نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


التوحش الثقافي 7






بدأت الثورة الخمينية بوصفها وريثة لثورة الشعب الإيراني على الحكم الدكتاتوري، ولكن الخمينية انقلبت على الميراث الثوري وأسندت لنفسها مهمة الولاية المقدسة والمرشد الأعلى يحمل قدسية خاصة تزعم أنه ولي الحق وصاحب الوصاية ونائب إمام الزمان



 

 
ما استعرضناه في المقالات الماضية يكشف كيف توحشت الثقافة اليوم، تبعا لهذا التشابك السلبي (الإيراني/العربي)، ومنذ الثورة الخمينية عام 1979 ومحاولات تصدير الثورة مستمرة، ابتدأت أمنية وشعارا ثم تمددت مع الزمن والظروف لتأخذ فرصها مرة تلو مرة حتى سدت الأفق على امتداد الحدود من إيران إلى ضواحي بيروت وبقاع لبنان، مغطية العراق كله وسورية كلها، وممتدة لليمن وشمال أفريقيا، ومتوسلة بالوسطاء الذين يستجيبون لشعار الثورة ودعوى إسلاميته التي ستكون إسلامية شيعية (ليس بالمفهوم الشيعي العربي المحايد، وإنما بالمفهوم الصفوي الإمبراطوري الذي يجعل القنبلة النووية أهم معانيه، بما أنها تعزز تطبيق تصدير الثورة وتؤكد على شيطانية الغير، فيجري الإعداد لمواجهة الشيطان الأكبر وسلسلة الشياطين حسب درجات مستواهم من التصنيف في مدينة قم الخمينية.
هنا تتوحش الثقافة حين تتحول من خطابها الثقافي المعتاد عبر ثنائية (العرب/الغرب) تلك التي امتدت على مدى القرن العشرين كله في تفاعل بعضه سالب وبعضه إيجابي، فيما بين علاقتنا مع الغرب الاستعماري أولا ثم الغرب الإمبريالي (أمريكا تحديدا) ثم الغرب العولمي أخيرا، وهي ثنائية تقف على هيمنات الغرب وحسه المستعمر، وفي الوقت ذاته هي حالة وعي بأن الغرب نموذج حضاري متطور -وإن كان استعماريا- وعبر هذا التقاطع كانت الثنائية تدفع للأمام من حيث إنها تصنع التحدي ونقد الذات ومحاولة الخلاص من علل التأخر والركود.
تراجعت ثنائية (العرب ـ الغرب) حتى لتكاد تختفي؛ لأن ثنائية (العرب/إيران) احتلت كل آفاق الاستقبال وآفاق العمل اليومي واللحظوي، وفي كل يوم تفجير وبراميل تقع على رؤوس الناس، ويظهر لك مصطلحات لم تسمع بها من قبل كما ظهر الحوثي في اليمن وكما تحاصرك الشاشة بخطب لحسن نصرالله؛ تذكرك كلما حاولت أن تنسى بأن الشرخ الثقافي عميق وخطير، كما تأتيك تصريحات إيرانية تتفاخر بالاستيلاء على أربع عواصم عربية، وتهدد بالمزيد بدءا من البحرين واتصالا لما بعد.
هذه أجواء تدفع ثقافتنا للعودة إلى الوراء، وتجعل كل ما مضى حاضرا في الواجهة الأمامية للتفكير والعمل، ومنها تظهر الفضائيات الطائفية عند الطرفين، وتشرع في نبش الكتب وما فيها من نصوص كانت نائمة لقرون، ويجري تحويلها سمعيا وبصريا، والحرف النائم في كتاب يتحول إلى شعلة نار تنفثها أفواه تريد أن تؤجج الفضاء الثقافي، وتجعلنا كلنا في معسكرين متقاتلين حتى لتعود معارك الجمل وصفين، وينقسم المسلمون مرة أخرى بين فئتين متقاتلتين، والحق سينحصر على تصورات سياسية وثأرية، ولب المشكلة أن الوعي المستقل والمحايد لم يعد حكما للفصل بين المتخاصمين، ولن يسمع منه أي منهما، وهنا الخطر في تغييب ورفض أي مرجعية نقدية بوصفها مصدرا لقراءة الخطاب وتمييز المصطلحات، هذه حالة التوحش الثقافي السائدة اليوم.
بدأت الثورة الخمينية بوصفها وريثة لثورة الشعب الإيراني على الحكم الدكتاتوري، ولكن الخمينية انقلبت على الميراث الثوري وأسندت لنفسها مهمة الولاية المقدسة والمرشد الأعلى، يحمل قدسية خاصة تزعم أنه ولي الحق وصاحب الوصاية ونائب إمام الزمان، ومن حقه إذًا أن يحكم الزمان ويتحكم فيه، وطرح شعارات طائفية منذ أيامه الأولى وفرض على الكل أن يفكر بثنائية (شيعي/سني)، وهي ثنائية طائفية بالضرورة وتزداد درجة طائفيتها بتناسب سلبي سنة بعد سنة، ولو استعرضت درجات طائفيتها منذ ثورة الخميني 1979 حتى دخول حزب الله سورية 2013 لرأيت كم هي مرعبة أن تتصاعد المشاعر في نظام التهييج والتجييش، ومن ثم تتفجر المخازن الشعورية كأنها ألغام مزروعة في جوف أرض العرب وتنتظر من يفجرها، وهي صيغة لا تقف عند (رد الفعل)، بل إن رد الفعل يتوحش حتى ليصبح (فعلا)، وحينها لن تعرف هل هذا رد فعل لذاك، أم أن كل طرف صار يفعل فعله؛ متخذا الآخر نموذجا له بل مبررا لوظيفته ومسلكه، ورأينا هذا بدءا من تفجيرات الثمانينات التي ابتكرتها إيران في منطقتنا مبتدئة بالحرم المكي، والمدن العربية، الخبر في السعودية، والكويت والبحرين وبغداد، وبيروت في الثمانينات، ثم رأينا كيف صارت هذه التفجيرات نموذجا تطبقه داعش في تقنية متطابقة مع النموذج الإيراني في صناعة المتفجرات وفي تفجير التجمعات المدنية، وهو ابتكار لإيران الخمينية أخذته منها داعش، وهو ما يغير من نظرية (الفعل/رد الفعل) ليصبح تصدير الثورة يعني حصريا تصديرا للنموذج الإرهابي من حيث جعل الإرهاب نظرية سياسية وثقافية، تبدأ أولا من الكلمة (شيعي، سني، مظلومية، أقلية، الشيطان الأكبر)، وهي مصطلحات مشتركة اليوم بين كل المتصارعين، ثم تمتد ثانيا للتوسل بوسطاء لتنفيذ الخطط، ومنها تجنيد شباب وفتيات تحت المعاني الدينية والاستشهادية وطلب الجنة والفئة الناجية، وغيرهم كافر يستباح دمه، وسترى هذا في خطابات نصرالله كما ستراه في خطابات البغدادي. كما تراه في تفجيرات مكة والخبر والبحرين والكويت، حيث نفذها شباب من أبناء البيئة المحلية ومتشبعون بالمعتقد الحافز لمسلكهم، وتكرر النموذج نفسه حيث تنفذ داعش عبر وسطاء بالصفات نفسها، أي من البيئة ومتشبعين بالنظرية المطلوبة للتنفيذ، وهي صيغة المخترع الإيراني من أواخر القرن الماضي وآليات تصدير الثورة.
هنا تتوحش الثقافة، ويتصل التوحش مع ضياع البوصلة حين ينشطر الخطاب الثقافي، حتى ليصبح وكأنه ثلاث وتسعون فرقة، تدعي كل واحدة منها أنها هي صاحبة الجنة، وهي النائب العام لإمام الزمان ولكل منهم إمامه ولكل منهم زمانه، ويرفض إمام وزمان غيره.
هذا الناتج لنظرية تصدير الثورة، وهو تاريخ ثقافي لم نعرفه إلا منذ يوم ثورة الخميني التي ظلت تغذي هذا النوع من الخطاب وتستله من مراقده في بطون الكتب وتنزله إلى الشوارع، وسنة بعد سنة، وظرفا بعد ظرف صار الخطاب هو اللغة السائدة، ومن قبل تلك الثورة ما كان لأي من هذا أي أثر ثقافي ولا أثر عملي، وكانت شوارعنا آمنة وعواصمنا بيد أهلها
--------
الوطن


عبدالله الغذامي
الاحد 15 نونبر 2015