نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


الجزائر .. رئيس منتخب وشرعية ناقصة




سيعاني الرئيس الجزائري الجديد، عبد المجيد تبّون، طوال فترة ولايته من التشكيك في شرعيته، على الرغم من أن نحو 40% من الجزائريين الذين يحق لهم التصويت انتخبوه، والذين قالت السلطة إنهم شاركوا في أكثر انتخاباتٍ مثيرةٍ للجدل في تاريخ الجزائر المستقلة. ففي وقت كانت فيه السلطة تعلن انتخاب تبّون رئيسا، كانت شوارع الجزائر العاصمة تغصّ بالمتظاهرين، ليس من أجل الاحتفال بتنصيب الرئيس الجديد، وإنما للإعلان عن استمرارهم في المطالبة بإسقاط النظام، ورفض الانتخابات التي قاطعتها شرائح واسعة من الجزائريين، خصوصا في منطقة تيزي وزو الأمازيغية، وفي مدينة وهران حاضرة الغرب الجزائري التي شهدت خروج أكبر مظاهرة رافضة نتائج الانتخابات. أما نسبة المشاركة التي أعلنت عنها السلطة فقد شكك فيها مراقبون كثيرون، ويصعب التأكد من صحتها، لأن الانتخابات جرت بعيدا عن كل مراقبة دولية محايدة.


منذ بدأ الحراك الشعبي في الجزائري في شهر فبراير/ شباط الماضي، رافضاً الولاية الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، عرفت السلطة كيف تلعب على عامل الوقت، لاستنزاف الحراك، وفرض الأمر الواقع تدريجيا، وصولا إلى مرحلة تنصيب رئيس جديد، هو جزء من النظام الذي ما زال المتظاهرون يخرجون كل أسبوع للإعلان عن رفضهم له، فهل ستستمر السلطة في إنكارها الواقع في حالة استمرار خروج المظاهرات، وبالزخم نفسه الذي شهدته منذ انطلاقها، خلال الأسابيع والشهور المقبلة، وربما السنوات المقبلة؟ الجواب مرتبط بدينامية الحراك، وأيضا برد فعل السلطة في الجزائر، خصوصاً مؤسسة الجيش، الحاكم الفعلي في البلاد، فطوال الشهور التسعة الماضية، كانت مؤسسة الجيش في مواجهة مباشرة مع الشارع، ونجحت، إلى حد كبير، في ربح رهان عدم الانزلاق إلى استعمال العنف المباشر في مواجهة 
المتظاهرين. ولكن بعد تنصيب رئيس مدني، تغيرت أرقام المعادلة، بما أن سلطة الجيش التي كانت مكبّلة إلى حد ما في تصرّفاتها أصبحت اليوم أكثر حريةً في حركتها من خلف ستار حاكم مدني ستحمِّله مسؤولية كل قراراتها، كما دأبت على فعل ذلك خلال العقود الستة الماضية، هي تاريخ الجزائر المستقلة التي حكمها دائما الجيش.
تطوّر الأوضاع في الجزائر مستقبلا رهين بمدى استمرار الحراك في مواصلة رفضه السلطة القائمة، وأيضا بمدى قدرة السلطة على إعادة ضبط الواقع لإعادة الأمور إلى ما قبل شهر فبراير/ شباط الماضي. ولكن في كل الحالات، فإن الشهور التسعة الماضية من الحراك المستمر أحدثت تغييراتٍ كبيرة في بنية الشارع الجزائري الذي اكتسب خبرة كبيرة في التظاهر والمناورة. وفي الوقت نفسه، أسقط جدار الخوف الذي ظل الجيش يحكم به البلاد بيد من حديد ونار طوال العقود الماضية.
وإذا كانت قدرة الشارع على الاستمرار في التظاهر مرتبطةً بمستوى التعبئة داخل صفوفه، فإن مناورة النظام، وخصوصا الرئيس الجديد المنتخب تبقى رهينةً بهامش حرية الحركة التي سيتمتع بها في تنفيذ إصلاحات حقيقية، من شأنها أن تستجيب لمطالب الشارع، ولو بالتقسيط، وعلى فترات متوالية، كما حصل خلال الشهور الماضية.
ولكن أكبر عائق سيواجه الرئيس الجديد هو التشكيك في شرعيته التي يرفضها الحراك. وأكبر تحدٍّ يواجهه اليوم إذا أراد أن يقنع ممثلي جبهة الرفض في الشارع بالجلوس معه على طاولة الحوار الذي دعاهم إليه هو إقناع الجزائريين بحسن نيّته، وباستقلال قراراته عن مؤسسة 
الجيش. وبكلمةٍ واحدة، نجاح الرئيس الجزائري الحالي رهين بمدى قدرته على فرض نفسه رئيسا "شرعيا" لجميع الجزائريين؟ وإلى أي حدٍّ سينجح في التخلص من صورة "مرشح الجيش"، ومن وصف "ابن النظام القديم" الذي يطالب الجزائريون بإسقاطه؟
لقد نجح الحل الانتخابي في إيجاد غطاء شرعي للجيش لإدارة اللعبة السياسية بحريةٍ من خلف الكواليس، كما دأب دائما أن يفعل. ولكن إلى أي حد سيمنح الجيش في المقابل الحرية للرئيس الجديد لإثبات شرعيته، إلى حين استتباب الأوضاع وعودة المتظاهرين إلى بيوتهم؟ فالرئيس الحالي لا يملك كاريزما بوتفليقة، ولا تاريخه الذي أكسبه شرعية تاريخية في بداية ولايته عام 1999، مكّنته من فرض نفسه رئيسا فعليا للجزائر، خصوصا في العهدتين الأوليين من حكمه، قبل أن يتحول هو نفسه إلى رهينة لدى نظام "الأوليغارشية" الذي أحاط به نفسه.
يختلف الوضع اليوم في الجزائر عما كان عليه قبل عشرين سنة، وإعادة سينايو بوتفليقة جديد يحظى بتزكية الجيش، صانع الملوك في الجزائر، لم يعد أمرا مستساغا لدى متظاهرين شباب تعلموا كثيرا من ثورات "الربيع العربي"، وراكموا تجربة عدة شهور من فن وثقافة التظاهر السلمي والحضاري الذي يعرف كيف يكسب مطالبه بالنقاط، وليس بالضربات القاضية. وبالنسبة للنظام أو ما تبقى منه، فقد لعب آخر أوراقه، وهي تنصيب رئيس جديد للجزائر. ولكن ما سيفشل فيه هو إقناع الجزائريين المتظاهرين بأن هذا هو التغيير الذي ينادون به، ولذلك سيجد نفسه في حال استمرار ضغط الشارع مضطرا للاستجابة تدريجيا لمطالبهم، من أجل كسب ثقة الناس، وإثبات مصداقية خطواته لديهم. أما الشارع فما زال الطريق أمامه طويلا، لتحقيق مطلبه الأساسي إذا أراد إسقاط النظام وبناء الجمهورية الجزائرية الثانية، ومن ستكون له كلمة النهاية هو من سيكسب حرب الاستنزاف المقبلة التي ستكون لا محالة طويلة ومكلفة.
------------
العربي الجديد

علي أنوزلا
الاربعاء 18 ديسمبر 2019