نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


”إصلاح دستوريّ“ أم “دستور جديد“؟






وسط جدل محتدِم بين المتفائلين والمتشائمين بالجولة الجديدة من أعمال اللجنة الدستورية في جنيف حول جدوى التفاوض على دستور جديد من عدمها، خرجت صورة غير متوقَّعة تجمع كلاً من الرئيسين المشتركيْنِ لوفدَي المعارضة والنظام، المهندس هادي البحرة وأحمد الكزبري، يتوسطهما المبعوث الدولي غير بيدرسون.


صورة اللقاء التمهيدي الذي رتَّب له بيدرسون عشية انطلاق الجولة الجديدة، لم تكد تحصد بعض ردود الفعل حتى أردفها بيدرسون بتصريحٍ أكثرَ إثارةً، حين تحدَّث عن اتفاق نهائي بين الوفدين على البدء بعملية إصلاح دستوري لا البدء بمناقشة نسخة جديدة من الدستور.

ولا حاجة للقول إن الفارق بين كتابة الدستور الجديد والإصلاح الدستوري شاسع، فالأول يعني خُلاصة ما تمت مناقشته خلال الأعوام الماضية من قِبل جميع الأطراف، بما فيها المجتمع المدني، والاستفادة من كل ما طُرح حول الثوابت والهُوِيَّة واللغة الوطنية وحقوق الإنسان والحريات وغيرها، لتقديم نسخة من دستور مُقترَح يحسم الأمرَ فيه استفتاءٌ شعبيٌّ يُطرح على السوريين. 

أما الإصلاح الدستوري فهو على النقيض مما سارع المهندس هادي البحرة لإيضاحه بعد تصريح بيدرسون، حين قال إن هذا التصريح ”لا يناقض القرار  ٢٢٥٤، ولا اتفاق تشكيل اللجنة وتفويضها، فلائحة الاختصاصات والنظام الداخلي للجنة، عندما نتكلم عن الإصلاح الدستوري هو عملية أوسع من صياغة مشروع الدستور، فهي تشمل مشروع الدستور إضافة إلى الممارسات الدستورية، أي كل ما يتعلق من إجراءات وآليات لضمان تطبيق الدستور على أرض الواقع، ووضع الضمانات اللازمة لعدم تجاوُز الدستور أو الالتفاف على مضامينه“. 

أريد أن أصدِّق البحرة في ما ذهب إليه من فهم، وأقدِّر نواياه الخالصة في التعاطي الإيجابي مع كل ما يبدر حول هذا الملف، لكن إنْ رُبط تصريح بيدرسون الجديد بما روّج له من منهجية جديدة -قرر المبعوث الدولي السير عليها نتيجة تعنُّت النظام وجملة من المعطيات والمتغيِّرات حول العملية التفاوضية- فإن ما يقصده بيدرسون غير ما فهمه البحرة.

ببساطة لأن بيدرسون لا يملك -ولا تدخل ضِمن صلاحياته- مسألة الممارسة الدستورية، فمن سيصدّق أن خليفة كل من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي ودي مستورا المستقيلين جميعاً، نتيجة عجزهم عن القيام بأي شيء يفرض حلاً على النظام، سيكون بوسعه أن يفرض ”مسار ممارسة دستورية" في سورية؟ وهو أمر لم تتمكن من فرضه دول كبرى، فضلاً عن كل ما سعت إليه المعارضة عبثاً دون أن تُحقِّق أيَّ تقدُّم في إقناع النظام (الطرف الآخر الشريك في المفاوضات والشريك في التصور حول الدستور الجديد) بأي ممارسة دستورية معقولة، حتى وَفْق دستوره هو!.

وليس القارئ الكريم بحاجة لشرح معنى الإصلاح الدستوري فموارد ذلك أقرب إليه من حبل الوريد، ويمكنه التوصل إلى مئات الأبحاث والكتب والدراسات والندوات التي عُقدت تحت هذا العنوان والتي تقول جميعها: إن موضوع الإصلاح الدستوري يتعلق بـ "مضمون المواد المقترحة للتعديل، ومدى ارتباطها بالنَّسَق العامّ للنظام السياسي، أو اقتصارها على تعديلات شكلية دون المساس بجوهر المؤسسات". وفقاً لما ورد في ورقة عُنونت بـ ”الإصلاحات الدستورية في العالم العربي: ما تكشفه رغم محدوديتها، لأمينة المسعودي أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق في جامعة محمد الخامس بالمغرب والمقدَّمة في العام 2009.

هكذا إذاً.. موادُّ يُقترَح تعديلها، ويُراعَى في ذلك ارتباطها بالنسق العامّ للنظام السياسي. وقد تكون تعديلات شكلية لا تمسّ بجوهر المؤسسات؟ 

تقول المسعودي- وورقتها من بين أهمّ ما وقع بين يدَيَّ مما ناقش مفهوم الإصلاح الدستوري باعتبارها تتناول نماذج عربية تشابه الحالة السورية: إن الإصلاحات الدستورية في النماذج المختارة من الوطن العربي بيّنت أن هذه الإصلاحات، وإن لم تغيّر بعمق النَّسَق الدستوري والسياسي السائد بهذه الدول، فإنها قد سمحت بتغيير معادلة ميزان القوى الناظم لعلاقة طرفَي الإصلاح، والذي يتجلى من خلال بروز دور الأحزاب السياسية ونضج المجتمع المدني وإمكانية قيامه بدور فاعل في التطورات المستقبلية للإصلاحات الدستورية. وقد يكون هذا ما يرمي إليه المبعوث الدولي وما يريد البحرة إقناع السوريين به. لكن هذا ليس دستوراً جديداً.

بالعودة إلى اللحظة التي انطلق فيها مسار التفاوض بين المعارضة ونظام الأسد، نجد أن أصواتاً قليلةً، نادت بعدم تضييع الوقت والانجرار خلف خديعة إنشاء دستور جديد، وأن دستور البلاد القائم حتى بنسخة بشار الأسد 2012 لا يحتاج إلا إلى بعض التعديلات الجوهرية التي يمكن أن تنقله إلى مصافّ الدساتير المتقدمة والتي تحترم الإنسان وحقوقه، وتراعي كافة تطلُّعات السوريين وتحفظ الدولة واتجاهها ومسارها التاريخي.

لكن ما الذي حدث حينها؟ هاجت وماجت أصوات المعارضين الرافضة لكل ما بين يدي النظام، معتبِرةً أنه شرٌّ مطلق وأن الدولة التي يهيمن عليها بكل وثائقها ونصوصها ورموزها هي شرٌّ مُطلَق مثله. وكان النظام بحاجة إلى كسب الوقت ليتيح للروس والإيرانيين الفرصة لتدمير قوى الثورة وانتزاع المناطق المحررة من بين أيديها منطقةً منطقةً في أربع جهات سورية. 

وقع السوريون في الفخّ، ومضوا في عملية خلق لدستور منتظر منشود، استغرقت أعواماً من المماطلة، ليعود المبعوث الدولي الجديد إلى ما طالب به النظام أساساً على لسان كِبار مسؤوليه، عملية إصلاح دستوري لا أكثر. 

وكان بيدرسون قد أعلن في شتاء هذا العام أنه لن يدعو إلى جولة جديدة ما لم يكن هناك اتفاق خطيّ بين الطرفين لعمل اللجنة. وكان الكزبري رفض في الجولات السابقة لـ«الدستورية» الخوض في «صَوْغ» الدستور قبل الاتفاق على «المحدّدات الوطنية» وتتضمن رفض ما سماهما بـ «الاحتلالين» الأميركي والتركي و«رفض الإرهاب» والتمسك بـ«وحدة سورية وسيادتها». وبعد ضغوط روسية، وافق الكزبري على «مناقشة المبادئ الدستورية» قبل «صَوْغ» الدستور. 

لنتابع ما حدث، بعد إصرار بيدرسون على وجود «اتفاق خَطِيّ»، وافق الكزبري في فبراير  الماضي على إرسال ورقة عاجلة تتضمن مُقترَحات لـ«آليَّة عمل» اللجنة الدستورية، رد عليها البحرة بورقة تفصيلية مقابلة، ثم عاد الكزبري وقابلها بمقترَحات خطية. ورقة الكزبري الأخيرة لم تخرج عن الخطوط التي رسمها وزير خارجية النظام فيصل المقداد حول رفض «وضع جداول زمنية» لعمل اللجنة، التي اعتبر أنها «كيان سيادي مستقلّ» مذكِّراً بيدرسون بأنه مجرّد «ميسر» للعملية التي «هي ملكية سورية».

وهو ما عاد وكرَّره في أكثر من مناسبة، آخِرها الشهر الماضي، سبتمبر الذي شهد لقاءً جمع المقداد ببيدرسون في دمشق، ونقلت وكالة "سانا" الناطقة باسم النظام عن المقداد قوله: إن اللجنة منذ أن تشكلت وانطلقت أعمالها باتت ”سيدة نفسها وهي التي تناقش وتعالج التوصيات التي يمكن أن تخرج بها وكيفية سَيْر أعمالها مع التأكيد على أن الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده“. 

وهو الكلام ذاته الذي قاله الرجل قبل عشر سنوات وتحديداً في ديسمبر 2011 وكان نائباً لوزير الخارجية آنذاك حين أعلن أن «الإصلاحات الدستورية ستؤدي إلى تداوُل حقيقي للسلطة على كافة المستويات»، وسنعود ونسمع مثل هذا الكلام على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ثم على لسان نائبه ميخائيل بوغدانوف الذي قال خلال مشاركته في فعاليات «منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي» في العام 2018: إن موسكو تُعوِّل على ضرورة إطلاق عمل اللجنة الدستورية السورية. ومشدِّداً على ما أسماه حرفيّاً ”الإصلاح الدستوري المنشود“.

وقال للصحافيين في سان بطرسبرغ حينها: إنه «من المفهوم أن الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو أي انتخابات أخرى ستكون على أساس الإصلاحات الدستورية التي يجري العمل عليها».

هو إصلاح دستوري إذاً، ولكن قد لا يكون لدى المعارضة السورية ما تفعله حِيال ذلك، فهذا هو المتاح وما تم التوافق عليه دولياً، كما سبق وأشار البحرة وبيدرسون ذاته. ومهما علت أصواتٌ اليومَ لتطالب بدستور جديد، فستقابلها أصواتٌ أخرى تقول: إن صوت العقل مع الممكن والواقعي. 

والواقعي يقول: إن مناقشة دستور خيالي لا تتفق عليه المعارضة في ما بينها أساساً، عملية شِبه مستحيلة، وقد تدوم دُهوراً دون الوصول إلى نسخة تُعجب العربَ وتُعجب الأكرادَ وتُعجب الأغلبيةَ والأقلياتِ والقُوَى الليبراليةَ والديمقراطيةَ والعلمانيين والمحافظين، هذا قبل أن تُطرَح على النقاش مع ممثِّلي النظام الذين يتمسَّكون بدَوْرهم بتصوُّرات مُغايِرة.
----------
نداء بوست


إبراهيم الجبين
الاثنين 18 أكتوبر 2021