يتذرع النظام الإيراني، بكثير من الحجج غير المنطقية، لناحية حرمان الشعوب غير الفارسية من حقوقها الثقافية، أبرزها أن اللغة هي إحدى أهم الأدوات التي تغذي العصب القومي
إضافة إلى ذلك، قدم الأتراك الإيرانيون، على مدى تاريخهم، نخباً ثقافية وعلمية وفنية، وكانوا ضمن الطليعة الفكرية والتحررية في إيران، عدا أنهم كانوا جنود الممالك التي حكمت البلاد، فقد شاركوا في انتفاضة التبغ ضد ناصر الدين شاه قاجار (التركي) وفي الثورة الدستورية (المشروطة)، ووقفوا بكل طاقاتهم وإمكاناتهم إلى جانب محمد مصدق، فترة تأميم النفط في العام 1953، كما انضموا باكرا إلى صفوف الثورة ضد الأسرة البهلوية، وكان لمدينة تبريز، أعرق حواضرهم، فصلا دمويا في شهر حزيران السابق لانتصار الثورة، حين قمعت الشرطة الملكية المظاهرات الشعبية بالرصاص الحي.
كل ما سبق وغيره، يمنح التركي الإيراني، شعوراً بالمظلومية من جهة، وبوعي حقه في الحصول على مناصب متقدمة في الدولة وفي الإدارات من جهة أخرى، وبعيدا عن الفلكلور الذي يستخدمه نظام طهران، ليثبت تسامحه واعترافه بحقوق “الأقليات”، فلا خامنئي ولا موسوي، ولا غيرهما من المسؤولين الذين حصلوا على بركة النظام، بنظر الأتراك الإيرانيين، يمثلون قوميتهم المضطهدة والمهمشة، فخامنئي من مواليد مشهد ولا يتقن التركية وقد ألف كل كتبه باللغة الفارسية، أما موسوي فهو طهراني ولد وعاش في بيئة فارسية، أما إذا كان النظام يطمع لإنصافهم فعليا، فيجب عليه على الأقل، أن يسمح لهم بإدخال لغتهم الأم إلى مناهج التعليم، فهم رغم الوعود المتكررة في هذا الشأن، حالهم كحال كل القوميات والاثنيات الإيرانية، مازالت لغتهم محظورة في مدارسهم وجامعاتهم، ومازالوا محرومين من طباعة الكتب والروايات والشعر باللغة التركية داخل الأراضي الإيرانية.
يشكل الأتراك الإيرانيون أكثرية طاغية في محافظات شمال غرب إيران: آذربيجان الغربية، آذربيجان الشرقية، زنجان، أردبيل وقزوين، وأقلية في مناطق شمال كردستان وخراسان ومركزي وأجزاء من مدن همدان، كيلان، إصفهان، كرج وقم، كما يشكلون في طهران ثاني أكبر تجمع للناطقين بالتركية بعد استانبول وقبل أنقرة.
الحساسية الفارسية من الثقافة التركية، لغة وتراثاً، تشكل بنظر الأتراك الإيرانيين، أحد أكثر التحديات خطراً على وجودهم، فما من قومية يمكنها البقاء على قيد الحياة، ما لم تمتلك ذاكرة جمعية مكتوبة، تحفظ رموزها وقيمها وتنجز منظومتها الاجتماعية المعبرة عنها.
في المقابل، يتذرع النظام الإيراني، بكثير من الحجج غير المنطقية، لناحية حرمان الشعوب غير الفارسية من حقوقها الثقافية، أبرزها أن اللغة هي إحدى أهم الأدوات التي تغذي العصب القومي، وكون كل الشعوب غير الفارسية، ومن بينها التركية، بطبيعة الحال، تسكن مناطق الأطراف، وتشكل مجتمعاتها امتداداً لمجتمعات ودول خارج الحدود، فلربما ينشأ عن ذلك، انسجام وتآلف يضعف السلط المركزية البعيدة، ويفتح الشهية على التقسيم أو الحكم الذاتي، ويهدد بالتالي وحدة إيران.
على صعيد الإنتاج والثروات، من حظ إيران العاثر، أن أكثر ثرواتها الطبيعية أهمية، تتركز في مناطق الأقليات، النفط في المناطق العربية مثلا، السهول والغابات والأنهار في المناطق الكردية، أما في المناطق التركية، فتكمن أهم ثرواتها سحراً، السجاد اليدوي، ففي تبريز وحدها، هناك حوالي 500 ألف حائك تركي، ينتج سنوياً مليوني سجادة عجمية، تدر أرباحاً خيالية على الخزينة الإيرانية.
شعبياً، تنعكس هذه السلبية على العلاقة بين الأتراك والفرس كمواطنين، ويتداول كلاهما الكثير من النكات المؤذية والعبارات التي تسخر من اللغة والشخصية والعادات عند الطرفين، وعلى سبيل المثال، من الرائج بين العامة أنه حين ينتهي الفارسي من تناول طعامه يقول: “خدا رو شُكر، كه نه شدم تُرك”، أي “لله الشكر، أني لست من الترك”، أما التركي فيقول: “خدار رو با سپاس، كه نه شدم پارس”، أي “لله الحمد، أني لست من الفرس”.
------------
درج