نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


الأزمة السورية وشبه جزيرة القرم






وافق مجلس الاتحاد الروسي على طلب الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة في أوكرانيا «حتى عودة الاستقرار السياسي والاجتماعي إلى هذا البلد» وقت كتابة هذه السطور،
ومن غير المستبعد أن تقدم روسيا على احتلال شبه جزيرة القرم الواقعة في البحر الأسود خلال الأيام القليلة المقبلة. ولئن حصل بوتين على تفويض بالتدخل في أوكرانيا الشاسعة المساحة، والحافلة بمناطق متعددة تقطنها غالبية سكانية روسية، خصوصاً في الشرق من أوكرانيا، إلا أن التدخل الروسي سيقتصر - في الأغلب - على شبه جزيرة القرم، وليس كامل الأراضي الأوكرانية نظراً للأهمية الفائقة لشبه الجزيرة في أولويات الأمن القومي الروسي.


 
لا تستطيع أوكرانيا أن تفعل الشيء الكثير لمنع روسيا من احتلال شبه جزيرة القرم، حيث تتفوق قوة النيران الروسية الكاسحة معطوفة على المزاج الشعبي المؤيد لموسكو في القرم. أما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي فقد اقتصرت ردات فعلهما على مطالبة روسيا بضبط النفس وعدم التدخل عسكرياً في الأراضي الأوكرانية، ولن يستطيعا أيضاً منع روسيا من التدخل عسكرياً، بسبب غياب القدرة اللوجستية اللازمة لفعل ذلك، إذ ليس هناك وجود عسكري مكافئ لروسيا في كل المناطق المحاذية لأوكرانيا وشبه جزيرة القرم. تحاول السطور الآتية الإضاءة على الرابط الموضوعي الذي يجعل أزمة شبه جزيرة القرم الراهنة تؤثر على الأزمة السورية، بسبب انخراط روسيا في كلتا الأزمتين.

نبذة تاريخية

تعد شبه جزيرة القرم امتداداً جغرافياً للأراضي الأوكرانية جنوباً في شمال البحر الأسود، وفي الوقت ذاته امتداداً جغرافياً لشبه جزيرة تامان الروسية غرباً في عمق البحر الأسود. وتستمد شبه الجزيرة اسمها غالباً من الكلمة المنغولية التاتارية «كيريم»، التي تعني الحصن. سيطر عليها تاريخياً الإغريق والرومان والبيزنطيون، والتتر المغول، وأهل فينيسيا وأهل جنوه والعثمانيون وأخيرا الروس. في القرن الثالث عشر الميلادي ازدهرت التجارة بين شبه الجزيرة ومصر، ثم سيطرت السلطنة العثمانية على القرم في القرن الخامس عشر، ثم جعلته مستقلاً عن الإمبراطورية الروسية في منتصف القرن الثامن عشر. ضم الروس شبه الجزيرة نهائياً في زمن الإمبراطورة كاتارينا الثانية إلى أراضيهم. ونظراً للأهمية الملاحية - التجارية - العسكرية لشبه الجزيرة، فقد كانت محطاً لأنظار إمبراطوريات كبرى ومؤشراً على توازنات القوى في منطقتها، فمن يسيطر على شبه الجزيرة يسيطر إلى حد كبير على الملاحة في البحر الأسود. وفي حرب القرم الشهيرة تواجهت السلطنة العثمانية مدعومة من فرنسا وبريطانيا مع روسيا، في مواجهات انتهت بانتصار روسيا على خصومها. وظل القرم في حيازة روسيا القيصرية حتى قيام الثورة البلشفية عام 1917، حيث تم إعلان القرم جمهورية ذات حكم ذاتي في إطار الاتحاد السوفياتي عام 1921. ومع احتلال ألمانيا لشبه الجزيرة خلال الحرب العالمية الثانية بغرض تدمير القدرات البحرية السوفياتية، فقد أمر ستالين بتهجير سكانها التتار إلى آسيا الوسطى بتهمة التعاون مع الغزاة الألمان. ورفع ستالين وضعية الحكم الذاتي الممنوحة لشبه الجزيرة، ومع انتصار الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية، ظل القرم تابعاً لجمهورية روسيا السوفياتية، حتى حوّل الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف، ذو الأصول الأوكرانية عام 1954، تبعية شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا. ومنذ ستة عقود تتبع شبه جزيرة القرم جمهورية أوكرانيا السوفياتية، ومن ثم جمهورية أوكرانيا المستقلة في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي والتي ضمت شبه جزيرة القرم ضمن أراضيها. وفي عام 1992 تم إعطاء وضع جمهورية ذات حكم ذاتي لشبه جزيرة القرم ضمن أراضي جمهورية أوكرانيا، بسبب الضغط السياسي العنيف الذي قادته المجموعات السياسية ذات الأصول الروسية للانفصال عن أوكرانيا. في عام 1997 تم الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا على تقسيم الأسطول السوفياتي سابقاً، وبقاء السفن الروسية في شبه الجزيرة حتى عام 2017 في مقابل تزويد أوكرانيا بالغاز الطبيعي الروسي المدعوم الثمن. وأثناء النزاع المسلح بين روسيا وجورجيا، الذي دخلت بمقتضاه القوات الروسية إلى أوسيتيا الجنوبية، فقد اتخذت أوكرانيا برئاسة فيكتور يوشيتشينكو موقفا داعماً لجورجيا، فهددت بعدم تجديد عقد استئجار موانئ شبه جزيرة القرم. ولكن عندما تولى فيكتور يانكوفيتش المخلوع رئاسة أوكرانيا، مدد اتفاق استئجار الموانئ خمسة وعشرين عاماً إضافية لينتهي العقد عام 2042.

الأمن القومي الروسي

ستعني خسارة روسيا لموانيها في شبه جزيرة القرم، في حال امتداد التظاهرات إليه وخروجه من السيطرة الروسية، ضياع أسطولها الضخم في البحر الأسود، وهو أمر لم تسمح به روسيا منذ أيام القياصرة الروس قبل قرون خلت. يمثل البحر الأسود مدخل روسيا، الشاسعة المساحة، الوحيد إلى المياه الدافئة؛ والممر الإجباري لتواصلها مع العالم تجارياً وملاحياً. إذ ان سيبيريا الواقعة إلى الشرق من روسيا غير صالحة للملاحة بسبب تجمد المياه فيها، وبالتالي يعني البحر الأسود رئة روسيا الوحيدة جغرافياً وبحرياً، ما يجعله يحتل أولوية متقدمة على سلم أولويات الأمن القومي الروسي. وتمثل شبه جزيرة القرم أقرب مناطق أوكرانيا إلى روسيا ثقافياً وتاريخياً وعسكرياً، كما أن غالبية سكان شبه الجزيرة من الروس. ويشكل الروس حوالي 60% من سكان شبه الجزيرة البالغ عددهم مليوني نسمة، يليهم الأوكرانيون بتعداد يبلغ ربع السكان تقريباً؛ بالإضافة إلى حوالي ربع مليون تتاري يشكلون ثمن عدد السكان، فضلاً عن عرقيات أخرى غير مؤثرة على ميزان القوى الديموغرافي في القرم. ونظراً للأرجحية الروسية الديموغرافية، فلن تتطلب السيطرة على شبه الجزيرة عديداً كبيراً من القوات، بل وحدات كوماندوز تعد بالآلاف فقط للسيطرة على النقاط الحيوية من مطارات وموانئ في غضون فترة قصيرة نسبياً من الوقت.

الأزمة السورية وشبه جزيرة القرم

من شأن الدخول الروسي المتوقع إلى شبه الجزيرة في الفترة القليلة المقبلة أن يوتر علاقات روسيا مع الغرب (أميركا والاتحاد الأوروبي)، خصوصاً أن انتقال المبارزة الروسية - الأميركية إلى بطن روسيا الرخو لن يسمح بتوافقات أو تفاهمات في ما تراه روسيا تهديداً لأمنها القومي. ومع حاجة الطرفين الأميركي والروسي إلى مستوى مقبول من التعاون بينهما لحل قضايا وأزمات حول العالم، ستتوتر العلاقات حكماً في الفترة القليلة المقبلة بسبب شبه جزيرة القرم. ومن الطبيعي أن روسيا لن تسمح بالمزاح معها في حزامها البحري الوحيد، وستتمسك ربما باستفتاء على مصير القرم بغرض إعلان استقلاله وضمه لاحقاً إلى أراضيها برغبة سكان شبه الجزيرة، وبالتالي ستكون موسكو مستعدة لتليين مواقفها في أزمات وملفات أخرى في العالم من أجل عدم تدحرج علاقاتها مع واشنطن إلى مستوى الأزمة الشاملة. ولما كانت الأزمة السورية قد شهدت صعوداً ملحوظاً للدور الروسي فيها خلال السنتين الماضيتين، معطوفاً على رغبة أميركية واضحة بعدم التورط المباشر، فمن شأن أزمة شبه جزيرة القرم الحالية وتورط روسيا فيها أن يثبت أنظار موسكو واهتمامها ومجهودها الديبلوماسي على حزامها البحري، بعد أن يجعلها التورط هناك أكثر استعداداً لتفاهمات في مناطق جغرافية أخرى لا تشكل أولوية فائقة في أمنها القومي ومنها سوريا. ستثبت الأيام والأسابيع المقبلة صدقية هذه الفرضية، التي ستجعل في حال تحققها «جنيف-3» ملزماً وناجزاً أكبر بكثير مما كان «جنيف-2»!

--------------
السفير

مصطفى اللباد
الاثنين 3 مارس 2014