ربما تحتاج الخسائر الصناعية الراهنة إلى نوع من التضافر الاجتماعي الجماعي بغية إعادة العمال الذين فقدوا وظائفهم إلى سوق العمل مجدداً ومنع الاقتصاد العالمي من مزيد من التدهور على طريق الكساد. وللسيطرة على ردود الفعل العكسية ضد استخدام الأموال العامة في تحقيق المكاسب الخاصة، من المرجح للعديد من البلدان أن تتبع خطى الكونغرس الأميركي وهيئة الرقابة المصرفية في المملكة المتحدة، اللذين مارسا الضغوط من أجل وقف عمليات إعادة الشراء وتوزيع الأرباح. بيد أن إنقاذ الشركات هذه المرة قد ينطوي على إعادة صياغة القواعد المحاسبية تشجيعاً لتخفيض المديونية، وذلك بهدف تقليص الحاجة إلى خطط الإنقاذ الكبيرة أو الإقلال من تكاليفها قدر الإمكان.
وفي عام 1918، عندما كان خبراء الاقتصاد يقارنون آنذاك بين الانتشار العالمي لضرائب الأرباح المفرطة على دخل الشركات في زمن الحرب والتفشي الفتاك للإنفلونزا الإسبانية، أذعنت الولايات المتحدة وسمحت بخصم كل الفوائد المسددة من الأرباح الخاضعة للضرائب. وكان تدبيراً مؤقتاً حينها لبث حالة من الارتياح لدى الشركات، على الرغم من أن الأعباء الضريبية الإضافية قد تلاشت تماماً بحلول عام 1921، إلا أن المعاملة المفضلة لدخل الفوائد بقيت من دون تغيير، وجرى نسخها لدى كل بلدان العالم.
وانحياز الديون من الحقائق الواقعة. ففي أواخر خمسينات القرن الماضي، أكد العالمان الأكاديميان فرانكو موديلياني وميرتون ميللر، وبصورة مثيرة للجدل، أنه يتعين على الشركات أن تلتزم الحياد إزاء مزيج الديون والأسهم في هيكل رأس المال. وبعد مرور خمس سنوات، أصدر الأستاذان تصحيحاً للموقف الأول، وأقرا بأن دولاراً واحداً من الدين سوف يرفع قيمة الشركة بمقدار 50 سنتاً، وهو نفس معدل الضرائب على الشركات السائد آنذاك. وقامت فكرة اقتطاع الضريبة على مدفوعات الفائدة بجولات متعددة منذ عام 1982 على الأقل، ولكن كيف يمكن للمستثمر الأجنبي أو المستثمر المحلي المُعفى من الضرائب الحصول على الائتمان؟ ولا توجد دولة تريد للمستثمرين الأجانب التهرب من ديون الشركات والاندفاع إلى حيث لا توجد استقطاعات. وكانت الاقتصادات النامية متناقضة فيما يتعلق بهذه الفكرة. إذ تستاء سلطاتها الضريبية كثيراً عندما توفر الشركات متعددة الجنسيات قروضاً لشركاتها المحققة للأرباح، ما يقلل من الدخل الخاضع للضرائب في البلدان الفقيرة.
ومن جهة أخرى، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً من الشركات المحلية في آسيا أو أميركا اللاتينية أو أوروبا الشرقية لاكتشاف أنها يمكنها أيضاً جذب مجموعات كبيرة من المدخرات الغربية عن طريق رفع عوائد المساهمين برافعة مالية أعلى. وساعد في ذلك أن تكاليف الديون كانت معفاة من الضرائب. إلى درجة أن القروض الصادرة عن المصارف المحلية المملوكة للدولة تحولت إلى إيرادات متدفقة للمقرضين إلى الحكومة كضرائب وأرباح.
بعد أزمة عام 2008، بدا صناع السياسات متخوفين من التوسعات الممولة بالديون في المصارف على مدى العقود الثلاثة الماضية. ولكن خلافاً لتحديد مستويات أعلى لرأس المال التنظيمي، لم يتمكن الساسة من فعل الكثير لتحريك الجمود. وكما أشارت شركة ماكينزي وشركاه في عام 2010، فإن استبدال ديون القطاع المالي بالأسهم في 14 دولة فقط كان سيستلزم أكثر من 60 في المائة من رأس المال العالمي الموجود وقتذاك.
ولا عجب في ذلك أن الاقتصاد العالمي يواصل تراكم الديون. ورفعت الصين من قروضها بغية المحافظة على النمو المرتفع في عالم يتسم بالبطء الشديد. ودمرت الهند صناعتها المالية بهدف تحقيق التوسع المشابه للصين. وعلى صعيد العرض، ومع تراجع المصارف أمام الضغوط الرقابية لمزيد من رؤوس الأموال، حل الائتمان الخاص من شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية، وغير ذلك من المؤسسات غير المصرفية، محلها، حيث انتقلت إلى صناعة تقدر بنحو 300 مليار دولار بحلول عام 2018 من واقع 100 مليار دولار فقط في عام 2010.
ولا تعتبر القيمة الإضافية للشركات التي جرى جمعها بالديون الرخيصة من الوجبات المجانية بحال. إذ لاحظت مذكرة من العاملين في صندوق النقد الدولي – صادرة في عام 2011 – أن تكاليف الرفاهية العامة هي أكبر بكثير مما كان مُعتقداً في السابق. وفرض الإصلاح الشامل لقانون الضرائب الأميركية في عام 2017 قيوداً على خصم الفائدة بنسبة 30 في المائة فقط من الأرباح قبل استحقاق الفوائد والضرائب وانخفاض القيمة واستهلاك الدين كمقابل لخفض معدل فوائد الشركات إلى 21 في المائة من واقع 35 في المائة. كما فرضت المملكة المتحدة قيودها المعتبرة كذلك.
لكن بعد ذلك، وصلت جائحة فيروس كورونا. ويعني الحجم الهائل للاضطرابات الاقتصادية وما نجم عنها من خسائر كبيرة في الوظائف أن الحكومات والبنوك المركزية سوف تتدخل وتتعاون. ولقد حدد الإنفاق المالي الياباني الذي يقارب تريليون دولار من زمام الاقتراض الحكومي الضخم في البلاد. ولكن مع افتراض وجود دور اقتصادي أكثر نشاطاً، سوف ترغب الحكومات أيضاً في إثبات أنها لا تدير خطة فضفاضة تسير على غير هدى. ومن شأن عدم السماح بخصم الفوائد إلى توليد مزيد من الموارد، فضلاً عن التماهي مع روح العصر الحاضر بغية مزيد من الرفاهية العامة.
---------------
الشرق الاوسط
وفي عام 1918، عندما كان خبراء الاقتصاد يقارنون آنذاك بين الانتشار العالمي لضرائب الأرباح المفرطة على دخل الشركات في زمن الحرب والتفشي الفتاك للإنفلونزا الإسبانية، أذعنت الولايات المتحدة وسمحت بخصم كل الفوائد المسددة من الأرباح الخاضعة للضرائب. وكان تدبيراً مؤقتاً حينها لبث حالة من الارتياح لدى الشركات، على الرغم من أن الأعباء الضريبية الإضافية قد تلاشت تماماً بحلول عام 1921، إلا أن المعاملة المفضلة لدخل الفوائد بقيت من دون تغيير، وجرى نسخها لدى كل بلدان العالم.
وانحياز الديون من الحقائق الواقعة. ففي أواخر خمسينات القرن الماضي، أكد العالمان الأكاديميان فرانكو موديلياني وميرتون ميللر، وبصورة مثيرة للجدل، أنه يتعين على الشركات أن تلتزم الحياد إزاء مزيج الديون والأسهم في هيكل رأس المال. وبعد مرور خمس سنوات، أصدر الأستاذان تصحيحاً للموقف الأول، وأقرا بأن دولاراً واحداً من الدين سوف يرفع قيمة الشركة بمقدار 50 سنتاً، وهو نفس معدل الضرائب على الشركات السائد آنذاك.
ومن جهة أخرى، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً من الشركات المحلية في آسيا أو أميركا اللاتينية أو أوروبا الشرقية لاكتشاف أنها يمكنها أيضاً جذب مجموعات كبيرة من المدخرات الغربية عن طريق رفع عوائد المساهمين برافعة مالية أعلى. وساعد في ذلك أن تكاليف الديون كانت معفاة من الضرائب. إلى درجة أن القروض الصادرة عن المصارف المحلية المملوكة للدولة تحولت إلى إيرادات متدفقة للمقرضين إلى الحكومة كضرائب وأرباح.
بعد أزمة عام 2008، بدا صناع السياسات متخوفين من التوسعات الممولة بالديون في المصارف على مدى العقود الثلاثة الماضية. ولكن خلافاً لتحديد مستويات أعلى لرأس المال التنظيمي، لم يتمكن الساسة من فعل الكثير لتحريك الجمود. وكما أشارت شركة ماكينزي وشركاه في عام 2010، فإن استبدال ديون القطاع المالي بالأسهم في 14 دولة فقط كان سيستلزم أكثر من 60 في المائة من رأس المال العالمي الموجود وقتذاك.
ولا عجب في ذلك أن الاقتصاد العالمي يواصل تراكم الديون. ورفعت الصين من قروضها بغية المحافظة على النمو المرتفع في عالم يتسم بالبطء الشديد. ودمرت الهند صناعتها المالية بهدف تحقيق التوسع المشابه للصين. وعلى صعيد العرض، ومع تراجع المصارف أمام الضغوط الرقابية لمزيد من رؤوس الأموال، حل الائتمان الخاص من شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية، وغير ذلك من المؤسسات غير المصرفية، محلها، حيث انتقلت إلى صناعة تقدر بنحو 300 مليار دولار بحلول عام 2018 من واقع 100 مليار دولار فقط في عام 2010.
ولا تعتبر القيمة الإضافية للشركات التي جرى جمعها بالديون الرخيصة من الوجبات المجانية بحال. إذ لاحظت مذكرة من العاملين في صندوق النقد الدولي – صادرة في عام 2011 – أن تكاليف الرفاهية العامة هي أكبر بكثير مما كان مُعتقداً في السابق. وفرض الإصلاح الشامل لقانون الضرائب الأميركية في عام 2017 قيوداً على خصم الفائدة بنسبة 30 في المائة فقط من الأرباح قبل استحقاق الفوائد والضرائب وانخفاض القيمة واستهلاك الدين كمقابل لخفض معدل فوائد الشركات إلى 21 في المائة من واقع 35 في المائة. كما فرضت المملكة المتحدة قيودها المعتبرة كذلك.
لكن بعد ذلك، وصلت جائحة فيروس كورونا. ويعني الحجم الهائل للاضطرابات الاقتصادية وما نجم عنها من خسائر كبيرة في الوظائف أن الحكومات والبنوك المركزية سوف تتدخل وتتعاون. ولقد حدد الإنفاق المالي الياباني الذي يقارب تريليون دولار من زمام الاقتراض الحكومي الضخم في البلاد. ولكن مع افتراض وجود دور اقتصادي أكثر نشاطاً، سوف ترغب الحكومات أيضاً في إثبات أنها لا تدير خطة فضفاضة تسير على غير هدى. ومن شأن عدم السماح بخصم الفوائد إلى توليد مزيد من الموارد، فضلاً عن التماهي مع روح العصر الحاضر بغية مزيد من الرفاهية العامة.
---------------
الشرق الاوسط