نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


الثورة السورية وأوهام التدخل الخارجي





انطلقت الثورة السورية على شكل انتفاضة شعبية محدودة وبمطالب قليلة لكنها ذات دلالات عميقة، كانت تطالب بالحرية والكرامة. هذا يعني أن المواطن السوري لم يكن حرا وأن كرامته مهدورة، وأنه مكبوت حتى الانفجار


.بعد مرور أشهر عديدة ومع تزايد حملات القمع والتقتيل التي مارسها النظام بحق المتظاهرين السلميين، ارتفع سقف المطالب ليصل إلى إسقاط النظام بكل رموزه، ابتداء من رأسه المتمثل بالرئيس وحتى أصغر شبيح ممن مارس القتل والتعذيب والاعتقال والاعتداء على أعراض الناس وممتلكاتهم.
كلما ازداد قمع النظام ارتفع سقف المطالب الشعبية إلى أن وصلت الأمور إلى هذا المستوى الهمجي والوحشي من القتل الجماعي وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها وتدمير البلدات والأحياء والمساجد والمستشفيات الميدانية، في قصف بأكثر أنواع الأسلحة فتكا من دبابات وصواريخ ومدافع وطائرات.
في ظل هذه الظروف المأساوية، كثر الحديث عن التدخل الخارجي لحماية المدنيين وخلق مناطق محمية كملاذات آمنة للنازحين وللمنشقين عن الجيش النظامي، إضافة إلى خلق ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء للمنكوبين في الأحياء المحاصرة والمستهدفة بالقصف والتدمير.
ومع مرور الوقت وازدياد وتعميم التدمير الممنهج لكل المناطق التي تنطلق منها المظاهرات المطالبة بالحرية وإسقاط النظام، أصبح الحديث أكثر وضوحا عن ضرورة التدخل العسكري الخارجي لتخليص الشعب من جلاده.
عام كامل يمر ونهر الدم لم يتوقف على أرض سورية. عام كامل والشعب يعاني من كل صنوف القتل : حوالي عشرة آلاف شهيد وأكثر من ثلاثين ألف جريح وعشرات آلاف المعتقلين والمختفين والنازحين، كل ذلك والعالم يتفرج على تلك المأساة الإنسانية، لا يريد أن يمد يده لحماية وإنقاذ الشعب السوري من نظامه الديكتاتوري الهمجي القاتل. لماذا؟ ...
أعتقد أنه من الضروري فهم أن عدم الاستعداد للتدخل العسكري الخارجي لم يكن مرتبطا بالفيتو المزدوج الروسيـي ـ الصيني، بل بالأساس بعدم وجود الرغبة ولا الإرادة ولا المصلحة لدى الغرب للتدخل العسكري وحماية الشعب السوري ومن ثم إسقاط النظام. كل ذلك لكون الثورة السورية كانت وما زالت ثورة شعبية عفوية لم يخطط لها أحد من الغرب ولا من الشرق، ولا هي مرتبطة بأحد ولا بأي مؤامرة دولية كما تدعي أبواق النظام.
أصالة الثورة الشعبية وانطلاقها من الظروف الموضوعية التي يعيشها أبناء الشعب السوري بكل ما فيها من ظلم وقهر وإذلال، جعلت هذه الثورة يتيمة على الصعيدين العربي والدولي لأنها أخافت كل القوى التي تعاملت مع هذا النظام وخبرت استعداده لتقديم أية تنازلات على الصعيد الوطني والقومي وتحرير الجولان من أجل استمراره في الحكم، وعلى رأس تلك القوى إسرائيل .
لقد تعامل الغرب طويلا مع عائلة الأسد ابتداء من الأب حافظ إلى الإبن بشار، وعرفوا كل الخدمات التي قدمتها تلك العائلة للغرب وإسرائيل على وجه التحديد .
الأب متهم بتسليم الجولان لإسرائيل بدون قتال، ووقع معها اتفاقية فصل القوات منذ حرب 73 واحترم وقف إطلاق النار بشكل أدهش الإسرائيليين أنفسهم، ومنع تشكيل أي نوع من المقاومة الشعبية لتحرير الجولان، وحوّل ضباط الجيش إلى مقاولين ومنتفعين وتجار، لكن حين كانت هناك مصلحة إسرائيلية وغربية سمح للجيش السوري دخول لبنان ليتم ضرب المقاومة الفلسطينية إضافة إلى ضرب القوى اليسارية في هذا البلد الشقيق واغتيال الرموز الوطنية فيه.
حارب الأب شعبه بحجة القضاء على القوى الإسلامية التي وضع الغرب كل ثقله لمحاربتها في كل مكان من العالم العربي والإسلامي بعد أن استنفذ الغاية منها في حربه على الاتحاد السوفييتي سابقا في أفغانستان، ومجزرة حماة مازالت حية في الأذهان .
دخل الأب جوقة التحالف الغربي الثلاثيني لمحاربة الجيش العراقي وإخراجه من الكويت.
أما الإبن، ورغم وعوده الإصلاحية في بداية عهد التوريث، فإنه سار على نفس النهج الذي كان عليه الأب من قمع واستبداد وإفساد للمجتمع والجيش، ومحافظة على صمت القبور على جبهة الجولان رغم الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة واختراق طائراتها الأجواء السورية أكثر من مرة وضربها وتدميرها لمشروع المنشأة النووية في دير الزور، بينماكان يتلاعب بالوقت طوال السنوات تحت عناوين المفاوضات المباشرة وغير المباشرة .
كما قدم الابن خدمات كبيرة للإدارة الأمريكية في ملاحقة ما يسمى بالإرهابيين وتسليمهم لها، إضافة لمنع المتسللين الذين كانوا يدخلون العراق لمساعدة المقاومة العراقية في مواجهتها للاحتلال الأمريكي .
كل تلك الخدمات أدت إلى أن يسكت الغرب عن اتهام النظام بمقتل رفيق الحريري ـ رئيس الوزراء اللبناني الأسبق ـ وإلصاق تلك التهمة، أو توجيه الأنظار مرة نحو إيران وأخرى على حزب الله حتى "ضاعت الطاسة"،( ربما تشارك لجميع في تلك العملية الكبيرة)، وتمّ تأهيل النظام من جديد بعد أن تم إجباره على مغادرة الأراضي اللبنانية بالشكل المذل الذي شاهدناه جميعا.
إن نظاما بتلك المواصفات لا يمكن للغرب أن يتخلى عنه بسهولة ولا أن يتدخل عسكريا لإسقاطه.
صحيح أن الدول تتعامل بلغة المصالح وليس بلغة العاطفة، وإذا ما تعرضت مصالحها للخطر أو حينما تنتهي صلاحية حاكم ما في خدمتها، فإنها تبحث عن بديل آخر يؤمن لها مصالحها بنفس الطريقة أو بشكل أفضل، أي أن البديل يجب أن تختاره هي من بين مجموعة من العملاء، أو المطواعين، أو الأكثر استجابة لتحقيق مصالحها واستراتيجياتها.
الدول الكبرى لا تغامر بدعم ثورة شعبية لا تعرف من يقودها ولا تعرف عن برامجها ومخططاتها شيئا، لا تعرف من هي قياداتها وكيف تفكر، وما هي مواقفها من إسرائيل ومن قضية تحرير الجولان والأرض الفلسطينية المحتلة والكثير من القضايا السياسية المتعلقة بالغرب عموما وإسرائيل على وجه الخصوص.
وبما أن الوضع الحالي كما هو عليه يشكل أفضل ما يمكن أن تحلم به إسرائيل لكونه يضعف النظام ويضعف قوى الشعب ويوصله إلى حافة الحرب الأهلية أو التقسيم، فلماذا يستعجل الغرب وإسرائيل إسقاط النظام؟ إن من مصلحتهم استمرار الوضع بل وتأزيمه أكثر لإنهاك الجميع وتدمير سورية أرضا وشعبا.
إن الحجة التي تسوقها الدول الغربية بأن المعارضة غير موحدة ليست إلا غطاء لقرار أساسي متخذ بعدم التدخل حتى إيجاد بديل أفضل لنظام بشار يرضي الغرب وإسرائيل.
وما استخدام كل من الصين وروسيا لحق النقد في مجلس الأمن ليس إلا الوجه الآخر من اللعبة السياسية الدولية في تقاسم مناطق النفوذ وإثبات الوجود وليس له أي علاقة بمصلحة الشعب السوري، وقد تكون الدول الغربية مرتاحة ضمنيا لهذا الفيتو الذي أزاح عن كاهلها شيئا من الحرج في عدم اتخاذ أي قرار لحماية المدنيين.
أما ما يكرره المسؤولون الغربيون في كل مرة يتكلمون بها عن ضرورة حماية الأقليات وتمتعها بحقوقها فهو حديث خبيث لبث التفرقة، وكأن هؤلاء المسؤولين نسوا أن سوريا محكومة بنظام لا يخفي جانبه الفئوي واعتماده على أقلية معروفة منذ أكثر من أربعة عقود .
إن مسؤولية النظام في إيصال الأمور إلى هذا الحد من الخطر هي مسؤولية كاملة سيحاسبه التاريخ عليها بدون أدنى شك.
قد يكون من الأفضل للثورة ألا يحدث أي تدخل خارجي عسكري لإسقاط النظام فهذا عنوان طهارتها وصدقها ورسوخها في أوساط الجماهير، ورغم أن ذلك يعرضها للكثير من التضحيات لكنها ومهما طال الطريق، منتصرة بإذن الله وبإرادة وتضحيات شبابها، بدون أن تكون مدينة لأحد بشيء وتبقى حرة من أية قيود خارجية.

د . هشام رزوق
الثلاثاء 28 فبراير 2012