نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


زهور كرام .. لا يمكن قراءة الادب الرقمي إلا من خلال شاشة الكومبيوتر وعبر تشغيل البرامج




الرباط - تحدثت الكاتبة و الاكاديمية المغربية عن ماهية الادب الرقمي الذي ما يزال ملتيسا على الكثيرين ، و اعتبرته الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي ، و الهدهد الدولية تعيد نشر الحوار لخصوصيتة و لطرحة قضية ملحة و لكنها ما تزال في طور "الاستيعاب" لدى الكثير من الكتاب و الادباء انفسهم ، الحوار أجراه رامز رمضان النويصري لصالح صحيفة القدس العربي


الكاتبة و الاكاديمية المغربية زهور كرام
الكاتبة و الاكاديمية المغربية زهور كرام
أعادني كتابها، الذي وصلني حديثاً، إلى لقائنا الأول بطرابلس فترة انعقاد المؤتمر العربي الأول للثقافة الرقمية ( آذار/ مارس 2007)، حيث النقاش كان منصباً على حقيقة الثقافة الرقمية وإشكالياتها والمساهمة العربية. العديد من الأوراق ألقيت، والعديد من النقاشات والحوارات دارت. لكن الدكتورة زهور كرام الناقدة والباحثة، دعمت رؤيتها وقراءتها في المنتج الرقمي من خلال بحثٍ متخصص، نشر العام الماضي بعنوان ' الأدب الرقمي - أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية'، والذي قرر ضمن المناهج الدراسية الجامعية بالمغرب. هنا نلتقي الدكتورة زهور في حديث عن الأدب الرقمي.

*هل يمكننا القول بحقيقة الأدب الرقمي حقيقةً؟
*إنّ التعبيرات التّعيينية ( المصطلحات، التسميات، التوصيفات...) لأي ظاهرة، تعبّر عن وجود الموضوع. عندما ظهر مصطلح ' الأدب النسائي' في بداية الأمر، رفضه البعض لكونه يجزئ الأدب إلى أنثوي وذكوري، ودافع عنه البعض الآخر لكونه يمنح للمرأة اعتبارا رمزيا، في الموقفين معا كانت المقاربة لمصطلح ' أدب نسائي' تتم - في غالب الأمر- من خارج النص النسائي، النقد الأدبي بقي بعيدا ـ بعض الشيء - أمام هيمنة التعاقدات المألوفة من الذاكرة حول المرأة، لكن، مصطلح الأدب النسائي عاد إلى وضعيته المعرفية الموضوعية عندما اشتغل النقد الأدبي على النص النسائي، ووقف عند المتغيرات التي يطرحها النص الأدبي الذي تنتجه المرأة، والذي يقترح دلالات مغايرة لمفاهيم متداولة. هذا المثال يشبه ـ إلى حد ما ـ النص الرقمي وعلاقته بهذا التجاذب بين الرفض والقبول حسب العلاقة مع التكنولوجيا أولا، ثم حسب إمكانية المتلقي لهذا الجديد الذي يدفعه إلى تغيير نظرته للنص الأدبي. إنها مسألة تتعلق أكثر بمدى قدرة الشعوب على التعامل مع الجديد أي غير المألوف، واعتبار المألوف وضعية إنتاجية تاريخية أي تعيش التحول والتطور والتجاوز.
لهذا، فلا يمكن أن نتحدث عن شيء هو غير موجود. الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي في أمريكا وأوروبا، وعربيا ما يزال يخطو باحتشام كبير وهذا له علاقة بمدى انخراطنا في حالة التطور، ومدى توفرنا على مناخ يسمح بمثل هذا الإبداع، كما يتعلق أيضا بوضعية النقد الأدبي وقدرته على متابعة تطورات حالة النص الأدبي.


*ما هو الأدب الرقمي أو النص الرقمي؟
*التفكير لا ينبني إلا على وجود موضوعه. الأدب الرقمي هو التعبير الرقمي عن تطور النص الأدبي.
الأدب لا يعيش الثبات من حيث نظامه وبنائه، نظرا لكونه يعرف تحولات في شكله ولغته تبعا لتغير وسائطه مما يؤثر على مختلف مكوناته من جهة، ونظام ترتيب تلك المكونات من جهة ثانية. الأدب الرقمي هو محقق الآن في التجربة الغربية وهذا راجع لتطور وسائطه التي تساعد على الانخراط فيه بسرعة، أما في التجربة العربية فهو ما يزال يعرف تعثرا كبيرا في تحقيقه، لأن ثقافة الوسائط التكنولوجية التي يعتمدها الأدب الرقمي في إنجازه وتحققه ما تزال لم تتشرّبها بعد الذهنية العربية باعتبارها ثقافة الإنتاج وليس فقط ثقافة الاستهلاك.
ضعف تجربة الأدب الرقمي في التجربة العربية تعكس علاقتنا كمجتمعات عربية بالتكنولوجيا التي أصبحت المحرك الجوهري للزمن الراهن. ولا يمكن ضمان الانخراط في هذا الزمن إلا من خلال ضمان استثمار وسائط الزمن التكنولوجي. في نظرة سريعة حول المجال الذي يتحقق فيه النص الرقمي في التجربة الغربية سنلاحظ أن الجامعة هي أرضية خصبة للتحفيز أكثر على التفاعل مع هذه التجربة. ونحن ندرك جيدا أن تطور البحث العلمي يضمن روح المغامرة والإبداع وتجديد الاكتشاف. البحث العلمي لدينا ما يزال مرتبطا بمنظومة تقليدية ولهذا فهو لا يخلق الشروط الموضوعية لتبني فكر المغامرة والإبداع. لكن، مع ذلك هناك بقع ضوء بدأت تظهر وتحفز على التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في الأدب كما نجد في تجربة البحث العلمي بالمغرب من خلال تكوينات علمية في الماستر وأيضا بداية اختيار الطلبة الباحثين لمواضيع أطروحاتهم الاشتغال على مواضيع مثل النص التفاعلي والأدب الرقمي، إلى غير ذلك مما له علاقة بمجالات الأدب والتكنولوجيا.
مفاهيم الأدب الرقمي ما تزال ملتبسة بعض الشيء، ليس فقط في التجربة العربية، وذلك لكونها حديثة العهد وتحتاج إلى تأملات نقدية تدعم وضوحها الذي لا يعني بالضرورة ضبط المفاهيم بشكل قاطع، ولكن على الأقل خلق مجال نقدي موضوعي لبلورة مختلف المفاهيم التي تؤطر الأدب الرقمي. وحسب طبيعة اشتغالي على الموضوع يمكن التعامل مع مفهوم الأدب الرقمي باعتباره مفهوما عاما تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقميا. وبهذا، تصبح باقي المفاهيم التي تحيط بالرقمي مفاهيم تحدد الحالة النصية الرقمية، مثل الترابطي باعتباره مفهوما يعيّن الحالة الأجناسية لهذا الأدب، والتفاعلي باعتباره إجراء رقميا عبره تتحقق رقمية النص. لكنها تأويلات لدلالات مفاهيم قابلة للتحول وفق مستجدات تجربة النصوص المنجزة رقميا.
*أشرت في معرض إجابتك السابقة، إلى ضعف مستوى الأدب الرقمي المقدم.. فأين ترين المشكلة؟
*لا أعني بالضعف المستوى الفني والجمالي للتجربة العربية ، ولكن أقصد ضعف التراكم. لأن التقييم الفني والإبداعي يحتاج أولا إلى متن موضوعي يسمح بقراءة التجربة في إطار تصور عام لمخاض التجربة. صحيح نحن نمتلك رؤية نقدية ومعرفية حول المنجز الغربي في هذا المضمار، لكننا نحترم أيضا شروط تكوّن التجربة الإبداعية سياقيا أي احترام مناخ التأسيس، والذي أعني به الشروط الثقافية والعلمية العربية. لهذا اعتبر أن كل محاولة لإنجاز النص الرقمي في التجربة العربية تعد رائدة بالقياس إلى وضعية الوعي النقدي والإبداعي بهذا الأدب الجديد. وأرى أيضا أن كل الذين يحاولون ويغامرون في التجربة يؤسسون لذاكرة النص الرقمي العربي، هذه الذاكرة التي ستشكل محطة جوهرية في مسار تاريخ تشكل النص الأدبي الرقمي العربي. هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها. أما عن مشكل ضعف تراكم التجربة عربيا، فهذا يعود إلى علاقتنا بالتكنولوجيا، وهي علاقة ما تزال تعتمد الاستهلاك أكثر من الإنتاج، إلى جانب كون الانخراط في الأدب الرقمي إنتاجا وتفكيرا وأسئلة يحتاج إلى تفكير مرن ومغامر ، تفكير حر يتعامل مع الجديد بنوع من الاكتشاف، وليس النفور فقط بسبب الجهل. كما أن هذا الأدب يأتي في إطار تطور حالة النص الأدبي الذي يتغير بتغير الوسائط والأسئلة، والسؤال المطروح الآن هل النقد العربي يساير تطور الأدب من خلال مختلف تجلياته، أم أنه نقد يعتمد فقط مسايرة الراهن من حيث التلقي المنسجم مع المألوف، ذلك لأن الأدب الرقمي هو تجلّ ٍ أدبي غير مألوف بالنسبة للتلقي، ولهذا فالتعامل معه في غياب خلق شروط معرفية نقدية واعية قد تخل بمنطق تلقيه، ومن ثمة تدفع نحو رفضه. ألا يتطلب الأمر من النقد العربي أن يناقش الأدب الرقمي في إطار تحولات نظرية الأدب، ومسايرة تطور الأدب مع تجدد وسائط تجلياته؟. أضف إلى ذلك، أن المؤسسات الثقافية العربية والتي لها سلطة تدبير الشأن الثقافي ما تزال لم تقترب بعد من هذا الأدب، وهو ابتعاد يعبر عن طبيعة هذه المؤسسات. إلى جانب أن الجامعات العربية لا بد أن تدخل مجال هذا الأدب من خلال تكوينات علمية أكاديمية، وشخصيا أعتبر أن الضمانة الأساسية لتحصين الأدب الرقمي من كل انفلات معرفي هو البحث العلمي، ذلك لأن الظواهر المعرفية والقضايا الأدبية الجديدة غالبا ما يتم النفور منها، ومعاداتها لكونها غير مألوفة، ولهذا يأتي البحث العلمي لتحصينها علميا. وهذا ما نجده اليوم في الجامعات الأمريكية والأوروبية وهذا الاهتمام الكبير بالنص الأدبي والتكنولوجيا، لأننا عبر الجامعة نشجع التفكير لهذه الظاهرة الجديدة، ونكوّن جيلا جديدا يتقبل الظاهرة بحس علمي ومعرفي. أظن أن الأمر يحتاج إلى اهتمام متعدد الجوانب، النظري والتجريبي مع لقاءات كثيرة تعرّف بالأدب الرقمي، وتنظيم ورشات تكوينية في الموضوع، وانفتاح المبدعين والنقاد على ثقافة التكنولوجيا.
*وهل يمكن اعتبار ما يقدم من خلال الشبكة، أدباً رقميا؟
*طبعا ليس كل ما ينشر على الشبكة هو أدب رقمي. لأن الأدب الرقمي ليس أن ننجز نصا ورقيا مثلا ثم نحوله إلكترونيا في الشبكة لكي نقول إنه رقمي. في الشبكة نتعامل مع مختلف الوثائق والنصوص التي تم تحويلها إلكترونيا والتي يمكن طبعها على الورق. الأدب الرقمي لا يمكن إنجازه خارج المجال الإلكتروني، لأنه يتحقق بواسطة البرامج المعلوماتية، ولا يقرأ إلا من خلال شاشة الكومبيوتر وعبر تشغيل البرامج، ولذلك يصعب طبعه باعتباره نصا أي وحدة إبداعية.
*أين تقف تجربتنا الرقمية؟
*عربيا من خلال نصوص الكاتب الأردني محمد سناجلة الذي أتمنى ألا يتخلى عن الإبداع في هذا المجال، وأيضا الشاعر العراقي مشتاق معن من خلال إنتاجه قصائد رقمية، ثم تجربة الكاتب المغربي محمد شويكة في القصة الترابطية وأيضا تجارب المسرح الرقمي بالعراق على الخصوص، بالإضافة إلى محاولات أخرى متفرقة يسعى أصحابها إلى دخول التجربة إبداعا، ثم تتجلى تجربتنا الرقمية عربيا من خلال النقد والتفكير في الثقافة الرقمية كما نجد مع الكاتب المغربي سعيد يقطين وأيضا الناقدة الإماراتية فاطمة البريكي والكتاب السيد نجم وأحمد فضل شبلول وعبير سلامة وعبد القادر حسام من مصر والعديد من الباحثين والنقاد الذين نشروا مقالات ودراسات حول الأدب الرقمي والنص التفاعلي خاصة في موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب الذي يعد ـ بالفعل ـ واجهة لنشر الثقافة الرقمية. لا تنحصر تجارب الاهتمام بهذه الثقافة فقط في هذه الأسماء ولكن هناك الكثيرين الذين يحفزون على التعامل مع هذه الثقافة بوعي موضوعي من خلال دراساتهم. إلى جانب المؤتمرات والندوات والورشات التكوينية الخاصة بهذه الثقافة، وأذكر هنا على سبيل المثال أول مؤتمر حول الثقافة الرقمية والذي عرفته عاصمة ليبيا بطرابلس منذ سنوات، وأيضا الندوات التي انعقدت في الأردن ودول عربية أخرى، مع الإشارة إلى بداية انخراط البحث العلمي في هذه الثقافة كما نجد في الجامعة المغربية من خلال انفتاح الدراسات العليا ( الماستر) على تكوينات علمية حول الموضوع، وأنا شخصيا كنت قد درّست مادة الأدب الرقمي في ماستر الآداب المقارن بجامعة محمد الخامس بالرباط، إضافة إلى بداية اهتمام طلبتنا بهذا الموضوع واتخاذه موضوعا للبحث في أطروحاتهم الجامعية.
*ما هي أهم سمات هذا الأدب؟
*أهم مظهر يعين طبيعة هذا الأدب باعتباره حالة تطورية لمسار الأدب هو علاقته بالوسيط التكنولوجي، الذي يغيّر مادته اللغوية. فإذا كانت اللغة المعجمية هي الأساس في تجربة النص الأدبي، فإن موقعها في النص الرقمي يتغير، وتصبح اللغة المعلوماتية ذات وجود جوهري في إنجاز النص الرقمي. النص الرقمي بتحققه فهو يحقق اختلافات جوهرية في إنجاز النص الأدبي بدءا من شاشة الكومبيوتر إلى البرامج المعلوماتية إلى مكونات الإنتاج التي تؤدي إلى تغير في مفاهيم منتج النص ( المؤلف) وقارئه ولغته ونظامه، وكذا الحالة الأجناسية للنص نفسه. كل شيء يتغير في نظام النص الرقمي لأن الوسائط مختلفة ، وبالتالي فإن نظام البناء يؤسس لشكل أدبي مغاير، تبعا لطبيعة اللغة الجديدة والتي تأتي بلغة المعلوميات وتنجز مساحة مفتوحة للنص، معها يتحرر القارئ من التعاقد المألوف في الكتاب الورقي ( بداية ونهاية)، فالقارئ عبر تقنية الرابط يمتلك سلطة تدبير النص، من خلال خياراته في تشغيل الروابط أو تركها، أو التعامل مع بعضها فقط.
تنتج هذه الوضعية الجديدة للقارئ مفهوما جديدا للنص الأدبي الذي لا يوجد إلا من خلال القراءة المختارة ( وليست المنتهية)، لأن في الأدب الرقمي ليست هناك قراءة منتهية. كل قراءة مفتوحة على أخرى حسب مزاج القارئ وقدرته على الترحال بين الروابط، ولهذا، فحتى مفهوم منتج النص يتغير.
يمكن القول بأن النص الرقمي هو امتداد لتجربة التجريب في النص الأدبي الحديث خاصة السردي حيث تتلاشى الحكاية ويصبح للقارئ الدور الأهم في إعادة بناء الحكاية من جديد. الأدب الرقمي لا يخرج عن حالات تطور الأدب المكتوب ورقيا، ولهذا فوعينا به لا يجب أن يتم في إطار اقتطاعه من تاريخ الأدب الحديث، والتعامل معه على أساس أنه ظاهرة بدون ذاكرة ثقافية.
الأدب الرقمي حالة تطورية للأدب في صيغته التكنولوجية، واستجابة لأسئلة الإنسان في هذا الزمن.
ومن ثمة، فإن التعامل مع هذا الأدب هو تعامل مع تطور التعبير البشري.
*إذن، كيف تعرفين: الكاتب أو المؤلف الرقمي، الناقد الرقمي، القارئ الرقمي؟
*المؤلف الرقمي هو الذي يؤلف النص، مستثمرا وسائط التكنولوجيا الحديثة، ومشتغلا على تقنية النص المترابط، وموظفا مختلف أشكال الوسائط المتعددة. هو لا يعتمد فقط على الرغبة الإلهامية والمحفزة على الكتابة، ولكنه إلى جانب ذلك على دراية بثقافة المعلوميات، لكونه يستعمل في إنجاز نصه اللغة المعلوماتية، وإذا لم تكن له ثقافة بالأمر فإمكانه أن يستعين بتقني أو مبرمج. وهذا شيء جديد في نظرية الأدب التي لم تكن تنظر إلى منتج الأدب في إطار تكونه العلمي. طبيعة الأدب الرقمي تتطلب هذه الخبرات أو على الأقل إدراك وظيفيتها في حال الاستعانة بشخص آخر.المؤلف هو الذي يؤلف بين مجموعة من المواد ( اللغة، الصوت، الصورة، الوثائق، لغة البرامج المعلوماتية..) لينتج حالة نصية متخيلة غير خطية لا يتحقق جنسها أو نوعها إلا مع القارئ الرقمي الذي من المفروض أن يكون هو أيضا له علاقة بثقافة التكنولوجيا وإلا فإنه لن يتمكن من قراءة النص الرقمي قراءة رقمية. القارئ الرقمي يتغير وضعه في الأدب الرقمي مثل المؤلف. تصبح له حرية كبيرة ذات علاقة بمستوى تفاعله مع النص الرقمي، وبطبيعة اختياره للروابط. فالقارئ الرقمي ينتج النص الرقمي من جديد حين يختار له بداية مع رابط دون آخر، وحين ينهي قراءته للنص مع رابط دون آخر. بداية القراءة مع رابط تحدد نوعية القراءة ومن ثمة تعيّن نوعية النص.القارئ الرقمي أصبح له دور مهم لأن قراءته لا تعني تلقي النص الذي أمامه، وإنما إعادة كتابته من خلال طبيعة تشغيله للروابط. فبداية قارئ قد تختلف مع بداية قارئ آخر مما يعني أننا لم نعد أمام نفس النص. النص الرقمي إذن مع هذا التحول في مفهومي المؤلف والقارئ يتغير منطقه ونظامه، وهذا ينعكس على شكل التلقي وعلى نظرية القراءة. القارئ الرقمي هو شريك في إنتاج النص.
*في كتابك ( الأدب الرقمي) تناولت بالتحليل الرواية الرقمية كنموذج. هل الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد القابل لأن يكون نصا رقمياً؟ وهل يمكن تحويل أي نص أدبي إلى نص رقمي؟
*اختياري لرواية سناجلة ' شات' لم يكن وراءه اختيار الجنس الأدبي ( الرواية)، ولكن منطلقي كان الاشتغال على أكثر النصوص الرقمية العربية نضجا، والتي تسمح مساحتها البنائية والفنية بالتفكير في معنى النص الأدبي الرقمي. ' شات' تعد رواية رقمية عربية، تتوفر على مكونات مهمة تسمح لها بالانتماء داخل الأدب الرقمي. وبالفعل فقراءتي لها جعلتني أقف عند تحولات النص الروائي في بعده الرقمي. أما النص الثاني الذي اشتغلت عليه نقديا ' صقيع ' لسناجلة أيضا فلم أعتبره رواية لاعتبارات تخص منطقه وشكل بنائه، ولهذا فقد جنّسته بـ ' محكي - ذاتي مترابط/ hyper- auto-r'cit لأنه نص يأتي بمتغيرات بنائية وسردية وتقني- رقمية مست على الخصوص البعد التجنيسي لنص ' صقيع'، أو ما يصطلح عليه ' جون ماري شيفر' بالهوية النصية. دور النقد هو الإصغاء إلى التحولات التي يعرفها منطق النص وهو يتشكّل لغويا، وهنا في وضعية النص الرقمي، وهو يتشكل رقميا.
إذن، ليس الجنس الأدبي هو محور الاشتغال على التجربة الأدبية الرقمية، وإنما في الدرجة الأولى النص الأدبي وهو يخرج عن منطقه المألوف إلى وضعية جديدة، ثم بعد ذلك نشتغل على التجنيس إذا طرحه النص. كنت أتمنى ـ وأنا أشتغل على هذا الموضوع في كتابي- أن تكون أمامي مجموعة من النصوص الرقمية السردية المحقّقة عربيا، حتى أستطيع أن أكتشف التجربة العربية في أبعادها وتمظهراتها المتعددة.
عندما نقول إن النص الرقمي لا يتحقق إلا باعتماد أرضيته الرقمية والمعلوماتية، إلى جانب اللغة المعجمية المألوفة إضافة إلى استثمار الوسائط المتعددة الحديثة، ونؤكد وضعية النص الرقمي في كونه لا تمكن قراءته إلا بواسطة إمكانيات إنتاجه، أي يقرأ على شاشة الحاسوب مع تنشيط الروابط وامتلاك قدرة قراءة الوسائط ، لهذا، فإمكانية تحويل نص أدبي ورقي مثلا إلى نص رقمي غير ممكنة، لأننا لا نكتب النص الإبداعي إلا مرة واحدة، إن حدث ذلك فمعناه أننا غادرنا النص الأول في وضعيته الورقية وأنتجنا نصا آخر رقميا مختلفا كل الاختلاف. النص الإبداعي تجربة مخاض لغوي وحالة ذاتية، وهذه الوضعية هي التي تحدد عناصر بناء النص، وشكل البناء هو الذي يشخّص الوعي الإبداعي للنص. الروايات المكتوبة التي تم تحويلها إلى السينما لم تبق هي نفسها، رواية الكاتب الفرنسي فلوبير ' مدام بوفاري' التي تحولت إلى السينما وفي عدة تجارب، مع ذلك بقيت الرواية المكتوبة هي الأكثر تبليغا لأثر اللحظة الإبداعية - حسب رؤيتي ومقارنتي بين قراءتي للرواية ومشاهدتي للفيلم - ، وهناك نصوص أخرى عندما تم تحويلها سينمائيا جاءت أكثر بلاغة من النص المكتوب، هذا مؤشر على كون اللحظة الإبداعية لا يمكن أن تتحقق بنفس الشكل والرؤية في شكلين مختلفين، لأن اللحظة الإبداعية تتم برؤية، وعندما يختلف الوسيط تأخذ الرؤية شكلا مغايرا.




أعادني كتابها، الذي وصلني حديثاً، إلى لقائنا الأول بطرابلس فترة انعقاد المؤتمر العربي الأول للثقافة الرقمية ( آذار/ مارس 2007)، حيث النقاش كان منصباً على حقيقة الثقافة الرقمية وإشكالياتها والمساهمة العربية. العديد من الأوراق ألقيت، والعديد من النقاشات والحوارات دارت. لكن الدكتورة زهور كرام الناقدة والباحثة، دعمت رؤيتها وقراءتها في المنتج الرقمي من خلال بحثٍ متخصص، نشر العام الماضي بعنوان ' الأدب الرقمي - أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية'، والذي قرر ضمن المناهج الدراسية الجامعية بالمغرب. هنا نلتقي الدكتورة زهور في حديث عن الأدب الرقمي.

*هل يمكننا القول بحقيقة الأدب الرقمي حقيقةً؟
*إنّ التعبيرات التّعيينية ( المصطلحات، التسميات، التوصيفات...) لأي ظاهرة، تعبّر عن وجود الموضوع. عندما ظهر مصطلح ' الأدب النسائي' في بداية الأمر، رفضه البعض لكونه يجزئ الأدب إلى أنثوي وذكوري، ودافع عنه البعض الآخر لكونه يمنح للمرأة اعتبارا رمزيا، في الموقفين معا كانت المقاربة لمصطلح ' أدب نسائي' تتم - في غالب الأمر- من خارج النص النسائي، النقد الأدبي بقي بعيدا ـ بعض الشيء - أمام هيمنة التعاقدات المألوفة من الذاكرة حول المرأة، لكن، مصطلح الأدب النسائي عاد إلى وضعيته المعرفية الموضوعية عندما اشتغل النقد الأدبي على النص النسائي، ووقف عند المتغيرات التي يطرحها النص الأدبي الذي تنتجه المرأة، والذي يقترح دلالات مغايرة لمفاهيم متداولة. هذا المثال يشبه ـ إلى حد ما ـ النص الرقمي وعلاقته بهذا التجاذب بين الرفض والقبول حسب العلاقة مع التكنولوجيا أولا، ثم حسب إمكانية المتلقي لهذا الجديد الذي يدفعه إلى تغيير نظرته للنص الأدبي. إنها مسألة تتعلق أكثر بمدى قدرة الشعوب على التعامل مع الجديد أي غير المألوف، واعتبار المألوف وضعية إنتاجية تاريخية أي تعيش التحول والتطور والتجاوز.
لهذا، فلا يمكن أن نتحدث عن شيء هو غير موجود. الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي في أمريكا وأوروبا، وعربيا ما يزال يخطو باحتشام كبير وهذا له علاقة بمدى انخراطنا في حالة التطور، ومدى توفرنا على مناخ يسمح بمثل هذا الإبداع، كما يتعلق أيضا بوضعية النقد الأدبي وقدرته على متابعة تطورات حالة النص الأدبي.


*ما هو الأدب الرقمي أو النص الرقمي؟
*التفكير لا ينبني إلا على وجود موضوعه. الأدب الرقمي هو التعبير الرقمي عن تطور النص الأدبي.
الأدب لا يعيش الثبات من حيث نظامه وبنائه، نظرا لكونه يعرف تحولات في شكله ولغته تبعا لتغير وسائطه مما يؤثر على مختلف مكوناته من جهة، ونظام ترتيب تلك المكونات من جهة ثانية. الأدب الرقمي هو محقق الآن في التجربة الغربية وهذا راجع لتطور وسائطه التي تساعد على الانخراط فيه بسرعة، أما في التجربة العربية فهو ما يزال يعرف تعثرا كبيرا في تحقيقه، لأن ثقافة الوسائط التكنولوجية التي يعتمدها الأدب الرقمي في إنجازه وتحققه ما تزال لم تتشرّبها بعد الذهنية العربية باعتبارها ثقافة الإنتاج وليس فقط ثقافة الاستهلاك.
ضعف تجربة الأدب الرقمي في التجربة العربية تعكس علاقتنا كمجتمعات عربية بالتكنولوجيا التي أصبحت المحرك الجوهري للزمن الراهن. ولا يمكن ضمان الانخراط في هذا الزمن إلا من خلال ضمان استثمار وسائط الزمن التكنولوجي. في نظرة سريعة حول المجال الذي يتحقق فيه النص الرقمي في التجربة الغربية سنلاحظ أن الجامعة هي أرضية خصبة للتحفيز أكثر على التفاعل مع هذه التجربة. ونحن ندرك جيدا أن تطور البحث العلمي يضمن روح المغامرة والإبداع وتجديد الاكتشاف. البحث العلمي لدينا ما يزال مرتبطا بمنظومة تقليدية ولهذا فهو لا يخلق الشروط الموضوعية لتبني فكر المغامرة والإبداع. لكن، مع ذلك هناك بقع ضوء بدأت تظهر وتحفز على التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في الأدب كما نجد في تجربة البحث العلمي بالمغرب من خلال تكوينات علمية في الماستر وأيضا بداية اختيار الطلبة الباحثين لمواضيع أطروحاتهم الاشتغال على مواضيع مثل النص التفاعلي والأدب الرقمي، إلى غير ذلك مما له علاقة بمجالات الأدب والتكنولوجيا.
مفاهيم الأدب الرقمي ما تزال ملتبسة بعض الشيء، ليس فقط في التجربة العربية، وذلك لكونها حديثة العهد وتحتاج إلى تأملات نقدية تدعم وضوحها الذي لا يعني بالضرورة ضبط المفاهيم بشكل قاطع، ولكن على الأقل خلق مجال نقدي موضوعي لبلورة مختلف المفاهيم التي تؤطر الأدب الرقمي. وحسب طبيعة اشتغالي على الموضوع يمكن التعامل مع مفهوم الأدب الرقمي باعتباره مفهوما عاما تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقميا. وبهذا، تصبح باقي المفاهيم التي تحيط بالرقمي مفاهيم تحدد الحالة النصية الرقمية، مثل الترابطي باعتباره مفهوما يعيّن الحالة الأجناسية لهذا الأدب، والتفاعلي باعتباره إجراء رقميا عبره تتحقق رقمية النص. لكنها تأويلات لدلالات مفاهيم قابلة للتحول وفق مستجدات تجربة النصوص المنجزة رقميا.
*أشرت في معرض إجابتك السابقة، إلى ضعف مستوى الأدب الرقمي المقدم.. فأين ترين المشكلة؟
*لا أعني بالضعف المستوى الفني والجمالي للتجربة العربية ، ولكن أقصد ضعف التراكم. لأن التقييم الفني والإبداعي يحتاج أولا إلى متن موضوعي يسمح بقراءة التجربة في إطار تصور عام لمخاض التجربة. صحيح نحن نمتلك رؤية نقدية ومعرفية حول المنجز الغربي في هذا المضمار، لكننا نحترم أيضا شروط تكوّن التجربة الإبداعية سياقيا أي احترام مناخ التأسيس، والذي أعني به الشروط الثقافية والعلمية العربية. لهذا اعتبر أن كل محاولة لإنجاز النص الرقمي في التجربة العربية تعد رائدة بالقياس إلى وضعية الوعي النقدي والإبداعي بهذا الأدب الجديد. وأرى أيضا أن كل الذين يحاولون ويغامرون في التجربة يؤسسون لذاكرة النص الرقمي العربي، هذه الذاكرة التي ستشكل محطة جوهرية في مسار تاريخ تشكل النص الأدبي الرقمي العربي. هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها. أما عن مشكل ضعف تراكم التجربة عربيا، فهذا يعود إلى علاقتنا بالتكنولوجيا، وهي علاقة ما تزال تعتمد الاستهلاك أكثر من الإنتاج، إلى جانب كون الانخراط في الأدب الرقمي إنتاجا وتفكيرا وأسئلة يحتاج إلى تفكير مرن ومغامر ، تفكير حر يتعامل مع الجديد بنوع من الاكتشاف، وليس النفور فقط بسبب الجهل. كما أن هذا الأدب يأتي في إطار تطور حالة النص الأدبي الذي يتغير بتغير الوسائط والأسئلة، والسؤال المطروح الآن هل النقد العربي يساير تطور الأدب من خلال مختلف تجلياته، أم أنه نقد يعتمد فقط مسايرة الراهن من حيث التلقي المنسجم مع المألوف، ذلك لأن الأدب الرقمي هو تجلّ ٍ أدبي غير مألوف بالنسبة للتلقي، ولهذا فالتعامل معه في غياب خلق شروط معرفية نقدية واعية قد تخل بمنطق تلقيه، ومن ثمة تدفع نحو رفضه. ألا يتطلب الأمر من النقد العربي أن يناقش الأدب الرقمي في إطار تحولات نظرية الأدب، ومسايرة تطور الأدب مع تجدد وسائط تجلياته؟. أضف إلى ذلك، أن المؤسسات الثقافية العربية والتي لها سلطة تدبير الشأن الثقافي ما تزال لم تقترب بعد من هذا الأدب، وهو ابتعاد يعبر عن طبيعة هذه المؤسسات. إلى جانب أن الجامعات العربية لا بد أن تدخل مجال هذا الأدب من خلال تكوينات علمية أكاديمية، وشخصيا أعتبر أن الضمانة الأساسية لتحصين الأدب الرقمي من كل انفلات معرفي هو البحث العلمي، ذلك لأن الظواهر المعرفية والقضايا الأدبية الجديدة غالبا ما يتم النفور منها، ومعاداتها لكونها غير مألوفة، ولهذا يأتي البحث العلمي لتحصينها علميا. وهذا ما نجده اليوم في الجامعات الأمريكية والأوروبية وهذا الاهتمام الكبير بالنص الأدبي والتكنولوجيا، لأننا عبر الجامعة نشجع التفكير لهذه الظاهرة الجديدة، ونكوّن جيلا جديدا يتقبل الظاهرة بحس علمي ومعرفي. أظن أن الأمر يحتاج إلى اهتمام متعدد الجوانب، النظري والتجريبي مع لقاءات كثيرة تعرّف بالأدب الرقمي، وتنظيم ورشات تكوينية في الموضوع، وانفتاح المبدعين والنقاد على ثقافة التكنولوجيا.
*وهل يمكن اعتبار ما يقدم من خلال الشبكة، أدباً رقميا؟
*طبعا ليس كل ما ينشر على الشبكة هو أدب رقمي. لأن الأدب الرقمي ليس أن ننجز نصا ورقيا مثلا ثم نحوله إلكترونيا في الشبكة لكي نقول إنه رقمي. في الشبكة نتعامل مع مختلف الوثائق والنصوص التي تم تحويلها إلكترونيا والتي يمكن طبعها على الورق. الأدب الرقمي لا يمكن إنجازه خارج المجال الإلكتروني، لأنه يتحقق بواسطة البرامج المعلوماتية، ولا يقرأ إلا من خلال شاشة الكومبيوتر وعبر تشغيل البرامج، ولذلك يصعب طبعه باعتباره نصا أي وحدة إبداعية.
*أين تقف تجربتنا الرقمية؟
*عربيا من خلال نصوص الكاتب الأردني محمد سناجلة الذي أتمنى ألا يتخلى عن الإبداع في هذا المجال، وأيضا الشاعر العراقي مشتاق معن من خلال إنتاجه قصائد رقمية، ثم تجربة الكاتب المغربي محمد شويكة في القصة الترابطية وأيضا تجارب المسرح الرقمي بالعراق على الخصوص، بالإضافة إلى محاولات أخرى متفرقة يسعى أصحابها إلى دخول التجربة إبداعا، ثم تتجلى تجربتنا الرقمية عربيا من خلال النقد والتفكير في الثقافة الرقمية كما نجد مع الكاتب المغربي سعيد يقطين وأيضا الناقدة الإماراتية فاطمة البريكي والكتاب السيد نجم وأحمد فضل شبلول وعبير سلامة وعبد القادر حسام من مصر والعديد من الباحثين والنقاد الذين نشروا مقالات ودراسات حول الأدب الرقمي والنص التفاعلي خاصة في موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب الذي يعد ـ بالفعل ـ واجهة لنشر الثقافة الرقمية. لا تنحصر تجارب الاهتمام بهذه الثقافة فقط في هذه الأسماء ولكن هناك الكثيرين الذين يحفزون على التعامل مع هذه الثقافة بوعي موضوعي من خلال دراساتهم. إلى جانب المؤتمرات والندوات والورشات التكوينية الخاصة بهذه الثقافة، وأذكر هنا على سبيل المثال أول مؤتمر حول الثقافة الرقمية والذي عرفته عاصمة ليبيا بطرابلس منذ سنوات، وأيضا الندوات التي انعقدت في الأردن ودول عربية أخرى، مع الإشارة إلى بداية انخراط البحث العلمي في هذه الثقافة كما نجد في الجامعة المغربية من خلال انفتاح الدراسات العليا ( الماستر) على تكوينات علمية حول الموضوع، وأنا شخصيا كنت قد درّست مادة الأدب الرقمي في ماستر الآداب المقارن بجامعة محمد الخامس بالرباط، إضافة إلى بداية اهتمام طلبتنا بهذا الموضوع واتخاذه موضوعا للبحث في أطروحاتهم الجامعية.
*ما هي أهم سمات هذا الأدب؟
*أهم مظهر يعين طبيعة هذا الأدب باعتباره حالة تطورية لمسار الأدب هو علاقته بالوسيط التكنولوجي، الذي يغيّر مادته اللغوية. فإذا كانت اللغة المعجمية هي الأساس في تجربة النص الأدبي، فإن موقعها في النص الرقمي يتغير، وتصبح اللغة المعلوماتية ذات وجود جوهري في إنجاز النص الرقمي. النص الرقمي بتحققه فهو يحقق اختلافات جوهرية في إنجاز النص الأدبي بدءا من شاشة الكومبيوتر إلى البرامج المعلوماتية إلى مكونات الإنتاج التي تؤدي إلى تغير في مفاهيم منتج النص ( المؤلف) وقارئه ولغته ونظامه، وكذا الحالة الأجناسية للنص نفسه. كل شيء يتغير في نظام النص الرقمي لأن الوسائط مختلفة ، وبالتالي فإن نظام البناء يؤسس لشكل أدبي مغاير، تبعا لطبيعة اللغة الجديدة والتي تأتي بلغة المعلوميات وتنجز مساحة مفتوحة للنص، معها يتحرر القارئ من التعاقد المألوف في الكتاب الورقي ( بداية ونهاية)، فالقارئ عبر تقنية الرابط يمتلك سلطة تدبير النص، من خلال خياراته في تشغيل الروابط أو تركها، أو التعامل مع بعضها فقط.
تنتج هذه الوضعية الجديدة للقارئ مفهوما جديدا للنص الأدبي الذي لا يوجد إلا من خلال القراءة المختارة ( وليست المنتهية)، لأن في الأدب الرقمي ليست هناك قراءة منتهية. كل قراءة مفتوحة على أخرى حسب مزاج القارئ وقدرته على الترحال بين الروابط، ولهذا، فحتى مفهوم منتج النص يتغير.
يمكن القول بأن النص الرقمي هو امتداد لتجربة التجريب في النص الأدبي الحديث خاصة السردي حيث تتلاشى الحكاية ويصبح للقارئ الدور الأهم في إعادة بناء الحكاية من جديد. الأدب الرقمي لا يخرج عن حالات تطور الأدب المكتوب ورقيا، ولهذا فوعينا به لا يجب أن يتم في إطار اقتطاعه من تاريخ الأدب الحديث، والتعامل معه على أساس أنه ظاهرة بدون ذاكرة ثقافية.
الأدب الرقمي حالة تطورية للأدب في صيغته التكنولوجية، واستجابة لأسئلة الإنسان في هذا الزمن.
ومن ثمة، فإن التعامل مع هذا الأدب هو تعامل مع تطور التعبير البشري.
*إذن، كيف تعرفين: الكاتب أو المؤلف الرقمي، الناقد الرقمي، القارئ الرقمي؟
*المؤلف الرقمي هو الذي يؤلف النص، مستثمرا وسائط التكنولوجيا الحديثة، ومشتغلا على تقنية النص المترابط، وموظفا مختلف أشكال الوسائط المتعددة. هو لا يعتمد فقط على الرغبة الإلهامية والمحفزة على الكتابة، ولكنه إلى جانب ذلك على دراية بثقافة المعلوميات، لكونه يستعمل في إنجاز نصه اللغة المعلوماتية، وإذا لم تكن له ثقافة بالأمر فإمكانه أن يستعين بتقني أو مبرمج. وهذا شيء جديد في نظرية الأدب التي لم تكن تنظر إلى منتج الأدب في إطار تكونه العلمي. طبيعة الأدب الرقمي تتطلب هذه الخبرات أو على الأقل إدراك وظيفيتها في حال الاستعانة بشخص آخر.المؤلف هو الذي يؤلف بين مجموعة من المواد ( اللغة، الصوت، الصورة، الوثائق، لغة البرامج المعلوماتية..) لينتج حالة نصية متخيلة غير خطية لا يتحقق جنسها أو نوعها إلا مع القارئ الرقمي الذي من المفروض أن يكون هو أيضا له علاقة بثقافة التكنولوجيا وإلا فإنه لن يتمكن من قراءة النص الرقمي قراءة رقمية. القارئ الرقمي يتغير وضعه في الأدب الرقمي مثل المؤلف. تصبح له حرية كبيرة ذات علاقة بمستوى تفاعله مع النص الرقمي، وبطبيعة اختياره للروابط. فالقارئ الرقمي ينتج النص الرقمي من جديد حين يختار له بداية مع رابط دون آخر، وحين ينهي قراءته للنص مع رابط دون آخر. بداية القراءة مع رابط تحدد نوعية القراءة ومن ثمة تعيّن نوعية النص.القارئ الرقمي أصبح له دور مهم لأن قراءته لا تعني تلقي النص الذي أمامه، وإنما إعادة كتابته من خلال طبيعة تشغيله للروابط. فبداية قارئ قد تختلف مع بداية قارئ آخر مما يعني أننا لم نعد أمام نفس النص. النص الرقمي إذن مع هذا التحول في مفهومي المؤلف والقارئ يتغير منطقه ونظامه، وهذا ينعكس على شكل التلقي وعلى نظرية القراءة. القارئ الرقمي هو شريك في إنتاج النص.
*في كتابك ( الأدب الرقمي) تناولت بالتحليل الرواية الرقمية كنموذج. هل الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد القابل لأن يكون نصا رقمياً؟ وهل يمكن تحويل أي نص أدبي إلى نص رقمي؟
*اختياري لرواية سناجلة ' شات' لم يكن وراءه اختيار الجنس الأدبي ( الرواية)، ولكن منطلقي كان الاشتغال على أكثر النصوص الرقمية العربية نضجا، والتي تسمح مساحتها البنائية والفنية بالتفكير في معنى النص الأدبي الرقمي. ' شات' تعد رواية رقمية عربية، تتوفر على مكونات مهمة تسمح لها بالانتماء داخل الأدب الرقمي. وبالفعل فقراءتي لها جعلتني أقف عند تحولات النص الروائي في بعده الرقمي. أما النص الثاني الذي اشتغلت عليه نقديا ' صقيع ' لسناجلة أيضا فلم أعتبره رواية لاعتبارات تخص منطقه وشكل بنائه، ولهذا فقد جنّسته بـ ' محكي - ذاتي مترابط/ hyper- auto-r'cit لأنه نص يأتي بمتغيرات بنائية وسردية وتقني- رقمية مست على الخصوص البعد التجنيسي لنص ' صقيع'، أو ما يصطلح عليه ' جون ماري شيفر' بالهوية النصية. دور النقد هو الإصغاء إلى التحولات التي يعرفها منطق النص وهو يتشكّل لغويا، وهنا في وضعية النص الرقمي، وهو يتشكل رقميا.
إذن، ليس الجنس الأدبي هو محور الاشتغال على التجربة الأدبية الرقمية، وإنما في الدرجة الأولى النص الأدبي وهو يخرج عن منطقه المألوف إلى وضعية جديدة، ثم بعد ذلك نشتغل على التجنيس إذا طرحه النص. كنت أتمنى ـ وأنا أشتغل على هذا الموضوع في كتابي- أن تكون أمامي مجموعة من النصوص الرقمية السردية المحقّقة عربيا، حتى أستطيع أن أكتشف التجربة العربية في أبعادها وتمظهراتها المتعددة.
عندما نقول إن النص الرقمي لا يتحقق إلا باعتماد أرضيته الرقمية والمعلوماتية، إلى جانب اللغة المعجمية المألوفة إضافة إلى استثمار الوسائط المتعددة الحديثة، ونؤكد وضعية النص الرقمي في كونه لا تمكن قراءته إلا بواسطة إمكانيات إنتاجه، أي يقرأ على شاشة الحاسوب مع تنشيط الروابط وامتلاك قدرة قراءة الوسائط ، لهذا، فإمكانية تحويل نص أدبي ورقي مثلا إلى نص رقمي غير ممكنة، لأننا لا نكتب النص الإبداعي إلا مرة واحدة، إن حدث ذلك فمعناه أننا غادرنا النص الأول في وضعيته الورقية وأنتجنا نصا آخر رقميا مختلفا كل الاختلاف. النص الإبداعي تجربة مخاض لغوي وحالة ذاتية، وهذه الوضعية هي التي تحدد عناصر بناء النص، وشكل البناء هو الذي يشخّص الوعي الإبداعي للنص. الروايات المكتوبة التي تم تحويلها إلى السينما لم تبق هي نفسها، رواية الكاتب الفرنسي فلوبير ' مدام بوفاري' التي تحولت إلى السينما وفي عدة تجارب، مع ذلك بقيت الرواية المكتوبة هي الأكثر تبليغا لأثر اللحظة الإبداعية - حسب رؤيتي ومقارنتي بين قراءتي للرواية ومشاهدتي للفيلم - ، وهناك نصوص أخرى عندما تم تحويلها سينمائيا جاءت أكثر بلاغة من النص المكتوب، هذا مؤشر على كون اللحظة الإبداعية لا يمكن أن تتحقق بنفس الشكل والرؤية في شكلين مختلفين، لأن اللحظة الإبداعية تتم برؤية، وعندما يختلف الوسيط تأخذ الرؤية شكلا مغايرا.


رامز رمضان النويصري
الاربعاء 24 فبراير 2010