نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


"مسيحيّة مقاتلة" في سوريا






ظهرت "مسيحيّة مقاتلة" في سوريا خلال حربها الأهلية الدائرة حاليا. واضحٌ أن هذه الظاهرة في غرب سوريا محصورة جغرافيا في القرى المسيحية في منطقة صافيتا وامتدادها إلى وادي النصارى وفي محيط الحي المسيحي في دمشق وفي قرية صيدنايا وبعض محيطها في ريف دمشق وربما مناطق محدودة أخرى وتتركّز بين الروم الأرثوذكس والروم الملكيّين. أما في الشرق في منطقة الجزيرة – القامشلي والحسكة - فالوضع وإن كان يشهد حالاتِ تسلّحٍ مسيحيٍّ إلا أن ظروفه أكثر صعوبة فضلا عن أن الكثافة الديموغرافية هناك هي سريانية وأشورية وبعض الأرمن.


 هذه ظاهرة غير مألوفة في التاريخ السوري المعاصر. وهي لا تقدِّم نفسها بعلنيّةٍ فجّةٍ بسبب محدوديّتِها من جهة وبسبب جِدَّتِها من جهة ثانية. فلبنان هو البلد العربي الوحيد الذي شهد مسيحيّة مقاتلة ذات مواقع تأسيسيّة في النظام اللبناني منذ نشوء كيان "دولة لبنان الكبير" بعد عام 1920 باستثناء تجربة قصيرة ذات نهاية مأساويّة للأشوريّين في العراق خلال الثلاثينات من القرن العشرين. إحدى المفارقات في هذه الظاهرة السوريّة المستجدّة أن "الحزب السوري القومي"، الحزب الخصم تقليديا لـ"حزب الكتائب" اللبناني يجد نفسه ويجدُهُ خصمُه في موقع مماثل: "الكتائب" لعبت سابقا دور الحزب الأساسي لـ"المسيحية المقاتلة" اللبنانية منذ 1958 حتى 1990 أما اليوم فيدور التاريخ دورته ليظهر الحزب السوري القومي، من موقع ولائه للنظام، حزب "المسيحية المقاتلة" السورية.
طبعاً لا يولد هذا الدور من فراغ. فالحزب السوري القومي ذو قواعد متعدّدة طائفيا في سوريا بما فيها بعض السُنّة. لكنْ تقليدياً أيضا انتشر الحزب بين نخب المسيحيين والعلويين والدروز (كالحزبين الشيوعي والبعثي).
من البديهي تذكير أنفسنا أن ضحايا الكارثة السورية هم من كل القوميات والأديان والطوائف... والعنف بدأ على يد النظام لكن لائحة القتلة توسّعت إلى فصائل في المعارضة بعد بضعة أشهر عندما انطلقت "العسكرة" التي حوّلت "الثورة" إلى حرب أهلية وأظهرت، بصورة خاصة بين فضائح التكفيريين، استهانةَ هؤلاء العميقة بالوجود المسيحي في سوريا والمشرق ومصر كما في الواقع بكل من يخالفهم مسلمين وغير مسلمين. ومن الفضائح المتتابعة الراسخة في الذهن خطف المطرانين وراهبات معلولا العشر والأبشع مقتل الأقباط السبعة في شرق ليبيا.
الحالة المسيحية داخل سوريا إشكاليةٌ بدون أدنى شك كجزء من إشكالية وضع المسيحيّين العام في مصر والمشرق بما فيه العراق. والأكيد أن نخب المسيحيين السوريّين منقسمة حول الموقف من النظام وبعضها كما هو معروف يحتل مواقع إعلامية بارزة في معارضة الخارج.
الحالة المسيحية اللبنانية منقسمة بشدة حول الملف السوري. لكنّ أياً من الفرقاء المسيحيين المعنيين لم يطرح الدعوة القتالية إلى "نجدة المسيحيين في سوريا" بل جميعهم متّفقون على النأي العسكري بالنفس خلافا لفرقاء الشيعة والسُنّة اللبنانيين المنخرطين في الحرب السورية منذ لحظتها الأولى بأشكال مختلفة وبالتعاون الوثيق مع مخابرات إقليمية. الذي فعله ويفعله مسيحيّو لبنان هو توظيف شبكة خدماتهم الفعّالة في مناطقهم اللبنانية لمساعدة اللاجئين المسيحيين السوريين الآتين من طبقات ومناطق مختلفة... وبهدوء مختلف عن الضجيج المحيط بلاجئي المناطق اللبنانية الأخرى. وهذا فارق مفهوم نتيجة الأحجام العددية هنا وهناك وحجم الضغط الاجتماعي المتولِّد عنها.
كان على المعارضة المدنية السورية في الداخل والخارج الحاملة لمشروع نظام ديموقراطي – وهو المشروع الذي أجهضتهُ "العسكرة" - أن تعطي اهتماما بل اعترافا أكبر بموضوع معضلة مسيحيّي سوريا ضمن الكارثة السورية والمشرقية العامة وأن تعثر على خطابٍ فاعلٍ وردعيٍّ في آنٍ معاً لاسيما بعد أن حسمت المؤسّسات الكنسيّة السورية موقفها "الوجودي" وراء الفاتيكان والكنيسة الروسية مما جعل الوضع أكثر تعقيداً. لكن هذه الكنائس لم تتورّط بدعم العمل العسكري وكان اتجاهها متحفِّظا جدا بل رافضا في العديد من الأمكنة التي طُرِح فيها الموضوع.
لا شك أن تصدّرَ الحركات الإسلامية، بما فيها المعتدلة منها، لهذه الموجات الديموقراطية وما أدّى إليه ذلك التصدُّرُ من طمسٍ فعليٍّ لدور الفئات الشبابيّة من الطبقات المدينية في إطلاق وتفعيل هذه الموجات كحركات غير عنفية في الأساس، كانا وراء تفاقم المعضلة المسيحية في مصر والمشرق. ساهم ذلك في تعزيز المخاوف من أن تصبح "الديموقراطية" العربية بلا مسيحيّين، فكيف وقد أصبحت الحركات المتشدِّدة هي السائدة وبعضها على صلة مشبوهة بأجهزة مخابرات دولية وإقليمية... ولنلاحظ كيف بدأت إسرائيل تصطاد في الماء العكر مع مسيحيّي فلسطين 1948 من خلال بعض الإجراءات التي تهدف إلى فصلهم كجماعة عن الفلسطينيين المسلمين رغم تجذّر الاندماج المسيحي، جمهورا ونخبة في النضال الوطني الفلسطيني. لكن تجديد تسليط الضوء الإسرائيلي على هذه المسألة مرتبط حتما بالجو الجديد التفكّكي الحرب أهلوي في المنطقة.
إحدى أكبر النتائج المثيرة منذ بدأت موجات "الربيع العربي" هي أن الجواب العلماني الأكثر علمانيّةً الذي أنتجته هذه الموجات جاء من بلدٍ لا وجود فيه لأي مجموعة محلية مسيحية، وهو تونس، مع إقرار "حرية الضمير" في الدستور التونسي الجديد وهو نصٌ لا وجود لمثله في أي دستور عربي "ربيعي" أو قديم. فهو يتخطّى حرية العبادة للأفراد والجماعات ليضمن حرية تغيير العقيدة
------------
النهار

جهاد الزين
السبت 8 مارس 2014