نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


أساطير قديمة






اختار ايزايا برلين «ضلع الإنسانية الأعوج» عنواناً لمحاضرة نالت شهرةً عريضة. ثم استعمله عنواناً لكتاب اشتهر هو الآخر. ويقول برلين إنَّه أراد الإشارة إلى استحالة الكمال الذي طالما تغنَّى به قدامى الفلاسفة وأهل الأديان. فهل يبلغ الكمال من طبعه العوج؟


  ممَّا يثير الدهشة أنه كلَّما تقدم البشر، واتَّسعت معارفهم وتحسَّنت معايشهم، قلَّت حماستُهم لبلوغ الكمال، سواء على المستوى الفردي أم المستوى الجمعي. لم يعد أحدٌ في وقتنا الحاضر يكتب عن العالم المثالي، على النحو الذي اقترحه أفلاطون في «الجمهورية» وأبو نصر الفارابي (874 - 950) في «آراء أهل المدينة الفاضلة»، أو توماس مور (1478 - 1535) المفكر الإنجليزي الذي ينسب إليه ابتكار مصطلح «يوتوبيا» أو المدينة الفاضلة، وهي عنوان الكتاب الذي بشَّر بالفكرة.
على العكس من ذلك، فإنَّ كتاب «ضلع الإنسانية الأعوج» الذي افتتحنا به المقال، ضمَّ فصلين في نقد هذه الفكرة، حمل الأول عنوان «انحسار الأفكار الطوباوية في الغرب»، والثاني «تمجيد الإرادة الرومانسية: الثورة ضد خرافة العالم المثالي». وعلى المنوال نفسه، خصَّصَ الفيلسوف كارل بوبر جزءاً كبيراً من كتابه الشهير «المجتمع المفتوح وأعداؤه» لنقد اليوتوبيا، لا سيَّما رؤية أفلاطون المثالية.
 
نستطيع القول إذن إنَّ البشر يزدادون تواضعاً كلَّما ازدادوا معرفة بالكون وقدرةً على استثمار الطبيعة. فقد تحدَّثوا كثيراً في الماضي عن «حلم المدينة الفاضلة» التي يتحرَّر الإنسان فيها من الحاجة، ويتحرَّر المجتمع من الخوف والجهل. أما اليوم فهم يرونها فكرة مستحيلة، بل ربما تنقض أصل العدالة.
يبدو أنَّ ميلَ البشر إلى افتراض إمكانية الكمال مرتبط بعقيدة قديمة جداً، ولعلَّها من أوائل قضايا الفلسفة، وتتلخَّص في فرضية أنَّ كل سؤال صحيح/ حقيقي، له جواب صحيح واحد. فإذا تعددت الجوابات كان أحدها باطلاً. وظهرت هذه الفكرة في مختلف العقائد. واشتهرت عند دارسي العلوم الدينية مقولة إنَّ الحقَ واحد، ولا يمكن أنْ يكونَ متعدداً. وتوسع بعضهم في استعمال المقولة، فاعتبر رأيه مطابقاً للحق الواحد، وأنَّ كلَّ رأي عداه باطل.
والواضح أنَّ غالبية الأمم ومفكريها، في الماضي والحاضر، يتبنُّون هذه الفكرة الأحادية أو نسخة منها. الذين يقولون إنَّ الليبرالية هي نهاية التاريخ والحل الحاسم لـ«كل» مشكلات العالم، مثل الذين سبقوهم إلى القول إنَّ الدين، أيَّ دين، هو الحل الوحيد لـ«كل» مشكلات البشر، ومثل نظرائهم الذين قالوا بالحتمية التاريخية لانتصار الطبقة العاملة وقيام مجتمع المساواة الشيوعي.
ما يتبنَّاه أيُّ واحدٍ فينا هو فهمه الخاص، الذي ربَّما توصل إليه من خلال الدراسة والبحث، أو استقاه من البيئة الاجتماعية. وهو قد يكون حقاً بدرجة 90 في المائة أو 60 في المائة أو 20 في المائة. لا يوجد دين أو مذهب أو آيديولوجيا دنيوية، تخلو من كل خير أو تقدم إجابات خاطئة عن كل سؤال. هناك على الدوام قيمٌ ومفاهيمُ نعتبرها صحيحة مطلقاً، لأنَّها نتيجة متكررة لتجارب البشر خلال تاريخ طويل، وهي تشكّل ما يسميه الأصوليون «عرف العقلاء»، وأستطيع تقريبه إلى مفهوم العرف العام common sense الرائج في الغرب. وكلا المفهومين محل احترام عند الجميع، ففيهما زبدة الخبرة التاريخية للإنسان. وهذه المفاهيم والقيم مبثوثة في كل المعتقدات، ولا يخلو منها أي معتقد سماوي أو أرضي على الإطلاق. ولهذا يمكن أنْ تمثل معياراً مشتركاً حين يختلف الناس.
هذه لمحة عاجلة عن مبدأ تعددية القيم. وسنعود لتفصيل الفكرة في مقبل الأيام.  
-----------
الشرق الاوسط

توفيق السيف
الخميس 1 أكتوبر 2020