ولم يتمكّن بيدرسون نفسه من تحقيق أي اختراق، مثل وقف هجمات النظام والروس على مناطق المعارضة في إدلب، أو إطلاق سراح المعتقلين لدى نظام الأسد. وهي خطواتٌ تدخل ضمن "إجراءات بناء الثقة" التي طالب بها قبيل انعقاد اللجنة، ولم يتحقق أي منها، وبالتالي ما هي اللحظة التاريخية التي تحدّث عنها بيدرسون؟ هل هي في مجرد اجتماع وفدي المعارضة والنظام في قاعة واحدة؟ إن كان الأمر كذلك، فقد سبقه إليه المبعوث الأممي السابق إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في 23 فبراير/ شباط 2017، حين جمع وفدي المعارضة والنظام في قاعة واحدة، خلال الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف. ووصفها أيضاً باللحظة التاريخية، والتقط لهم صورة تذكارية، لكنها بقيت مجرد صورة، على الرغم من اجتراحه سلالاً أربعا، بقيت فارغة، فاضطر إلى تقديم استقالته، وإقراره بفشل مفاوضات جنيف التي رعى جولاتها العديدة.
يبدو أن بيدرسون قد أخذته الحالة، كما يقال، حين توسّط رئيسي قائمتي النظام والمعارضة، كي
يصفها باللحظة التاريخية، كونه يجلس لأول مرة، يجلس 50 شخصاً يمثلون النظام و50 آخرون من المعارضة في إحدى قاعات الأمم المتحدة في جنيف، من أجل القيام بإنجاز "مهمة كبيرة"، تتجسّد في وضع "ترتيبات دستورية جديدة لسورية، وهو ما يفتح المجال لفرصة جديدة لسورية". وكأن القضية السورية دستورية، وليست سياسية، تستلزم تغيير النظام السياسي الذي خرج غالبية السوريين من أجل إسقاطه.
وإذا كانت اللجنة الدستورية قد عقدت، في لحظة تاريخية، إلا أن بيدرسون لم يوضح مهمتها، بل تركها متأرجحة ما بين مراجعة الدساتير السابقة، ومناقشة الدستور الحالي، وكتابة دستور جديد، ولم يحدد أي سقف أو جدول زمني لها. ولعل ذلك بغرض التعتيم ، كونه يرضي وفد النظام الذي يرى أن مهمة اللجنة هي مناقشة دستور 2012 ( الدستور الحالي)، ولا يمانع من وضع تعديلاتٍ عليه، طالما ستعرض على الاستفتاء الشعبي الذي سيدعو إليه الأسد المجرم، ما يعني الاعتراف بنظامه، واستعادة شرعيته المفقودة. وهو ما يسعى إليه نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون. ولذلك ركز رئيس قائمة النظام على "الشعب السوري صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده". ويقصد بالشعب السوري الموالين لنظام الأسد وأزلامه فقط، والغريب أنه شدّد على "رفض أي شكل من التدخل الخارجي في عمل لجنة مناقشة الدستور الذي يجب أن يستند إلى مبادئ سيادة سورية ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها"، ولعله تعامى عن حقيقة أن لا سيادة في سورية، ولا وحدة قائمة لها، في ظل صراع النفود عليها الذي تتقاسمه إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا، وسواها.
في المقابل، لم يجد رئيس قائمة المعارضة، هادي البحرة، سوى اعتماد خطاب أخلاقي، طهراني ومفتعل، فراح يتحدّث عن ضرورة "أن نعضَّ على جروحِنا، ونبدأَ بالاستماعِ لبعضِنا بعضِا،
لفهمِ مخاوفِنا وتظلماتِنا، وتحديدِ المشتركات فيما بيننا لتعزيزِها". وهو أمر مستغرب أن يعمد وفد المعارضة التي تدّعي تمثيل السوريين إلى لغة جوفاء، تصوّر القضية السورية كأنها مجرد خلاف بين طرفين، يستدعي "تحديد نقاط الخلافِ فيما بيننا، لإيجاد طرقٍ لحلِّها، فلا يمكنُ علاجُ خطابِ الكراهيةِ وجرائمِها بكراهيةٍ مقابلةٍ، ولا يمكنُ للجريمةِ أن تبررَ جريمةً أكبرَ، ولا يُوقف الخطابَ الطائفي المقيتَ خطابٌ طائفي معاكس". والأدهى أن هذا الخطاب يساوي بين الطاغية والجلاد، من غير الإشارة بوضوح إلى النظام الأسدي الذي قتل ما يقارب المليون سوري، وشرّد أكثر من نصف السوريين، فضلاً عن الدمار والخراب الذي سببه بحق الحواضر السورية، ويذكر بالمآسي الإغريقية القديمة. وبالتالي لا غرابة في أن أصحاب هذا الخطاب سبق لهم أن صوّروا تشكيل اللجنة الدستورية بمثابة انتصار للشعب السوري، وكأنها ستسهم في نهاية نظام الأسد، وتحقّق تطلعات الشعب السوري ومطالبه، المعروفة لديهم ولدى سواهم، بينما تشير حقيقة الأمور إلى أن خيار اللعبة الدستورية يفضي إلى التخلي تماماً عن أساس قرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف 1 وسواهما من القرارات الأممية بشأن الانتقال السياسي في سورية، لأن الإقرار بأن القضية السورية مشكلة دستورية يعني إدارة الظهر لعملية التغيير السياسي فيها.
------------
العربي الجديد
يبدو أن بيدرسون قد أخذته الحالة، كما يقال، حين توسّط رئيسي قائمتي النظام والمعارضة، كي
وإذا كانت اللجنة الدستورية قد عقدت، في لحظة تاريخية، إلا أن بيدرسون لم يوضح مهمتها، بل تركها متأرجحة ما بين مراجعة الدساتير السابقة، ومناقشة الدستور الحالي، وكتابة دستور جديد، ولم يحدد أي سقف أو جدول زمني لها. ولعل ذلك بغرض التعتيم ، كونه يرضي وفد النظام الذي يرى أن مهمة اللجنة هي مناقشة دستور 2012 ( الدستور الحالي)، ولا يمانع من وضع تعديلاتٍ عليه، طالما ستعرض على الاستفتاء الشعبي الذي سيدعو إليه الأسد المجرم، ما يعني الاعتراف بنظامه، واستعادة شرعيته المفقودة. وهو ما يسعى إليه نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون. ولذلك ركز رئيس قائمة النظام على "الشعب السوري صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده". ويقصد بالشعب السوري الموالين لنظام الأسد وأزلامه فقط، والغريب أنه شدّد على "رفض أي شكل من التدخل الخارجي في عمل لجنة مناقشة الدستور الذي يجب أن يستند إلى مبادئ سيادة سورية ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها"، ولعله تعامى عن حقيقة أن لا سيادة في سورية، ولا وحدة قائمة لها، في ظل صراع النفود عليها الذي تتقاسمه إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا، وسواها.
في المقابل، لم يجد رئيس قائمة المعارضة، هادي البحرة، سوى اعتماد خطاب أخلاقي، طهراني ومفتعل، فراح يتحدّث عن ضرورة "أن نعضَّ على جروحِنا، ونبدأَ بالاستماعِ لبعضِنا بعضِا،
------------
العربي الجديد