومياته في السجن في سنوات المواجهة بين الجبليين - هكذا يسميهم حتى لا يبدو طائفيا - وبين بقية افراد الشعب السوري وتمتاز هذه الرواية بحساسية انسانية لافتة اضافة الى اهميتها كشهادة شاهد عيان معذب من داخل الزنازين فالكاتب يمتلك ذاكرة صورية تجيد نقل ما كان يجري أمامها بدقة وظرف وهنا المفارقة
لقد قال فوكنر ذات يوم ( ان الماضي لا يصبح ماض ابدا ) بل تتغير تسميته ليساهم في تشكيل الحاضر والمستقبل وقد استشهد الرئيس الاميركي باراك اوباما بعبارة فوكنر تلك في مقدمة طبعة 2004 لكتابه ( أحلام من أبي ) ولعل رواية القوقعة التي تعود لاحياء ذكرى الضحايا وتعكير صفو الجلادين في سورية خير مثال على تلك الجملة الفوكنرية العبقرية وفي ما يلي مقاطع من رواية القوقعة للكاتب مصطفى خليفة

-----------------------------------------------------------------------------------
فتحت عيني ببطء، أكاد اختنق من نتانة الروائح المحيطة بي، حولي غابة من الأقدام والأرجل، ملقى على الأرض بين هذه الأقدام المكتظة، رائحة الأقدام القذرة، رائحة الدم، رائحة الجروح المتقيحة، رائحة الأرض التي لم تنظف منذ زمن طويل ... الأنفاس الثقيلة لأناس يقفون متلاصقين "علمت بعد قليل من خلال عملية التفقد والعد، أننا كنا ستة وثمانين رجلاً، عاينت سقف الغرفة وقدرت أن مساحتها لا تزيد عن خمسة وعشرين متراً مربعا.!!".

الحديث بين الناس يجري همساً، الأمر الذي يولد أزيزاً متواصلا يخيم فوق الجميع. أردت الوقوف لاستنشاق بعض الهواء.آلام فظيعة في كامل الجسد، تحاملت، تجلدت، وعندما حاولت أن أقف على قدمي صرخت ألماً.

انتبه الناس من حولي، عدة أياد امتدت، أمسكت بي من تحت إبطي وأنهضتني، وقفت مستندا إلى الأيادي، قال شاب يقف إلى جانبي:

- اصبر يا أخي.. اصبر، إنها شدة وتزول!!

قال آخر:

- من يكن مع الله فإن الله سيكون معه..لا تيأس يا أخي.

مع الحركة خفت الآلام قليلاً، نظرت حولي، رجال.. شباب.. ويوجد أطفال في الثانية عشر والثالثة عشر ..كهول.. شيوخ!!

التفتّ إلى الرجل الذي حاول أن يشد من عزيمتي قبل قليل، سألته :

- مين هدول الناس؟ .. ليش نحن هون؟ ليش الناس واقفين؟!

نظر الرجل إليّ بحيرة تقرب من البلاهة وكأنه يقول: كيف يمكن شرح ما هو بديهي؟!! ورد بسؤال:

- أنت ..ما بتعرف شو صاير بالبلد ؟!

"كنت، وأنا في فرنسا، قد سمعت أنباءً عن اضطرابات سياسية تحصل هنا، وأن هناك حزباً يدعى الإخوان المسلمين يقوم ببعض حوادث العنف هنا وهناك. ولكني لم أعر هذه الأنباء أية أهمية، وبقيت مبهمة، فلم أعرف التفاصيل، ولم أكن يوما من هواة نشرات الأخبار، أو العمل السياسي المنظم، رغم أنني كنت في المرحلة الثانوية وما تلاها قريباً من بعض الماركسيين ومتأثراً بأفكارهم، خاصة أفكار خالي الذي كان على ما يبدو يحتل مركزاً قيادياً مهماً في الحزب الشيوعي".

أجبته:

- لا والله .. ما بعرف! .. ليش شو صاير؟

- ليش مانك عايش بالبلد؟!

و أردت أن اقطع كل دابر أسئلته، فأجبته دفعة واحدة عن كل ما يمكن أن يسأله:

- لأ .. كنت عايش بفرنسا.. واليوم أنا جيت، يعني من.. "نظرت الى ساعتي" أربع عشرة ساعة بس.

- العمى معك ساعة ؟!! ..خبيها يا أخي خبيها، شايف كل الناس هون، هدول كلهم من خيرة المؤمنين والمدافعين عن الإسلام بها البلد، امتحان يا أخي امتحان، امتحان من الله عز وجل.

قاطعته وقد بلغ بي الإحساس بغرابة وضعي وبالغبن والضيق حداً كبيراً، قلت محتدّاً:

- طيب .. العمى أنا شو دخلني؟! أنا مسيحي ماني مسلم، وأنا ملحد ماني مؤمن!!

" هذه هي المرة الثانية التي أعلن فيها أنني ملحد - وكانت فذلكة أيضا -. في المرة الأولى كلفتني وجبة من خيزرانة أيوب، بأمر من أبو رمزت الذي ذبح المسلمين لأننا نعيش في دولة إسلامية !!! أما في المرة الثانية فإنها ستكلفني سنوات طويلة من العزلة المطلقة، ومعاملة كمعاملة الحشرات، لا بل أسوأ منها".

رأيت محدثي وكأنه قفز إلى الخلف. ولكوننا محشورين، لم يتحرك منه إلا جزؤه العلوي فقط، وبشكل عفوي قال:

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. - ثم بصوت أعلى - .. يا شباب في واحد نصراني كافر !.. في عندنا واحد جاسوس.

صُوّبت نحوي مجموعة من العيون، في نفس الوقت الذي سمعت فيه صوتاً آتياً من خلفي، صوتاً آمراً:

ـ مين هذا يللي عم يرفع صوته ؟ .. سكوت ..سكوت ! يا لله .. صار وقت التبديل.

لم استطع استيعاب الأمر !! في الجزء الأبعد من الغرفة كانت هناك مجموعة من الناس المستلقين على الأرض، وقد اصطفوا بطريقة غريبة ولكن منتظمة. "كما لو كانوا مجموعة من لفائف التبغ قد اصطفت في علبة". وبين المستلقين وبيننا نحن الواقفين، توجد المجموعة الثالثة، مجموعة المقرفصين على الأرض.

بعد كلام الرجل الضخم ـ علمت أنه رئيس المهجع ـ تحركت المجموعات الثلاث. خلال لحظات كان النيام جميعاً قد وقفوا واحتلوا الركن الذي كنا فيه تدريجياً. نحن قرفصنا. المجموعة الثالثة اتجهت الى مكان النوم

ـ يا لله سيّف.. سيّف، كل النايمين يسيّفو.

"وتبين أن التسييف هو النوم على الجنب".

الأول استلقى لصق الحائط على جنبه، ظهره إلى الحائط، الثاني استلقى أمامه واضعاً البطن على البطن، رأس كل واحد منهما عند أقدام الآخر.

الثالث سيّف ووضع ظهره لصق الظهر الثاني، الرابع بطنه على بطن الثالث، ودائماً الرؤوس عند الأقدام.

تتابع المستلقون إلى أن وصل الصف إلى الحائط الثاني من الغرفة ولازال هناك ستة أو سبعة أشخاص لم يبق لهم مكان. هنا صاح رئيس المهجع:

ـ يا لله ..يا كبّيس .. أجا شغلك!

قام الرجل الضخم الثاني بهدوء ـ يبدو مصارعاً ـ . ذهب إلى أول رجل مستلقٍ عند الحائط ، وبهدوء وضع قدميه بين الحائط وبين الرجل المستلقي، استند بظهره إلى الحائط، ثم أخذ يدفع المستلقي بباطن قدميه، دفع أكثر، أنضغط المستلقون قليلا، أصبح هناك مسافة تتسع لرجل آخر، نادى على واحد من المتبقين: يا لله .. إنزل هون.

نزل الرجل مستلقياً على جنبه بين أقدام الكبّيس والرجل الأول، ثم بدأ الكبّيس بالضغط على الرجل الجديد، ومرة أخرى حقق مسافة تتسع إلى آخر.. يا لله .. إنزل هون، ثم الضغط من جديد ورجل جديد، في النهاية تم استيعاب جميع الذين لم يبق لهم مكان سابقا، عاد الكبيس إلى مكانه بنفس الهدوء، وهو ينفض يديه!.

راقبت المستلقين، بعضهم استغرق في النوم فوراً!!.

ثلاثة أيام قضيتها في تلك الغرفة. "سمعت أن بعضهم سابقاً ولاحقاً، قضى فيها شهوراً عديدة، وفي بعض الحالات كان العدد يزيد على عددنا". خلال هذه الأيام تعرفت على الغرفة جيداً.

بعد قليل من جلوسنا القرفصاء، أحسست أنني أريد قضاء حاجة، التفت إلى جاري وسألته:

ـ أين يقضي الإنسان حاجته ؟

أشاح بوجهه عني ولم يجب، سألت الجار الآخر، أيضاً لم يجب. تذكرت أنني نصراني، كافر، جاسوس، وستظل تلاحقني هذه التهم.

موقعي قريب من رئيس المهجع، سألته فدلني على المرحاض. "إذن في الغرفة مرحاض!". اضررت للانتظار أكثر من ساعة. مرحاض واحد، حنفية ماء واحدة، وستة وثمانون شخصاً.

عدت إلى موقعي. حركة ما فوق، نظرت. أنبوب الصرف الصحي، ويبدو أنه للبناء كله، يقطع الغرفة من أولها إلى آخرها. بين الأنبوب وبين سقف الغرفة حوالي النصف متر. فوق هذا الأنبوب ينام اثنان من الفتية عمر كل منهما حوالي خمسة عشر عاماً، احتضن الواحد منهما الأنبوب بيديه وصدره وتدلت الأرجل إلى الأسفل، بينما الرأس مرتاح على صوت خرير الماء داخل الأنبوب.

ـ بحياتي ما نمت أحلى من هـ النومة!!

قال أحدهما في اليوم الثاني

لندن - الهدهد
الاحد 14 يونيو 2009


           


1.أرسلت من قبل علي النقاش في 15/06/2009 11:03
لن يكون الماضي إلا الحاضر معادا بطريقه أو أخرى.. يجتره الزمن ليولد بإطار جديد لا يمكن للماضي إن يطوى وما الذاكرة إلا خزين الذكريات تظهر متى أريد لها أو أنها تريد هي تتقمصنا ولا نستطيع منها فرارا.. أنه المستقبل الذي في كل وقت له حضور هل يهرب الإنسان من نفسه ومن غيرها لا إنسان ولا عنوان؟؟ وكيف السبيل إلى ذالك؟؟ سميت في الماضي والى الحاضر يذكروك الناس به نعتوك لم يكن لك به أراده لتحمل أوزار ما صنعه لك آخرون ومن دون ذنب اقترفته إلا انه فعل الماضي كان ..وما كان ماضيك وحاضرك إلا دولاب يدور وتدور معه كل يوم كل شهر كل السنين. وهل أيامنا إلا أصنام أريد لها طول مقام ونحن لها قعود قيام بلا تغيير حتى بأبسط تعبير من رام غير ذاك تعب وتعبت به الحياة تلفظه إلى حيث لا يظهر مغيبا لا يتعب ولا يرعب من أراد للجاثمين على نفوسنا من تغيير وما ذاك إلا الشر والجرم الكبير الذي لا يراد له سماع فكيف له إن يرى وللناس اطلاع... انه خراب ديار لمن فرض نفسه ولينا المختار وله على الناس الطاعة وإلا فهو من الأشرار يريد تخرب النفوس التي بحمده تسبح وتمجد

2.أرسلت من قبل bianca في 02/02/2010 14:56
انا معجبة جدا بالكاتب وأتمنى أن استطيع اللقاء به ,لكن على مايبدو لا يوجد الكثير لنعرفه عنه,أتمنى أن اعرف متى اعتقل ومتى افرج عنه ومتى نشرت روايته

3.أرسلت من قبل ahmad في 18/04/2011 23:53
ارجو التصحيح مصطفى خليفة ليس مسيحي هو مسلم من بلدة جرابلس في ريف حلب

4.أرسلت من قبل أحمد الصالح في 24/04/2011 08:59
لي صديق عزيز جداً منذ أيام الشباب .
اسمه مصطفى خليفة
تعرفت عليه أثناء خدمة العلم في سوريا
هو من مدينة جرابلس. ولكن أهله كانوا يسكنون في حي القاطرجي بحلب
له علي موقف رائع لا يمكن أن أنساه
في حين أن الظروف أجبرتني أن أقصر تجاهه
وكان مني موقفاً أعتبره مخجلاً يؤرقني ولا يمكنني أن أنساه
أبحث عنه دوماً وأتمنى أن ألتقي به
على الأقل لأطلب من أن يسامحني
من يعرف عنه شيئاَ أرجو أن يراسلني على الإيميل التالي وله مني الشكر الجزبل
khzams123456@hotmail.com

5.أرسلت من قبل أبو أحمد الرعديد في 30/11/2011 19:19
أخي الكريم مصطفى خليفة.
قرأت روايتك اليوم كلها في جلسة و احدة.... إنها أكثر من رائعة.
هلا أرسلت نسخة منها للرئيس الإبن عله يعلم ما جناه أبيه و عمه؟

أم أنه لا داعي لذلك... لأنه يعلم كل ما يجري... أن هو إلا إمتداد لإبيه

6.أرسلت من قبل zahraa في 25/01/2012 15:45
الكتاب رائع.لا اعلم كم بالذات وصلت عدد قرائتي له.لعلها المرة الرابعة وكاتبه رجل يستحق ان ترفع له القبعات لما يتمتع به من شجاعة وعلنية.

7.أرسلت من قبل radhwnae في 27/11/2012 05:02
كتاب اكثر من رائع ، و يعلمنا كيف نصنع من اللا انسانية انسانيّة،احيي في الكاتب تجرّده و تلقائيته و صدقه