نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان


أزمة اللاجئين في أوروبا والرؤية التركية





لأكثر من سنتين والحكومة التركية تتحدث عن ضرورة إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا على الحدود التركية السورية، وجنوبها على الحدود الأردنية السورية، وغيرها، وقد كانت وجهة النظر التركية واضحة بأن المنطقة الآمنة وليست العازلة هي منطقة آمنة لحماية الشعب السوري وليس حماية الثورة السورية، ومن باب اولى ليست منطقة آمنة للدولة التركية، فتركيا لا تخشى عنف النظام السوري على نفسها، لأن عندها القدرة الذاتية لردعه لو اعتدى على تركيا، وإنما تخشى عنف النظام الدكتاتوري والطائفي على الشعب السوري، وبالأخص في الأماكن التي يتوجه إليها الفارين من بطش النظام، سواء إلى تركيا أو الأردن أو لبنان أو غيرها.


 

لكن الموقف الأمريكي رفض الموافقة على الرؤية التركية بحجة الكلفة اللوجستية والعسكرية، وهذه الحجة صحيحة في الاستراتيجية الأمريكية، فطالما لا يوجد مصالح اقتصادية لأمركيا في إسقاط النظام السوري، بل كانت مصالحها الاقتصادية هي في بقاء النظام السوري حتى هذه اللحظة، فإن امريكا لن تعمل على إسقاطه ولا حصاره ولا فرض حظر جوي عليه، كما فعلت بصدام حسين في تسعينات القرن الماضي، فعندما كانت المصالح الأمريكية الاقتصادية في إسقاط النظام العراقي في عهد صدام حسين فرضت أمريكا منطقة حظر طيران على شمال العراق وجنوبه لسنوات عديدة، وذلك في خطة مدروسة لإسقاطه بالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، بينما امريكا الآن لا خطة لديها لاحتلال سوريا، طالما ان شريكها في احتلال العراق وهي الجمهورية الإيرانية تكفلت بحماية المصالح والأمن الأمريكي في سوريا، دون أن ترسل أمريكا جنديا واحدا إلى سوريا، أو يقتل على أراضيها كما فعلت في العراق بقتل جنودها وتدمير قواتها وسمعتها االعسكرية والسياسية.

بينما لو كان الهدف الأمريكي من المنطقة الآمنة هو الهدف التركي وهو الأسباب الإنسانية وحماية المواطنين المدنيين من بطش النظام وبراميله المتفجرة وغازاته االكيماوية السامة، لتغيرت السياسة الأمريكية، فلو كانت امريكا تريد حماية الشعب السوري لوافقت على المنطقة الآمنة، ولكن المساعدات الإنسانية ليست اولوية في الاستراتيجية الأمريكية، بل ليست استراتيجية لحلف الناتو ولا الدول الأوروبية أيضاً، وحيث لم يجد الشعب السوري منطقة آمنة يلجأ إليها فقد اضطر إلى ركوب مخاطر البحر والهلاك في البحار هربا من مجازر بشار الأسد ومذابح الدول الداعمة لجرائمه ضد الإنسانية مثل إيران وروسيا.

ومن ينجو من غرق البحر او الموت في شاحنات التهريب التي تنقلهم إلى الدول الأوروبية مثل علب السردين، كما حصل لأكثر من سبعين مهاجر على الحدود المجرية النمساوية قبل أيام، فإنه يبقى عالقاً في المناطق الحدودية بين الدول الأوربية وهو ينتظر السماح له بدخول البلاد الأوربية كلاجىء إنساني أو سياسي، فعشرات الألوف الان عالقون بين الحدود النمساوية والألمانية، مما اجرح المستشارة الألمانية ميركل، فوجد المهاجرون بهذه الطرق أشد انواع االمعانات والألم والمرض والتحاف الارصفة والشوارع دون أن يجدوا مساعدة من دول حقوق الإنسان الأولى في العالم بحسب زعمهم، بل خرجت أنجيلا مركل المستشارة الألمانية لتندب حظ هؤلاء اللاجئين في تخلي أوربا عن أخلاقها في إيواء المظلوم ونصرة الملهوف وإطعام الجائع أولاً، وخرجت عن أدبها السياسي فقالت إن قبلة المسلمين أولى بهؤلاء اللاجئين من الدول الأوربية، طالما أنهم عرب ومسلمون، فلماذا لا تقوم البلاد والدول الاسلامية بتأمين حماية هؤلاء اللاجئين وإيوائهم؟

وهكذا لم تتحرك مشاعر الأوروبيين لملايين السوريين وهم يقتلون في بلادهم، ولم تتحرك مشاعرهم وهم يلجؤون إلى دول الجوار في تركيا والأردن ولبنان حتى ضجت بهم المخيمات وقدرات تلك الدول الاغاثية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولم تتحرك مشاعر الأوروبيين وهي ترى قوارب الموت تبلع اللاجئين السوريين في البحر الأبيض المتوسط بعشرات الألوف خلال السنوات والأشهر الماضية واللاحقة، حتى أن ديفد ميليباند -وزير الخارجية البريطاني السابق والرئيس الحالي للجنة الإنقاذ الدولية- قد اعترف بضخامة الكارثة فقال:" إن الكارثة في سوريا بلغت أبعاداً تكاد تكون فلكية"، فتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان تشير إلى أن ما يقرب من 250 ألف شخص قتلوا، أي ربع مليون مواطن بمن في ذلك مئة ألف مدني، وكثير منهم قتلوا بأساليب مروعة بواسطة حكومتهم على مدى السنوات الأربع الماضية، ومع ذلك لم يتحرك المجتمع الدولي لإقامة منطقة آمنة واحدة للشعب السوري داخل بلاده، وهي اقل كلفة من مخيمات اللجوء في الخارج، وأقل كلفة مالية من إيوائهم في مخيمات أو معتقلات اللجوء في اوروبا.

فماذا كانت تنتظر الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليصدرا قراراً بفرض المناطق الآمنة على الحدود السورية الدولية مع دول الجوار ، وتقديرات الأمم المتحدة نفسها تشير إلى أن ما يزيد على نصف مواطني سوريا الذين يبلغ عددهم 22 مليون نسمة تركوا ديارهم، وهي أرقام لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فضلاً عما تسببه موجات النزوح من أمراض وضياع للاجئين وأبنائهم الذين يفقدون حقهم في الصحة والتعليم والعيش الكريم والسليم، وهي حقوق طبيعية لكل أطفال العالم، بينما لا يزال جنرالات الحرب الأمريكية وقادة البنتاغون يدرسون ضرورة المنطقة الآمنة في استراتيجيتهم العسكرية، وليس في استراتيجيتهم الإنسانية، بينما أضطرت الحكومة التركية والمؤسسة العسكرية التركية إلى المقايضة في المصالح العسكرية لأسباب إنسانية تحمي الشعب السوري من القتل والنزوج والتشرد والموت في البحر أو في الشاحنات أو على معابر الحدود الدولية.

لقد ربطت الحكومة التركية استخدام أمريكا لقواعدها العسكرية التركية من قبل قوات التحالف الدولي وأمريكا تحديداً بموافقة أمريكا على منطقة آمنة، مهما كان حجمها، فالمهم أن يكون هناك منطقة آمنة يلجأ إليها الشعب السوري هرباً من القتل ومن البراميل المتفجرة والغازات السامة، وهكذا تأخرت امريكا والمجتمع الدولي أربع سنوات لإقامة المنطقة الآمنة بحسب االرؤية التركية.

وغير مستبعد أن ضغوط اللاجئين السوريين على سواحل دول المتوسط وجنوب أوروبا كانت أحد الأسباب للموافقة الأمريكية على منطقة آمنة، فتركيا استعملت لغة المصالح لتفرض على أمريكا ما امتنعت عنه، فوقعت الحكومة التركية في الرابع والعشرين من شهر آب/ اغسطس ضوابط استخدام امريكا لقاعدة أنجيرليك بالموافقة الأمريكية على منطقة آمنة، سوف تتبين تفاصليها في الأيام والأشهر القادمة، وهذا تزامن مع وصول نحو 150 ألف مهاجر إلى سواحل أوروبا، عن طريق البحر هذا العام منذ بداية يوليو/تموز، وهو ضعف الرقم خلال نفس الفترة من عام 2014، بالرغم من غرق الكثيرين منهم، وهذا يشكل خطرا على الدول الأوروبية لم تحتمله مما جعل بعض الدول الأوروبية مثل المجر تبني جداراً على حدودها مع صربيا لإبقاء اللاجئين خارج حدوها، مما فاقم الأزمة الإنسانية داخل أوروبا الممتلئة بالحقوق الإنسانية الزائفة.

لقد وضعت أزمة اللاجئين السوريين والمسلمين أوروبا أمام تغيير في مفاهيم الحقوق الإنسانية واللجوء إليها، وتحديداً إذا كان القادمون من البلاد العربية والاسلامية، حيث أن كل اللاجئين بحسب تصريح المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة هم من العرب والمسلمين، فمن الذين وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي 34% من 137 ألف شخص هم من السوريين، وهؤلاء وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي في الفترة من الأول من يناير/كانون الثاني إلى التاسع والعشرين من يونيو/حزيران، و12% من أفغانستان، و12% من إريتريا، و5% من الصومال، و 3%من العراق، فهذه النسب تثبت أن السوريين هم النسبة الأعلى عالمياً في النزوح من بلادهم واللجوء إلى أوروبا، طلباً للأمن والنجاة من القتل والموت، وأن النسبة الأعلى للاجئين في العالم هم من المسلمين.

فهل تدرك أوروبا وأمريكا خطر اتفاقها مع الإيرانيين على احتلال سوريا بأنه سوف ينقل لها المشكلات والأزمات إلى بلادها وحدودها، طالما هي لم تعمل على حلها داخل سوريا ولا في حدودها الدولية مع دول الجوار، فأمريكا لم تستخدم الاتفاق النووي مع ايران الذي وقعته في 14 حزيران/ يونيو 2015 لوقف تدهور الوضع في سوريا ولا في حماية الشعب السوري، وإنما وفر مزيداً من الدعم لكتائب بشار الأسد ودعم المليشيات الطائفية التابعة لإيران والتي تقاتل الشعب السوري، وتضطره إلى الفرار إلى أوروبا خوفاً من حرب طائفية مهلكة تقودها إيران، فأمريكا وللأسف تعطي الأولوية لمصالحها الاقتصادية واستراتيجيتها العسكرية وهيمنتها الدولية على الأولويات الإنسانية، وحتى عندما تحركت بجدية لمعاقبة الأسد على استخدام أسلحة كيماوية اكتفت بتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية، ولم تعاقبه على استخدام بدائلها الكيماوية من الغازات السامة مثل غاز الكلور والبراميل المتفجرة.

لقد كان أمام أمريكا وأوروبا فرصة كبيرة لمعالجة أزمات الشعب السوري قبل أن تصل إلى حدود أوروبا وداخلها، فالحل إن لم يكن بمعاقبة النظام السياسي الذي يقتل شعبه للبقاء في السلطة، فلا أقل من حماية الشعب داخل بلاده وداخل جدود دولته، بإقامة المناطق الآمنة التي يلجأ إليها الشعب هرباً من القتل والموت، فهذه الطريقة على ما فيها من مساعدات إنسانية للشعب فإنها طريقة صحيحة وفاعلة لإسقاط النظام الفاسد، الذي لا يستطيع حماية شعبه ولا أراضيه.

*باحث وكاتب تركي

 


محمد زاهد جول
الثلاثاء 8 سبتمبر 2015