5 أنفاق رئيسة تربط الغوطة بدمشق

بدأت تجربة حفر الأنفاق منذ نهاية عام 2013، إذ قام حينها لواء “فجر الأمة” بحفر نفق طوله نحو 750 مترًا، يصل بين مدينة حرستا وبساتين القابون، ويمر من أسفل أوتوستراد دمشق- حمص الدولي، وانتهى الفصيل من حفر النفق في منتصف 2014، ليكون أول أنفاق الغوطة، الذي أسهم بإمداد المنطقة المحاصرة بالسلاح والغذاء والبضائع.
ثاني أنفاق الغوطة بدأ بحفره فصيل آخر يدعى “جيش الأمة” وذلك في مطلع عام 2015، وكان هذا النفق يوازي النفق الأول، ويصل بين مدينة حرستا ومنطقة غربي الأوتوستراد، وحين شارف النفق على الانتهاء حاول “جيش الإسلام” الموجود في دوما السيطرة عليه، لكن إدارة النفق ذهبت لاحقًا لفصيل “فجر الأمة”، كون النفق يقع بمناطق سيطرته في حرستا، وبالتالي أصبح الفصيل يملك نفقين في الغوطة.
أمام هذا الواقع، بدأت بقية الفصائل البارزة في الغوطة بحفر أنفاق خاصة بها، ففي أيار 2015، حفر “فيلق الرحمن” نققًا يبدأ من عربين ويصل إلى شركة الكهرباء في القابون ويمر من أسفل مبنى “المخابرات الجوية”، ويبلغ طوله نحو 2.5 كيلومتر، وكان النفق مخصصًا لمرور السيارات والمشاة، وتديره مؤسسة “الرحمة”، واستخدم “الفيلق” النفق لإدخال المواد الغذائية من دمشق، بينما كان يتم تهريب الأسلحة من درعا إلى برزة ومن ثم إلى الغوطة.
“جبهة النصرة” قامت بدورها بحفر نفق خاص بها، يصل بين عربين وحي البعلة في القابون بطول 1800 متر، وافتتحته في أيلول 2015، وأطلقت عليه اسم “نفق النور”، وكان مخصصًا للمشاة، كما استفاد “فيلق الرحمن” لاحقًا من هذا النفق.
“جيش الإسلام” حفر كذلك نفقًا كبيرًا خاصًا به، إذ بدأت عمليات الحفر في حزيران 2015، وكان النفق يصل بين زملكا والقابون، وله تفرّع آخر يصل بين عربين والقابون، ويبلغ طوله 3 كيلومترات، ويمكن أن تمر داخله شاحنات وعربات “بي إم بي”.
حركة “أحرار الشام” حاولت كذلك حفر نفق للسيارات، واستمرت بحفره حتى مطلع 2017، لكن توتر الأوضاع في القابون تسبب في عدم إكمال الحفر.
وإلى جانب تلك الأنفاق الرئيسة، توجد أنفاق صغيرة فرعية، بعضها عسكرية على خطوط الجبهات، كالأنفاق الموجودة في عين ترما وزملكا وجوبر، وبعضها الآخر مخصص كملاجئ للمدنيين وتربط بين الأقبية، وتنتشر في الأماكن البعيدة عن خطوط الجبهات، كالأنفاق في سقبا وحمورية وكفربطنا.

الفصائل حاولت تخريب الأنفاق قبل تهجيرها

بعد سيطرة النظام على كامل حي القابون في أيار 2017، قام بردم مداخل الأنفاق الخمسة الرئيسة التي حفرتها الفصائل سابقًا، والتي كانت تصل إلى القابون، لمنع أي خروقات أمنية يمكن تحصل عبر تلك الأنفاق.
أما بقية الأنفاق التي كانت داخل الغوطة فبقيت قيد الخدمة، إلى أن سيطر النظام على كامل المنطقة في نيسان 2018، إذ بدأ حينها بعملية الكشف عنها وهدم بعض الأنفاق الفرعية في القطاع الأوسط، بينما حافظ على الأنفاق الرئيسة.
قيادي في أحد فصائل المعارضة [1] [2] التي كانت تنشط في الغوطة الشرقية قال لعنب بلدي، “قبيل تهجيرنا إلى الشمال السوري، حاولنا تخريب بعض الأنفاق كي لا يستفيد منها النظام”.
وذكر القيادي الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن فصيله كان يفتقر إلى المعدات اللوجستية التي تساعد على ردم تلك الأنفاق.
وتابع أن القصف المتواصل لقوات النظام وروسيا على الغوطة الشرقية في الأشهر الأخيرة التي سبقت سيطرة النظام، بالتزامن مع الحصار المفروض عليها، تسبب في استنزاف كل الموارد التي كان يملكها الفصيل.
وأضاف، “في ظل المساحة الكبيرة للأنفاق وعدم امتلاكنا الوقت والمعدات الكافية لردمها، قمنا بتوجيه شبكات الصرف الصحي نحو بعض الأنفاق التي تمر من بلدة عين ترما”، مشيرًا إلى أن ذلك لم يكن مجديًا لتخريب الأنفاق، لأن المياه ستجف لاحقًا، ولن تؤثر في هيكلية الأنفاق، إلا أنه لم يكن هناك خيار آخر، حسب قوله.

تخبّط ومماطلة تثير الشك

عقب سيطرة النظام عليها بعدة أيام، عقدت حكومته اجتماعًا مخصصًا بشأن إعادة إعمار الغوطة الشرقية، وقررت وضع رؤية لمعالجة واقع كل نفق لجهة استثماره بالشكل الأمثل.
لكن بعد أكثر من عام، وتحديدًا في تموز 2019، تراجعت حكومة النظام عن استثمار أنفاق الغوطة، إذ قال وزير الأشغال العامة والإسكان ، سهيل عبد اللطيف، إنه تم تنظيم جملة من الأعمال لردم هذه الأنفاق.
حكومة النظام استمرت في تخبطها حول كيفية التعامل مع الأنفاق، ففي شباط 2024، ذكر رئيس مجلس مدينة دوما، هشام المما، لموقع “أثر برس ” المحلي، أن ردم جميع الأنفاق الموجودة في المدينة يحتاج إلى وقت طويل، وميزانية أكبر من ميزانية محافظة ريف دمشق، موضحًا أنه تم ردم النفق الموجود في منطقة الحميرة في دوما بشكل جزئي، وبعدها سيتم استكمال الردم بشكل كامل، على أن يكون العمل بشكل مرحلي حسب الإمكانات المتاحة.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، قال لعنب بلدي، إنه “ليس هناك أي قدرة مالية لدى النظام على تسخير هذه الأنفاق لخدمة المدنيين، كتحويلها لشبكات صرف صحي أو لتوصيل التمديدات الكهربائية عبرها، كما أن الأسد عاجز عن هدم كل أنفاق الغوطة أو إيجاد حلول للتعامل معها، رغم أنها ليست بالحجم الكبير الذي أظهره الإعلام السوري”.

هل يستثمرها النظام لأغراض عسكرية

مماطلة وتخبط النظام في هدم الأنفاق، أثارت تساؤلات حول احتمال وجود مخطط للنظام لاستغلالها في أغراض مشبوهة، وذكر موقع “نورث برس ” المحلي، أن إيران تستخدم أنفاق القطاع الأوسط في غوطة دمشق كغرف عمليات ومستودعات للأسلحة والذخائر، وتمنع حتى عناصر النظام من الاقتراب منها.
ويرى الباحث وائل علوان، وهو من أهالي الغوطة، أن هناك احتمالًا بأن النظام وبتوجيه من إيران، يستخدم بعض تلك الأنفاق كمستودعات سرية، لكن لا يمكن الجزم بذلك كون الأسد يحيط تلك الأنفاق بحواجز أمنية ويمنع الاقتراب منها.
وأضاف علوان أن النظام لا يمكنه استخدام كل الأنفاق كمستودعات عسكرية، ولا سيما تلك الموجودة في المناطق التي عاد إليها المدنيون، بينما هناك قطاعات أمنية في الغوطة مغلقة بالكامل كما في جوبر، يمكنه استخدام الأنفاق فيها لأغراض عسكرية.
في السياق ذاته، أفاد قيادي سابق في أحد فصائل [3] الغوطة، أن “الفرقة الرابعة” و”الأمن العسكري” ما زالا ينشران حواجز أمنية داخل الغوطة ولا سيما قرب مداخل الأنفاق، وبنفس الوقت يمنعان دخول الناس نهائيًا إلى مناطق أخرى كجوبر، وبالتالي من الوارد جدًا أن يسمح النظام للميليشيات الإيرانية التي تسانده بأن تستثمر تلك الأنفاق لأغراض عسكرية.
الفصائل قامت سابقًا بإنشاء الأنفاق بدقة، ووضعت دعامات معدنية على امتداد أسقفها، بالإضافة إلى كاميرات مراقبة وشبكة إضاءة لإنارة الطريق المظلم، ما شجع النظام على الاستفادة منها بدلًا من هدمها.
وكان رئيس النظام، بشار الأسد، وزوجته قاما بزيارة أحد الأنفاق التي حفرتها فصائل المعارضة بحي جوبر، في منتصف آب 2018، أي بعد أربعة أشهر على سيطرة قوات النظام على كامل الغوطة.
لكن الصور التي نشرتها صفحة رئاسة الجمهورية على “فيس بوك”، أظهرت حينها أن بعض الرسامين الموالين قاموا بنحت أشكال على جدران أحد الأنفاق العسكرية في جوبر، ما يُظهر أن النظام لم تكن لديه نية لهدم تلك الأنفاق، بل يفكر في الاستفادة منها.

خطة لنهب الأهالي

حاول النظام استغلال وجود الأنفاق في الغوطة الشرقية وما حولها لنهب أملاك السوريين، وهو ما أكده تحقيق أجراه موقع “صوت العاصمة في آذار 2022، الذي تحدث عن قيام حكومة النظام بهدم عشرات المنازل التي تقع ضمن منطقة حيوية في القابون، تطل على الأوتوستراد الدولي، وتحيط بها ثكنات عسكرية، بحجة إزالة الأنفاق والذخائر غير المنفجرة التي خلفتها فصائل المعارضة.
وذكر “صوت العاصمة” أن نصف حي القابون تقريبًا تعرّض للهدم بعد انتهاء المعارك في عام 2017، بما في ذلك مبانٍ شاهقة، مثل مبنى العبود ومبنى الأوقاف، اللذين يعتبران من العلامات العمرانية المميزة والتي يعرفها سكان الحي.
النظام حاول شرعنة عمليات الهدم التي قام بها في القابون وحرستا بحجة وجود الأنفاق، عبر إصدار المرسوم رقم “237 في 14 من أيلول 2021، الذي نصّ على إحداث “مناطق تنظيمية” في مدخل دمشق الشمالي (القابون وحرستا).
المهندس الاستشاري مظهر شربجي، ذكر لعنب بلدي أن النظام يتذرع بأن الأنفاق تشكل خطرًا على المدنيين كي يقوم بهدم منازلهم، رغم أنه ليس بالضرورة أن تؤثر كل الأنفاق على المنازل التي فوقها، فهناك معايير يستند إليها المهندسون لتحديد إلى أي مدى تأثرت الأبنية بوجود تلك الأنفاق، وهل ظهرت تشققات فيها.
المهندس شربجي تحدث عن عدة عوامل يمكن الاستناد إليها للتأكد مما إذا كانت الأنفاق تشكل خطرًا على المباني أم لا، وأبرزها نوع التربة، فإذا كانت طبيعة التربة صخرية أو غضارية متماسكة لا يمكن أن تؤثر على الأبنية فوقها، وهنا يمكن إجراء تحليل للتربة للتأكد من مدى متانتها وتماسكها.
العامل الثاني هو عمق النفق، فهناك بعض الأنفاق يمكن أن تكون على عمق كبير تحت الأرض، وبالتالي لا يمكن أن تلحق أي ضرر بالأبنية، أما العامل الثالث فهو شكل النفق، فإذا كان بشكل قوسي فهنا تتوزع الحمولة على طرفي النفق، وبالتالي يكون أكثر متانة من النفق على شكل مستطيل، الذي يمكن أن ينهار ويؤثر على الأبنية التي فوقه، في حال لم يكن قد تم تدعيمه بجسور حديدية متينة عند بنائه من قبل الفصائل.
وأضاف شربجي أنه في حال تبين أن الأنفاق يمكن أن تشكل خطرًا، فليست هناك حاجة لهدم الأبنية فوقها كما فعل النظام في بعض المناطق، بل يمكن معالجة تلك الأنفاق والحد من خطرها من خلال ردمها بمواد حجرية مع خلطات “بيتونية”، وليس بالضرورة أن يتم هدم كامل النفق، لافتًا إلى أن هذا الإجراء يجب أن يتم بإشراف نقابة المهندسين وليس عن طريق جهات عسكرية وأمنية.
سيطرت قوات النظام على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، بعد قصف عنيف انتهى بتوقيع اتفاق تهجير برعاية روسية في آذار 2018، مع كل من فصيلي “فيلق الرحمن” و”حركة أحرار الشام” اللذين كانا يسيطران على القطاع الأوسط ومدينة حرستا في الغوطة.
كما توصل النظام إلى اتفاق مشابه مع فصيل “جيش الإسلام”، في نيسان 2018، يقضي بخروج المقاتلين والمدنيين إلى الشمال السوري.