نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


من نيوزيلندا إلى الجولان





ما الذي يربط بين الهجوم الإرهابي على مسجدي نيوزيلندا وتنامي "الإرهاب الأبيض" وبين قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، من طرف واحد، وبين تنامي ردود الفعل الغاضبة في العالمين العربي والإسلامي على الحدثين؟ بالنسبة لمن يؤمنون بـ"نظرية المؤامرة"، فإن الإرهاب الذي ضرب نيوزيلندا هو نتيجة تنامي الفكر اليميني المتطرّف الذي بات الرئيس الأميركي اليوم يمثله في العالم. وبالتالي، فإن فعل اغتصاب الأرض، أو مساندة مغتصبها، لا يقل بشاعة عن قتل أبرياء في واضحة النهار، فقط لأن لون بشرتهم أو دينهم يختلف مع ما تؤمن به من أفكار عنصرية مقيتة.


 
لكن هل نكون بذلك قد أجبنا عن السؤال؟ حتى الآن، قد لا تبدو أية علاقة واضحة بين فعل إرهابي نيوزيلندا وقرار ترامب، اللهم إلا إذا أردنا أن نعتبر أن قرار الرئيس الأميركي إنما جاء ليشغل انتباه الرأي العام، وخصوصا في العالمين العربي والإسلامي، حتى لا يظل مركزا على مجزرة كرايست تشيرش البشعة وتداعياتها. وهذا ما يفسّر فجائية هذا القرار وغرابته، وهو الذي لم يكن منتظرا، لأنه يخالف القانون الدولي، ولا يمكن تفسيره سوى بغطرسة ترامب وجهله بالقانون والتاريخ والمبادئ التي قام ويقوم عليها الأمن والسلم العالميان، فكيف لرئيس دولة أن يبرّر احتلال دولة أخرى أرضا ليست أرضها، بل ويقرّر أن يعترف لها باحتلالها، 
وأن يمنح ما لا يملك هو لمن لا يستحق، أي للمحتل؟!
لكن، لو عدنا إلى أصل الفكر الذي برّر به إرهابي نيوزيلندا دوافع ارتكاب جريمته، سنجد الخيط الرابط بين فعله وقرار ترامب الذي يأتي في لحظةٍ جد محتقنة، لتغذية مشاعر الغضب والإحساس بالظلم في منطقةٍ عانت، وما زالت تعاني، منه. في الوثيقة التي نشرها مجرم نيوزيلندا، دقائق قبل إقدامه على فعله البشع، يقدم نفسه صاحب فكر متطرّف يؤصل للعداء مع الإسلام تاريخياً، ويتذكر معاركه كافة في الغرب، ويتعهّد بالانتقام للهزائم التاريخية التي انهزم فيها الأوروبيون أمام الجيوش الإسلامية، ويعتبر أن الهجرة الحالية إلى أوروبا ليست سوى غزوة جديدة تهدّد وجودها، وتسعى إلى استبدال العرق الأبيض بأعراق أخرى غيره. وقد كان هذا الفكر العدائي ضد الإسلام والمسلمين موجوداً في أوروبا منذ عهد الحروب الصليبية، وكان يُعتقد أنه أصبح جزءا من التاريخ المنسي، إلى أن جاءت الحركات اليمينية المتطرّفة في أوروبا المعارضة للهجرة، لتنفخ في رماده من جديد.
وعلى الجانب الآخر، ساهمت عوامل تاريخية وسياسية وثقافية مختلفة في تأجيج المشاعر المعادية للغرب الذي احتل جزءا كبيرا من العالمين العربي والإسلامي. ولكن فيما زالت جميع أنواع الاحتلال أو خفت، بقي احتلالٌ واحدٌ ينغص قيام مصالحة تاريخية بين العالمين العربي والإسلامي من جهة وبين الغرب المحتل والغاصب من جهة أخرى، وهو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وهو ليس فقط احتلالا قام على الظلم باحتلال أرض الآخر، وطرده منها، وإنما هو احتلال صاحب إيديولوجية عنصرية متطرّفة، تمتح فكرها من أصول دينية يهودية متزمتة، تسعى إلى تديين الصراع حول الأرض، وتحويله إلى حلقة مفرغة من التشنّجات الحضارية والسياسية، لتغذية الأصوليات الدينية الأخرى، العنصرية والمتطرّفة.
ولن نأتي بجديد إذا ما قلنا إن أدلجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والإسرائيلي العربي، من الجانبين، واستدعاء الهويات الدينية والأحداث التاريخية القديمة، هو الذي أدى إلى توسيع دائرته، ليتحول إلى صراع إيديولوجي حضاري قيمي بين الغرب والإسلام، فالصراع الحضاري الحالي بين الغرب والإسلام يجد له، من بين عدة أسباب أججته، القضية الفلسطينية، وفي جوهرها الظلم التاريخي الذي تعرّض، وما زال يتعرض له الفلسطيني، من الاحتلال. وقد ظل هذا الظلم يشكل القاعدة الأساسية التي تؤجج المشاعر ضد من يدعم هذا الظلم أو يبرّره. ومهما كان قاسيا، فإنه لا يمكن أن يبرّر أي فعل إرهابي، فالإرهاب يبقى فعلا مقيتا لا مبرر له، وإنما يجب معالجة المشكل من جذوره، حتى لا يظل خزانا لتغذية مشاعر الغضب والغضب المضاد من الجانبين.
من هنا، لن يزيد قرار ترامب أخيرا الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وقبل ذلك 
اعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، سوى في تأجيج مشاعر الغضب في العالمين العربي والإسلامي، ضد كل من يسعى إلى تأبيد هذا الظلم التاريخي، وينكأ جراحه القديمة. وفي هذا، تلتقي إيديولوجية ترامب الخرقاء مع الأفكار المتطرّفة من الجانبين التي تريد تديين الصراع، وتحويله إلى صراع وجود بين العرب واليهود.
ولا غرو أن جزءا كبيرا من ظاهرة التطرّف، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب، ما هو سوى نتاج لهذا الصراع الذي يستدعي مفاهيم الأصوليات الدينية المتطرفة، وينفخ فيها لتتمدّد وتنتشر، حتى وصلت رياحها العاتية إلى نيوزيلندا. وقد جاء قرار ترامب ليغذي أصحاب هذا الفكر، لأنه، من ناحيةٍ، يكرس الظلم التاريخي الذي يشعر به العرب والمسلمون. ومن الناحية الأخرى، يعطي دفعة كبيرة للفكر المتطرف العنصري الذي يؤمن بتفوق العرق الأبيض، وبحقه في اغتصاب أرض الآخر واحتلالها.
حان الوقت للعودة إلى أصل المشكل، والتركيز على الحقوق التاريخية والإنسانية للشعب الفلسطيني، مع مراعاة المصالح الموضوعية للأطراف الأخرى، للوصول إلى تسوية عادلة، تضع حدا لهذا الظلم التاريخي الذي أنتج، وما زال ينتج، أفعالا وردود فعل يبرّر بها المتطرّفون جرائمهم في كل زمان ومكان.
------------
العربي الجديد

علي أنوزلا
الاربعاء 27 مارس 2019