نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان


الفيدرالية، وسوريا المستقبل مرة أخرى؟




حتى لا ينخدع الكثير من مؤيدي الفيدرالية أو رافضيها، ويحملونها ما لا تحتمل ، لابد من إلقاء المزيد من الضوء على الفيدرالية والتوسع قليلا في شرح هذا المصطلح وتبيان الفرق بين الفيدرالية كشكل من أشكال إدارة الدولة الواحدة والكونفيدرالية والتي تعني اتحاداً طوعياً بين مجموعة من الدول المستقلة التي تملك حق البقاء ضمن هذا الإتحاد أو الخروج منه متى شاءت


 

 من المهم توضيح الفروق بين الفيدرالية كشكل من أشكال إدارة دولة موحدة  كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والنمسا وماليزيا والإمارات العربية المتحدة  والإتحاد الكونفيدرالي الذي يجمع دولاً مستقلة : 

١- – في الكونفيدراليات لكل واحدة من الدول سياستها الخارجية وتمثيلها الديبلوماسي المستقل ، أما في الدول الفيدرالية فإن التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية هي من حق الحكومة المركزية.

٢- الأعضاء في الإتحاد الكونفيدرالي لهم حق إعلان الحرب بينما لا يحق لأقاليم الدولة الفيدرالية إعلان الحرب أو تشكيل جيوش خاصة بها لأن السياسات الدفاعية والجيش هي من مهمة الحكومة المركزية حصراً. 

٣- في حال حصول حرب أو قتال بين أعضاء الإتحاد الكونفيدرالي ،  الحرب تعتبر حرباً دولية ، بينما أي حرب أو قتال بين أقاليم أو وحدات الدولة الفيدرالية فإنها تعتبر شأناً داخلياً لا يحق للأمم المتحدة التدخل فيها إلا بإذن الحكومة المركزية التي تعتبر المسؤول الوحيد عن معالجته أو عندما تهدد هذه الحرب الأمن العالمي. 

٤-أي خرق للقانون الدولي في الدولة الفيدرالية من قبل اي اقليم من أقاليمها  تتحمل الحكومة المركزية مسؤوليته ، أما في الكونفيدرالية فإن المسؤولية تتحملها الدولة العضوة في الإتحاد الكونفيدرالي. 

٥-في الكونفيدراليات ( الاتحاد الاوربي) تشرف على الإتحاد هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء ، بينما تعتبر شؤون الدولة الفيدرالية العامة من مهام الحكومة المركزية. 

٦- وهذا هو الأهم : يحق لكل دولة عضو في الإتحاد الكونفيدرالي الإنسحاب من الإتحاد متى شاءت ، لكن ذلك ليس من حق أقاليم الدولة الفيدرالية لأنهم يعتبرون جزءاً لا يتجزء من الدولة الفيدرالية والتي يتطلب أي تغيير في شكل الدولة استفتاءً لكل سكان الدولة. 

٧- مواطنو الدولة العضو في الإتحاد الكونفيدرالي يتمتعون بجنسية الدولة العضو ، وليس هناك جنسية موحدة للكونفيدراليات ، بينما لجميع مواطنين الدولة الفيدرالية جنسية وجواز سفر واحد هي جنسية الدولة الفيدرالية وجواز سفرها. 

٨- في الاتحاد الكونفيدرالي ،يتعدد رؤساء الدول بتعدد الأعضاء ، بينما للدولة الفيدرالية رئيس واحد يمثل جميع أقاليمها وينتخب من جميع مواطنيها أو ممثليهم في البرلمان المركزي للدولة.

إذاً ومن خلال هذه المقارنة المبسطة بين مفهومي الفيدرالية كطريقة لإدارة الدولة الواحدة والكونفيدرالية كإتحاد يجمع دول مستقلة ذات سيادة تتفق على  إجراءات  محددة للتقارب فيما بينها يمكن تطويرها حتى الوصول الى الفيدرالية،  نستنتج أن هناك خلطاً واضحاً لدى الكثيرين بين  المفهومين فهناك من يريد الفيدرالية في سوريا كخطوة أولى نحو البحث عن نوع من الاستقلال عن الدولة الحالية وهذا غير متاح في الفيدراليات لأنه من حق الحكومة المركزية قمع اية محاولات انفصالية غير متفق عليها،  لكن الفيدرالية تعطي الحق للمجتمعات المحلية في إدارة مواردها الضريبية والتعبير عن ثقافاتها المحلية وخصوصياتها القومية( اللغة، التعليم  ، الموروث التاريخي) وإدارة نظامها الصحي والبيئي بشكل أكثر استقلالية عما يجري في الدول المركزية أو الشوفينية . 

  إقليم كردستان العراق ليس مثالاً يحتذى كإقليم في دولة فيدرالية فقيادته ذهبت بعيداًجداً  في الإجراءات الأحادية الجانب ، وهي تتصرف كدولة عضو في كونفيدرالية وليس كإقليم في دولة فيدرالية،  ففي الفيدراليات قد يكون هناك  شرطة محلية( شرطة بلدية خاصة بالحكم المحلي إضافة للشرطة الفيدرالية التابعة للحكومة المركزية)  ، لكن بالتأكيد لا يمكن السماح بوجود قوات مسلحة مستقلة خاصة بالإقليم  ، بينما نجد ان قوات الاقليم الكردي شمال العراق تشكل جيشا مستقلاً يتحالف مع قوى خارجية حتى دون رضى الحكومة المركزية ( البشمركة) كما لا تسمح الدولة الفيدرالية بوجود بوابات عبور بين أقاليم الدولة ، كما لا يمكن للأقاليم أن يكون لها سياسة خارجية مستقلة وعلاقات خاصة مع دول أخرى خارج مؤسسات الدولة المركزية ( الأمر الذي لا يمكن ان يستمر في العراق في حال استعادة الحكومة المركزية لعافيتها ،  وهو ما سيؤدي حتماً الى التصادم العسكري  أو الإنفصال)  . 

أيضاً لا يمكن أن تكون الثروات الطبيعية للدولة في جميع أقاليمها خارج سيطرة الدولة المركزية وإداراتها،  مع حق الأقاليم في إدارة مواردها الذاتية من عائدات الضرائب الخاصة بالاقاليم والمنصوص عليها بقانون تصادق عليه البرلمانات المحلية ( الإدارة المحلية أو اللامركزية الإدارية) . 

وهناك من يرفض الفيدرالية  ظناً منه انها خطوة أولى نجو شرذمة وتقسيم الدولة الواحدة مما قد يستتبعه ذلك من حروب ونزاعات بين أبناء الدولة الواحدة والدخول في حروب أهلية لا تنتهي ، أو يرفضها نتيجة قناعات قومية شوفينية ترفض الإعتراف بالتنوع القومي والديني والثقافي  داخل الدولة الواحدة  وترفض تمكين السكان على اختلاف انتماءاتهم من إدارة مواردهم باستقلالية أكبر والتعبير عن انتماءاتهم القومية أو الدينية ضمن احترام وحدة الدولة وتنوعها الديني والقومي،  وهو رفض ايديولوجي ناتج عن الايديولوجيات الأحادية المركزية سواءً القومية منها او الدينية.  

هناك حقيقة لابد من أن تكون واضحة لدى الجميع،  الدولة الفيدرالية هي آلية لإدارة شؤون المجتمعات ضمن الدولة الواحدة، ولا يشترط وجودها وجود  تنوع ديني أو عرقي داخل هذه المجتمعات ، فجميع سكان ألمانيا من القومية الألمانية وغالبيتهم الساحقة مسيحيين كاثوليك، وكذلك النمساويين والكنديين والاستراليين جميعهم تقريبا من نفس الدين والإثنية ، لكنهم اختاروا الدولة الفيدرالية كوسيلة أفضل لإدارة دولهم وتحفيز نمو مجتمعاتهم وارتقائها.

بالنسبة لسورية وكما ذكرت في مقال سابق، يجب عدم رفض الفكرة أو قبولها على أُسس عاطفية او قومية أو طائفية، أو تحميلها  مالا تحتمل، ولا بد من دراسة مستفيضة لشكل الدولة السورية القادمة ووضع خيارات متعددة أمام السوريين وتوضيحها لإقناعهم بالتصويت لأحدها، لأن محاولات البعض لفرض أي خيار بالقوة سيعني حروب محلية ودولة فاشلة ستجعل حياة جميع السوريين مريرة وستضع الكثير من العراقيل أمام مستقبل آمن ومثمر لأجيالهم القادمة.
-----------------------------------

 كلنا شركاء

د. وليد البني
الاربعاء 9 مارس 2016