نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


احلام أبناء جنوب السودان بالاستقرار تتحطم على معاول الصراعات




نيامليل (جنوب السودان) - جيويا فورستر– عاد لوقا مول إلى موطنه جنوب السودان بعد هروبه منه، على الرغم من أنه لا يزال محاطا بالشكوك حول مستقبل بلده.

وهو يعلم حجم الثمن الذي دفعه بلده في سبيل حصوله على الاستقلال، ودفع هو شخصيا ثمنا باهظا، فعندما كان طفلا نهبت الميلشيا العربية قريته وقتلت أمه وأسرت شقيقاته وأبعدت أخوته.

وانضم مول للمتمردين عندما كان في الثانية عشرة من عمره، وذلك من أجل الانتقام لأسرته ولتحرير جنوب السودان من طغيان الشمال.

غير أنه فر في وقت لاحق هاربا من أعمال العنف التي لا تبدو لها نهاية، وكانت الذكريات التي تراوده مؤلمة، ويقول مول "إنني لن أنسى ما حييت ما رأيته من مشاهد وأحداث".


ولكن الأسوأ من ذلك هي مشاعر الإحباط الساحقة التي انتابته عندما عاد عام 2005، إلى موطنه وإلى قريته نيامليل الكائنة في إقليم بحر الغزال الشمالي.
وفي البداية كان يشعر بالبهجة لآمال السلام والاستقلال، وحزم آلاف اللاجئين الآخرين أيضا أمتعتهم، وقفزوا إلى القطارات المتجهة إلى جنوب السودان، تغمرهم السعادة تجاه إمكانات المستقبل لأحدث دولة في العالم والتي ولدت في شرقي أفريقيا.
ويتذكر مول قائلا "إنني بكيت عندما تحقق حلم الاستقلال"، وكان ذلك عام 2011.
غير أن مشاعر الفرح هذه سرعان ما تحولت إلى مرارة، وفي هذا الصدد يقول مول "شعرت بالإحباط مرة أخرى، فقد أعادنا قادتنا إلى أتون الحرب مجددا".
وبعد مرور عامين فقط على الاستقلال ، انجرف جنوب السودان إلى حرب أهلية، وأسفر الصراع عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى ونزوح قرابة أربعة ملايين شخص.
ولم تعد خطوط السكك الحديدية التي كانت تحمل الكثير من الأفراد الذين تحدوهم الآمال العريضة تشهد حركة أية قطارات، وبدلا من استخدام هذه الخطوط لسير القطارات شيد بعض النازحين بقرية أويل الخيام على طولها، وهي خيام صنعوها من الأقمشة البلاستيكية التي وزعتها منظمات الإغاثة الدولية.
ويؤدي إلى قرية مول طريق تصطف على جانبيه بقايا لوحات إعلانية شاحبة ومليئة بالثقوب، والسيارات الوحيدة التي يمكن رؤيتها هي عربات الجيب البيضاء التابعة للمنظمات الأهلية، ولا توجد علامات إرشادية على الطريق ولكن مجرد إخطارات تضعها منظمات الإغاثة توضح فيها مشروعاتها والجهات المانحة.
وشهدت قريته نيامليل عمليات قتالية محدودة، غير أنها عانت من الصراع، ويعيش سكانها الآن في حالة من الفقر المدقع حيث يقتاتون على أي محصول يمكنهم زراعته.
وفي حالة حدوث فيضانات أو موجات جفاف، أو إذا ما اضطروا إلى الهروب فلن يكون بحوزتهم أي شيء، ويعتمد معظمهم على المعونات، وتقوم المنظمات الإنسانية بتزويدهم بالأطعمة وشق الطرق ودفع مرتبات المدرسين وتقديم البذور والدعم المالي، ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن نحو 5ر7 ملايين شخص يعتمدون على مثل هذا الدعم، أي أكثر من نصف سكان جنوب السودان
ويقول ماثياس موجي الأمين العام لمنظمة "ولثونجرهيلفه" الألمانية للتنمية "هناك دول قليلة تغيب فيها الدولة مثلما هو الحال في جنوب السودان".
ويضيف إن المنظمات الأهلية والأمم المتحدة تقوم غالبا بنفس مهام الحكومة، ويضيف "إذا جاءت المساعدة فإنها تأتي من المجتمع الدولي وليس من الحكومة".
ويتابع قائلا إن حياة السكان تتحسن بالتدريج، على الرغم من أن كثيرين هربوا لأنهم يفتقرون إلى الثقة في المستقبل.
غير أن التحسن في جنوب السودان يسير على طريق طويل يتسم بالبطء، والمثال على ذلك حالة ثوش أجوت وهو أب لسبعة أبناء وعانى طوال عام كامل.
فقد دمرت الفيضانات مؤخرا محصوله بالكامل على حد قوله، الأمر الذي اضطره إلى بيع بقرتين من أبقاره الخمس لكي يستطيع إطعام أسرته.
وقدمت منظمة "ولثونجرهيلفه" لأجوت محراثا، وهو يعد من الآلات الجديدة هنا على الرغم من أن تاريخ استخدامه يرجع إلى عدة قرون، ويستطيع أجوت الآن أن يحرث أرضه بمساعدة أبقاره بدلا من أن استخدام قوته البدنية.
ويشير ابنه بول البالغ من العمر 18 عاما بفخر إلى المحراث وهو يشق التربة الجافة بينما تجره بقرتان، وينظر الجيران إلى المشهد بإعجاب، ويمتلك عدد قليل من الفلاحين في المنطقة أدوات زراعية مثل المحراث.
ولكن على أرض الواقع نجد أن مشاعر التفاؤل واهنة، ويقول موجي إن "هذا اقتصاد حرب، وبعض قطاعات الحكومة تستفيد من الصراع ومن المساعدات الإنسانية"، وتستخدم النخبة بالبلاد المساعدات للإثراء الشخصي، وتعد جنوب السودان ثاني أكبر دولة فسادا في العالم، وذلك وفقا لمؤشر الشفافية العالمي.
وفي إقليم بحر الغزال الشمالي نجد أن العلامات الوحيدة على وجود الحكومة، هي الموظفين الجالسين داخل غرف عمل معتمة وخلف مكاتب ضخمة.
ويرحب جورج عوض حاكم أويل بالضيوف، بينما تطل من أعلى مكتبه ومعلقة على الحائط، صورة للرئيس سالفا كير وهو يضع قبعة رعاة البقر على رأسه.
ولا يتفوه عوض بالكثير من المعلومات، بينما يقول وزير الزراعة جوزيف قرنق قرنق إن الحكومة لا تستطيع في الوقت الراهن أن تلبي احتياجات كل شخص، مشيرا إلى أن الأمور ستكون مختلفة في حالة استباب السلام، ثم يذكر قائمة باحتياجات الدولة ويحدد ما الذي تستطيع المنظمات الأهلية أن تقدمه من معونات إضافية.
ويشعر الكثيرون في جنوب السودان بأنهم تعرضوا للخيانة من جانب الحكومة، حيث قدم الجميع تقريبا تضحيات في سبيل الاستقلال مثل المشاركة في القتال أو تقديم الإمدادات للمتمردين، أو المعاناة تحت هجمات الميليشيا والتي كانت عنيفة بشكل خاص في إقليم بحر الغزال الشمالي بالقرب من الحدود مع السودان.
ولحسن الحظ عثر مول على عمل في منظمة أهلية وأصبح في وسعه الآن أن يرسل أبنائه إلى المدرسة، وتخلى كثيرون آخرون عن أحلامهم كما يبدو ذلك من خلال الأكواخ الخاوية في قرية نيامليل ديت المجاورة، وتوجه عدد من السكان شمالا إلى السودان عدوهم السابق آملا في الحصول على قدر أكبر من الاستقرار.
ويشعر مول بالقلق إزاء أنه ذات يوم ستغادر منظمات المعونة الدولية أيضا جنوب السودان، ويوجه مول ندائه الحار إلى هذه المنظمات قائلا "لا تتخلوا عنا".

جيويا فورستر
الاحد 19 أبريل 2020