نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


أدب الناشئة وحصّة الإمبراطورية





في مدينة بازل السويسرية، سنة 1953، تمّ الإعلان الرسمي عن تأسيس «الهيئة العالمية لكتب الناشئة»؛ وتمثلت أبرز اهدافها في توطيد التفاهم العالمي عبر كتب الأطفال، ومنحهم أينما كانوا فرصة الاطلاع على مؤلفات ذات معايير أدبية وفنية عالية، وتشجيع نشر وتوزيع كتب قيّمة موجهة إلى الأطفال خاصة في البلدان النامية، وتوفير الدعم والتدريب للمشتغلين في هذا المضمار، وتحفيز أعمال البحث والدراسة في أدب الأطفال والناشئة، ثمّ حماية وصيانة حقوق الطفل طبقاً لشرعة الأمم المتحدة.


 

ومنذ العام 1956 أنشأت الهيئة «جوائز هانز كريستيان اندرسون» لأدب الطفل والناشئة، تكريماً للأديب الدنماركي الشهير؛ تُمنح كلّ سنتين إلى كاتب العمل، وفي سنة 1966 أُضيفت جائزة إلى الرسام مصوِّر العمل أيضاً. وهذه الجوائز باتت أقرب إلى نوبل آداب في اختصاصها، وقد فاز بها عدد كبير من أبرز المشتغلين بآداب الأطفال والناشئة، في ميادين التأليف والرسم معاً (لم يحصل عليها أيّ عربي، للعلم؛ وفي سنة 1996 فاز بها الإسرائيلي أوري أورليف). كذلك تحيي الهيئة يوماً عالمياً لأدب الطفل والناشئة، في نيسان (أبريل) من كلّ عام، وفي يوم ميلاد أندرسون تحديداً؛ وهنا مناسبة هذه السطور.
وكما هو معروف، يتوجه أدب الأطفال والناشئة إلى قطاعات واسعة من القرّاء، وذلك لأنه لا يقتصر على شرائح عمرية بين 8 و17 سنة (والبعض يرتفع بالعمر إلى 21)، فحسب؛ بل لأنه يجتذب الكبار أيضاً، وضمن نطاق عريض من الاهتمامات والأهواء. وعلى سبيل المثال الأشهر، ولكي يبدأ المرء من الآداب العربية، يُقبل على قراءة «ألف ليلة وليلة» أو «كليلة ودمنة» الفتيان والكهول على حدّ سواء؛ وهي الحال ذاتها بالنسبة إلى أعمال مثل «حكايات إيسوب» و«خرافات لافونتين»، و«أليس في بلاد العجائب» في الآداب الغربية.

الترحيب بأدب الناشئة لا ينفي بالطبع سلسلة الشيفرات والرسائل المبطنة التي تدفع ببعض النماذج نحو تنميطات عنصرية واستشراقية؛ تكرّس تفوّق عرق على آخر، أو تجمّل وجه المشاريع الاستعمارية والاستيطانية

وليس غريباً أنّ جذور هذا الأدب في فرنسا، مثلاً، تعود إلى عام 1697، مع شارل بيرو في كتابه «حكايات الزمن الماضي»، الذي يدين له العالم بأمثولة سندريللا؛ وإلى عام 1710، حين باشرت مدام دولنواي في إصدار «أقاصيص الخرافات». وأمّا في بريطانيا فإنّ مغامرات روبن هود (1450)، وحكايات الملك آرثر (1486) دخلت في مكتبة أدب الناشئة، رغم أنها تروي صراعات بين أنظمة سياسية واجتماعية، أو ملاحم فروسية تخصّ الكبار أساساً.
ولأنّ الخطوط الفاصلة بين أدب الناشئة وأدب الأطفال مرنة تماماً، وهي اليوم تتقلص أكثر فأكثر، فإنّ أعمال أندرسون، والتي تُصنّف عادة في خانة أدب الأطفال، صارت طرازاً خاصاً من الكتابة القصصية؛ منفتحاً ومفتوحاً على الكبار والصغار، ومختلف الأجيال والثقافات. وفي المقابل، يمكن لرواية «الحارس في حقل الشوفان»، للروائي الأمريكي ج. د. سالنجر (نقلها إلى العربية الروائي الأردني الراحل غالب هلسا)، أن تُحتسب في أدب الناشئة، رغم أنها عمل كُتب أصلاً للكبار، وينهض على موضوعات إشكالية مثل الاغتراب والضياع والتمرّد لدى المراهقين، في أمريكا الأربعينيات.
ويحدث أحياناً أن يتوجّه شاعر ببعض قصائده إلى الشبيبة بصفة قصدية (كما في مثال الشاعرة الأمريكية مايا أنجيلو، أو بعض أشعار لورد تنيسون وروبرت براوننغ)؛ إلا أنّ أدب الناشئة يتخذ غالباً شكل الرواية أو القصة القصيرة. وهو يُعنى بالقضايا التي تخصّ حياة الفتيان، والمعضلات والتحديات التي تواجه نشأتهم البدنية والعقلية والنفسية، في عالم يكون واقعياً غالباً (مقابل عوالم الأساطير والسحر وحكايا الجدّات عند الأطفال)؛ حتى حين تجري أحداثه ضمن حبكة الخيال العلمي. ومن المألوف وجود شخصيات منحازة إلى قِيَم كونية عليا مثل الحقّ والخير والجمال والبطولة والتسامح، تنقلب إلى أنماط عليا مثالية يُقتدى بسلوكها؛ في مقابل شخصيات نقيضة، يتوجب خوض الصراع ضدّ شرورها وآثامها.
ومن هنا فإنّ الترجمة ترتدي أهمية قصوى، وبالغة الحيوية، من حيث تواصل الثقافات، ومدّ الجسور بين الأمم، وتقريب القِيَم الإنسانية، وتوحيد ما يصلح منها لأن يكون منهاجاً تربوياً سليماً، وأداة ناجعة في مكافحة ثقافات التمييز والعنصرية والتطرّف. الترحيب بأدب الناشئة لا ينفي بالطبع سلسلة الشيفرات والرسائل المبطنة التي تدفع ببعض النماذج نحو تنميطات عنصرية واستشراقية؛ تكرّس تفوّق عرق على آخر، أو تجمّل وجه المشاريع الاستعمارية والاستيطانية، أو تتغنى بـ»عبء الرجل الأبيض» القديم إياه.
وهذه معطيات تشمل اللغة وصراعاتها، بين الوطني المحلّي والخارجي المهيمن لأسباب سياسية أو اقتصادية أو تكنولوجية؛ وتلاقح، أو تصارع، النصوص الشفاهية في ثقافات الأقوام الأصلية، مقابل الانزياحات القسرية التي يمكن أن تفرضها سرديات أجنبية مهيمنة أو حتى غازية؛ فضلاً عن جدل التاريخ في هذه السيرورات، وما إذا كان التراث الوطني لأقاصيص الأطفال والناشئة، خاصة حكايا الجدّات و«الخرافيات» الشعبية، مطواعاً ومرناً بما يكفي لاستقبال الوافد المسلّح بكثير من معطيات الانتشار والسيطرة…
ليس غريباً والحال هذه، أنّ الفائزين بجوائز أندرسون كانوا في غالبيتهم الساحقة من جنسيات غربية، أوروبية وأمريكية (23 من أصل 33 فائزاً)، وأنّ حصة العوالم الأخرى توزعت هكذا: اليابان 3، البرازيل 2، أستراليا 1، الأرجنتين 1، نيوزيلندا 1، والصين 1. ذلك لأنّ سرديات الأطفال والناشئة حظيت بحصّة غير ضئيلة، لا يتوجب الاستهانة بها، في مشاريع الإمبراطوريات على مدار التاريخ.
-----------
القدس العربي


صبحي حديدي
الاثنين 13 أبريل 2020