نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


باعة الورود يصمدون أمام الركود في معقلهم بشارع بورقيبة





تونس - طارق القيزان–- يستمتع الحاج لطفي بأشعة الشمس الدافئة من أمام محله على الشارع الرئيسي الحبيب بورقيبة بينما يرش الصانع زخات من المياه على الورود المعروضة حتى يبقي على نضارتها.
جاوز سن لطفي الأحمر العقد السادس وهو يلقب بكبير الباعة في الشارع وأكثرهم شهرة وخبرة في هذا المجال، وهو أحد أفراد عائلة الأحمر الذين يسيطرون على هذه المهنة منذ عقود طويلة.
يقول لطفي "بدأت المهنة تحديدا منذ عام 1966 كنت أدرس وآتي الى الشارع لبيع الورود".
ينحدر لطفي من عائلة لها حرفة أصيلة في بيع الورود وهو ورث المهنة عن أبيه وجده وأعمامه وأبناؤهم الذين يزاولون المهنة بنفس الشارع. وتلقب عائلته الموسعة بـ"آل النواورية"، أي باعة الورود.


 
لكن واقع الحال اليوم لسوق الورود في الشارع لا يعكس الزمن الجميل الذي عاشه لطفي أيام شبابه وكهولته حينما كانت الورود سمة بارزة لقلب العاصمة النابض بالحياة.
يقول سليم الأحمر وهو ابن عم لطفي الأحمر، ويصغره بسنوات كما أنه بدأ مهنة بيع الورود منذ عقد الثمانينيات، أنه باستثناء موسم الذروة خلال الصيف فإن الركود يغلب على باقي الموسم.
ويعلق سليم على ذلك قائلا "نضطر إلى ان نتعايش مع الخسارة. نلقي نصف الورود في القمامة. المزودون لا يتحملون المسؤولية يأتون بالسلع ويقبضون الأموال. نحن من يتحمل مزاج السوق وتقلباته".
وأزمة القطاع ازدادت عمقا لأن أغلب المؤسسات الحكومية والإدارية سحبت تعاقداتها مع باعة الورود في شارع الحبيب بورقيبة ضمن سياسات التقشف الحكومية بسبب أزمة المالية العمومية.
كما أن الباعة التقليديين في الشارع باتوا اليوم يواجهون منافسة من عدة محلات انتشرت بأنحاء العاصمة.
ويرى لطفي أن المنعرج الأكبر لباعة الورود حصل في العام 2000 حينما قررت السلطات إعادة تهيئة شارع الحبيب بورقيبة ليكون نسخة مقربة من الشارع الباريسي الشهير "شانز اليزيه" ونقل محلات باعة الورود إلى الطرف الآخر البعيد من الشارع.
تسبب القرار بحسب لطفي في انهيار الاقبال على الورود بنسبة كبيرة لأن المنطقة الاولى لمحلاتهم كانت على مقربة من المؤسسات الثقافية، من بينها المسرح البلدي وقاعات السينما والمقاهي والمحلات التجارية، وهي منطقة تعج بالسياح والمارة والمتنزهين على عكس منطقتهم الحالية التي تبدو في عزلة.
ولم يشفع لمحلاتهم الجديدة قربها من محطة القطارات الرئيسية التي تربط العاصمة بضواحيها.
وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدها الباعة في فصل الشتاء فإن الورود لا تزال تتصدر الشارع وهي أول ما يستقبل المسافرين القادمين يوميا عبر القطارات إلى العاصمة.
ويوضح لطفي قائلا "ليس لدينا خيارا يجب أن نستمر أو أننا سنواجه البطالة. يبدأ الموسم في شهر تموز/ يوليو ويستمر حتى نهاية الصيف. علينا استثمار هذه الفترة لأنها تنوب عن فترات الركود في باقي الموسم".
ويتفق الاحمر مع باقي باعة الشارع على أن الورود لم تدخل بعد إلى العادات اليومية للمواطن التونسي وظلت مقتصرة على بعض المناسبات الموسمية مثل عيد الحب، وعيد الأمهات ، والحفلات والأعراس.
لكن ليس هذا وحده سبب الركود إذ أن انتاج الفلاحين للورود أصبح اكثر انحسارا بسبب تراجع الربح منها وأدى ذلك بالنتيجة إلى ارتفاع الأسعار لدى التجار، إذ يبلغ سعر باقة الورود في المتوسط بين عشرة وعشرون دينارا خارج موسم الاقبال.
وللدلالة على أزمة قطاع الورود في تونس فإن أشهر شركة مصدرة في هذا المجال أغلقت أبوابها لتتجه الى الاستثمار في قطاع البناء، بينما ألقت الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد منذ بدء الانتقال السياسي عام 2011، بظلالها على مناحي الحياة اليومية وأضر هذا بمكانة الورد على لائحة الكماليات.
ويقول المختار الذي اختص ببيع الورود وباقي أنواع الحشائش "الباعة القدامى نجحوا في جني مرابيح واسعة وبنوا منازل فاخرة لأن أسعار البيع والشراء آنذاك كانت مختلفة عن اليوم".
ويضيف المختار "لكن باعة اليوم يعملون لتلبية احتياجات المعيشة اليومية فقط. آخر ما يفكر فيه المواطن اليوم هو شراء وردة".
مع ذلك يتمسك المختار بحرفته وهو يعلم بأنه يتعين عليه مجاراة الازمة حتى بلوغ موسم الأعراس في الصيف من أجل التعويض. وهو يؤكد هذا الخيار قائلا "هذه مهنتي ولا يمكنني العمل في مجال آخر. يجب أن نتعامل مع الوضع".
وحتى يتسنى للتجار الحد من الخسائر فإنهم يأملون في انتعاش مبيعاتهم بفضل موسم جمع أزهار الياسمين التي تشتهر بها تونس، فهذه النبتة التي يتواجد باعتها في كل مكان ترتبط بها دورة اقتصادية كاملة.
ولا يتوفر الياسمين لدى كل الباعة في الشارع لأنه يعد قطاع قائما بحد ذاته بموازاة بيع الورود، ويشمل أكثر من طرف في جميع مراحل زرعه وجمعه وتصنيعه ثم تسويقه.
يقول زهير الأحمر أحد المختصين في تجارة الياسمين "تبدأ دورة الياسمين بجني الأزهار من قبل الجامعين، ومن ثم يشتري التجار الياسمين بأسعار الجملة قبل ان يتم تصنيعه في شكل "مشموم" ويستلمه "الدوارون" لعرضه على أطباق في الشوارع الرئيسية والمقاهي السياحية".
يجني جميع هؤلاء أرباحا مهمة من قطاع يعتبر حيويا في موسمي الربيع والصيف بتونس كما يوفر مواطن شغل للآلاف من العمال الموسميين بما في ذلك الطلبة أثناء العطل.
و"المشموم" علامة بارزة في صناعة الياسمين بتونس وهو يحظى بشهرة عالمية إذ يعد من الصادرات المميزة للسلع التونسية إلى الخارج كما خصصت تونس مهرجانا موسميا احتفاء بهذه الزهرة تستضيفه مدينة رادس، الضاحية الجنوبية للعاصمة.
وحتى يحين موسم الياسمين فإن يجب على لطفي الأحمر وأبناء عمومته التحلي بمزيد من الصبر في فترات الكساد الشتوي، والعمل على حصر الخسائر عند الحد الأدنى.

طارق القيزاني
الجمعة 22 مارس 2019