نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس


( التفكير النقدي الإيجابي هو العلاج )




مرت ستة أشهر على سقوط آل الأسد والوضع السوري ما زال يواجه تحديات جسيمة؛ هذا رغم الانفتاح العربي والإقليمي والأمريكي والأوروبي على الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع؛ ورغم تعليق ورفع العقوبات الأمريكية والأوروبية التي كانت مفروضة على السلطة البائدة.
فالوضع الأمني ما زال هشاً، وهو الأمر الذي يفسح المجال أمام سلوكيات غير قانونية تُنسب إلى مجموعات المتضررين أو المتربصين، كما تنسب إلى أفراد دوافعهم مختلفة. ويُقال في هذا السياق بأن السلطات ليست على علاقة بهم، بل تلاحقهم، وتعمل بكل الوسائل للقبض عليهم ومحاسبتهم. ومن بين السلوكيات المعنية هنا: الاغتيالات والانتقامات الفردية، والاعتداء على حريات وممتلكات الناس


 .
والوضع الاقتصادي هو الآخر ليس بأفضل حالاً من الوضع الأمني؛ فرغم كل الوعود التبشيرية ما زال على حاله؛ وهو الوضع الذي تعاني منه الغالبية الساحقة من السوريين الأمرّين.
هذا إلى جانب التحديات الخاصة بطبيعة نظام الحكم وشكله، والدستور المنتظر، وآليات المساءلة والمحاسبة، واعتماد مبادئ الشفافية والنزاهة، والإقرار الفعلي باستقلالية السلطة، واحترام قرارات كل سلطة ضمن إطار اختصاصاتها، والالتزام بالدستور لدى بروز أي خلافات أو اجتهادات حول تأويل أو تفسير النصوص، أو اتخاذ قرارات تتجاوز الصلاحيات الممنوحة.
بالإضافة إلى ما تقدم، هناك التحديات التي تُوجبها ضرورة ترميم النسيج المجتمعي الوطني، ومعالجة الأمور بصورة جذرية فعلية، لا الاكتفاء بتصريحات مجاملاتية إعلامية، تكون غالباً بهدف الاستهلاك المحلي، وتكوين انطباع زائف فحواه أن الأمور هي في أحسن أحوالها، أو على الأقل ستصبح هكذا مستقبلاً.
هذا في حين أن المجتمعات التي مرت بظروف شبيهة بالتجربة السورية أثبتت باستمرار أهمية الحوار الوطني الحقيقي بين مختلف الأطراف السياسية والنخب الفاعلة من أصحاب المصداقية والمؤهلات في مختلف الميادين ومن سائر المكونات المجتمعية، وذلك بغية التوافق على الخطوات التي ستعتمد في سياق التعامل مع التحديات المشار إليها وغيرها. أما أن تكون جهة محددة هي صاحبة الحق في اتخاذ القرار، وتتجاهل بشكل صريح أو مضمر آراء بقية الأطراف والتيارات والقوى السياسية والشخصيات السورية التي كانت مع الثورة منذ اللحظات الأولى؛ بل مهدت لها منذ عقود، فهذا مؤداه بعثرة الجهود في اتجاهات شتى تستهلك الوقت والطاقات عوضاً عن توحيدها وتركيزها.
ولدينا نماذج من دول ديمقراطية مستقرة متعددة التقت فيها حكوماتها مع معارضاتها لتوحيد المواقف للتعامل مع التحديات المصيرية الوجودية التي تتطلب معالجات حكيمة موضوعية، تتوافق عليها الغالبية، والوضع السوري هو اليوم بأشد الحاجة إلى خطوة من هذا القبيل للتمكن من الوصول إلى بر الأمان.
فسوريا اليوم تواجه، إلى جانب التحديات الداخلية المأتي على ذكر بعضها، تحديات إقليمية ودولية تنذر بالكثير من التدخلات والإملاءات، وفرض المشاريع التي غالباً لن تأخذ تضحيات وتطلعات السوريين بعين الاعتبار.
وحتى لا نجانب الواقعية والموضوعية، علينا أن نؤكد حقيقة أهمية سوريا، ودورها المفتاحي على صعيد الإقليم، ونعترف باستمرارية الصراع الإقليمي والدولي على سوريا بأشكال مختلفة. وفي ظل الصراع الإسرائيلي الإيراني على سوريا ولبنان، والتنافس التركي الإيراني في كل من سوريا والعراق؛ إلى جانب التوافقات الصعبة بين الروس والأمريكان، وهي التوافقات التي لم تبدد هواجس الطرفين، بل ألزمتهما بالتحسب لما قد يقدم عليه الطرف الآخر؛ هذا رغم معرفة الجميع بأن الكلمة النهائية في تحديد مسار الأحداث على المسرح السوري وفي المنطقة بأسرها هي للجانب الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الموقف العربي فقد برز شأنه بصورة واضحة بعد وصول الإدارة الجديدة إلى الحكم في سوريا؛ وهذا ما ساعدد على تحقيق نوع من التوازن الإقليمي، وهو ما سيكون من دون شك لصالح الأمن العربي بصورة عامة، والخليجي على وجه التخصيص؛ ولصالح سوريا والأردن ولبنان وحتى العراق أيضاً.
وكل هذه التشابكات والمنافسات والصراعات بين القوى الإقليمية والدولية تستوجب عقلية مرنة، تستطيع التفكير من خارج الصندوق؛ عقلية مستعدة لاتخاذ قرارات غير عادية تفرضها تحولات نوعية بنيوية على مستوى الإقليم ككل من جهة، وعلى مستوى كل دولة ضمن الإقليم من جهة أخرى. وهذا ما أفلحت فيه الحكومة السورية الجديدة حتى الآن.
ولكن السياسة الخارجية مهما كانت ناجحة لن تعطي ثمارها المرجوة من دون وضع داخلي مستقر، وهذا لن يتحقق من دون طمانة سائر السوريين، وإفساح المجال أمامهم للتعبير عن آرائهم وفق القواعد الديمقراطية المتعارف عليها.
المخاطر التي تواجه سوريا اليوم كبيرة وجدية؛ وفي حال حدوث إنتكاسة لا سمح الله في تجربتها الراهنة مع الإدارة الجديدة ستكون العواقب وخيمة، خاصة في أجواء غياب البديل الوطني الجامع الناضج المقنع، وهذا ما سيفسح المجال أمام القوى الإقليمية المتربصة لمغازلة الولاءات المجتمعية الفرعية ما قبل الوطنية؛ ويمكن أن يؤدي ذلك إلى صدامات داخلية بين السوريين، أو تكريس مناطق النفوذ لتكون مشاريع تقسيم غير رسمية، وربما تظهر جماعات إرهابية متطرفة مثل داعش وما بعد داعش، وهي الجماعات التي تتحرك عادة بناء على توجيهات أجهزة الدول التي لا تريد الاستقرار المستدام في سوريا، نتيجة تناقض ذلك مع مشاريعها وحساباتها.
ومجابهة كل هذه المخاطر، وربما غيرها، في حاجة إلى تكاتف السوريين، وتضافر جهودهم في سبيل تجاوز المرحلة الانتقالية باقل الخسائر الممكنة؛ وهي مرحلة ستكون متخمة بالتوترات والتشنجات، وستكون، كما كانت، هناك أخطاء كثيرة في مختلف الميادين، بعضها له أسبابه الموضوعية: أمنية وعسكرية، مالية وإدارية…الخ، وبعضها الآخر له أسبابه الذاتية من بينها: التوجهات العقائدية الأيديولوجية، والنزعات الفردية، وغياب الرؤية الوطنية الشاملة التي تتعامل مع سائر السوريين سواسية بغض النظر عن خلفياتهم المجتمعية وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.
ولكن كل هذه الأخطاء يمكن معالجتها، والحيلولة دون تحولها من سلوكيات وأعمال فردية إلى توجه عام يؤثر في قرارات وممارسات السلطات الرسمية، وذلك يتطلب وجود حلقات وسيطة فاعلة بين السلطات والنخب المجتمعية السورية في مختلف المجالات ومن سائر الانتماءات والتوجهات، بغية التشارو، وتقديم المقترحات، والتوصل إلى حلول واقعية ممكنة تكون لصالح تعزيز الأمن والاستقرار الداخليين.
ومثل هذه الحوارات ستكون عقيمة في أجواء انعدام الثقة المتبادلة، وطغيان المنطق العدمي الذي يهيمن على ذهنية الكثيرين من المنتقدين للإدارة الجديدة؛ وفي المقابل تتحكم النزعة التسويغية غير النقدية بذهنية المدافعين عن سياسات الإدارة المعنية على طول الخط. فهم يدافعون عن قرارات وممارسات الإدارة من دون أي تمييز بين الإيجابيات لدعهما والبناء عليها، وبين السلبيات لنقدها والدعوة إلى تجاوزها. هذا مع العلم أن تجاوز السلبيات لن يؤدي إلى حدوث أي ضرر واقعي أو متخيل، بل على النقيض من ذلك فإنه سيعزز الثقة، ويقطع الطريق على المزيد من السلبيات التي ستكون عبئاً الآن ومستقبلاً.
ما يحتاج إليه السوريون اليوم أكثر من أي وقت مضى يتشخص في العقلية النقدية التي تعاين الأمور بمنظار العقل والحكمة، وتراعي المصالح الوطنية العليا لا الفئوية أو الجهوية أو الشللية أو الحسابات الشخصية.
ما تحقق حتى الآن هو أمر كبير بل نوعي وتاريخي، ضحى السوريون من أجله على مدى عقود ضرائب باهظة جداً على صعيد الأرواح والمعاناة والتهجير والتدمير والتغييب؛ وهم يستحقون اليوم بكل جدارة حياة كريمة، ومستقبلاً يضمن إتاحة فرص التعليم والعمل لشبابهم، ليتمكنوا من الإسهام المبدع في نهضة بلدهم وتأمين مستقبل واعد لشعبهم.
-----------------------
*كاتب وأكاديمي سوري.

عبد الباسط سيدا
الثلاثاء 17 يونيو 2025