نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


السعودية تكتشف الشعور بـ"العزلة"






في أجواء مغايرة لما سبقها، يحتفل النظام السعودي في هذه الأيام بالذكرى السنوية الـ87 لتأسيس المملكة، أو بدقة أكثر، بإعلان المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود (23 سبتمبر/ أيلول 1932)، ملكًا على أجزاء المملكة الحالية.

في احتفالات هذا العام، يجري التركيز والتأكيد على التكامل والتماسك بين النظام والشعب، بينما بات التركيز على محاربة الأعداء الخارجيين والمؤامرات والهجمات التي تستهدف المملكة أكثر وضوحًا من أي وقتٍ مضى.


  وبطبيعة الحال، فإن الإصلاحات في مجال الاقتصاد والتعليم والصحة والترفيه، وكذلك حقوق المرأة، في إطار رؤية 2030 لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أخذت مكانها في هذه الاحتفالات وعلى لوحات الإعلانات.
وما يجعل الاحتفالات هذا العام ذات مغزى، هو الهجوم الذي استهدف اثنين من المصانع الهامة التابعة لشركة النفط الوطنية السعودية أرامكو، قبل أكثر من 10 أيام.
أعلن الحوثيون المؤيدون لإيران، والمناهضين لقوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن، مسؤوليتهم عن الهجوم، فيما حملت واشنطن والرياض إيران مسؤولية الهجوم واعتبرته سببًا لنشوب حرب.
وبينما قال البنتاغون إنه يجب أن يكون هناك رد أقوى ضد إيران، اكتفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتصريح أن بلاده لا تريد محاربة إيران، بل وحتى إن واشنطن لا تستطيع القتال من أجل السعودية، إلا أنها مستعد لدعم الرياض في حالة دخولها حربًا ضد طهران. لكن هذا الدعم بالطبع، سيكلف السعودية ثمنًا باهظًا.
يذكر أن ترامب كشف، في أحد التجمعات الحاشدة قبل عدة أشهر، بشكل استعراضي، محادثة هاتفية أجراها مع العاهل السعودي الملك سلمان، ساخرًا من الملك كما لو كان يطالبه بالخراج.
في الواقع، إن تصريحات ترامب هذه تتناقض مع الاتفاق الذي عقدته الدولة الأمريكية مع عائلة آل سعود في 14 فبراير/ شباط 1945، بين الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين ديلانو روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود، حيث تكفل الدولة الأمريكية وفق هذا الاتفاق بأمن عائلة آل سعود، فيما تنتقل السعودية استثمار موارد النفط من البريطانيين إلى الأمريكيين. ومنذ ذلك اليوم، والمملكة العربية السعودية تدفع فاتورة ذلك الدعم.
وبالانتقال إلى هجوم أرامكو بعد هذا الاستعراض الموجز لأهمية العلاقات بين البلدين؛ فإن عدم وضوح المكان الذي انطلق منه الهجوم الذي يشكل تهديدًا لموارد الطاقة في العالم والمواقف المتناقضة للإدارة الأمريكية حليف الرياض التاريخي والقديم، تجاه طهران، تزعج إدارة الرياض، التي ورغم إحجامها عن إعلان انزعاجها، إلا أنها وعلى الأرجح، قد عبرت عن موقفها ومآخذها لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، خلال الزيارة الخاطفة التي أجراها إلى الرياض وأبو ظبي الأسبوع الماضي.
وبطبيعة الحال، فإن المجال الذي يتم فيه التعبير بوضوح عن هذا الانزعاج الرسمي هو بلا شك الوسائط المرئية والمكتوبة للإعلام السعودي، الذي عرفناه في الغالب ينقل الأخبار غير الصحيحة والافتراءات حول تركيا. وملاحظ أن هذا الإعلام ارتفعت نبرته المنتقدة للولايات المتحدة، خاصة بعد الهجوم الذي استهدف أرامكو. لكن اللافت أن هذه الانتقادات تأتي من صحيفة "عكاظ" المعروفة برفعها للواء مناهضة تركيا.
وكتب أحد الكتاب في جريدة عكاظ، حمود أبو طالب، مقالًا استثنائيًا حمل عنوان "لا حليف لنا إلا نحن".
إن عنوان المقال هذا يذكرنا بالقول الكلاسيكي السائد لدينا في تركيا، والذي يقول "لا صديق للتركي غير التركي".
في الواقع، فإن الكاتب يذكر في مقاله أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لم يتفاعلوا بجدية مع الهجوم الذي استهدف أرامكو، أحد شرايين الطاقة في العالم.
ويقول الكاتب السعودي بشأن موقف الولايات المتحدة المختلط تجاه إيران: التصريحات الأمريكية المتضاربة للرئيس ترامب وأركان إدارته، وتباين تصريحات ترامب نفسه من النقيض إلى النقيض، تفيدنا بميوعة الموقف الأمريكي الملتبس أساسًا تجاه إيران. كما أن الموقف الأوروبي دائمًا يميل لصالح إيران. فرنسا وألمانيا مثلًا، وبريطانيا التي تدور في الفلك الأمريكي مشغولة بأزمتها الداخلية وفي النهاية تبصم مع أمريكا.
وأشار الكاتب السعودي أن روسيا رغم تصريحات المجاملة الدبلوماسية لبوتين بدعم المملكة، إلا أن تناغمها وتنسيقها الكبير مع إيران في ملفات المنطقة وفي سوريا على وجه الخصوص بات معروفًا. وتابع: الصين تكاد تتجاهل تماما ما يحدث رغم أنها من أكبر المعتمدين على النفط السعودي. ويتساءل قائلا: من بقي إذاً؟. الجواب الحقيقي الذي يمكن استنتاجه أن لا أحد سيتدخل بحسم لوقف تمادي إيران وتهديدها لأمن المنطقة ومصادر الطاقة الأهم للعالم.
وأضاف أبو طالب: اللعب على التناقضات والأزمات والأوضاع المضطربة هي سياسة الدول الكبرى لإدارة مصالحها، فهم يختلفون على جزئيات هامشية لكنهم يتفقون على الاستراتيجيات العامة، ومن السطحية والسذاجة الاعتقاد بأن أمن المنطقة يهم تلك الدول أو يعني لها شيئا، لقد قرروا بوضوح وصراحة إشعال المنطقة بالفوضى عبر مشروع الربيع العربي لتحويلها إلى هشيم وإعادة ترتيب موازين القوى فيها، ومن المفيد لهم أن تستمر إيران في تصعيدها لجر المنطقة إلى حافة الهاوية، فإذا كان لإيران وكلاؤها في دول عربية فإنها هي أحد أهم وكلاء الكبار الذين خططوا ما يراد من الخارج لمنطقتنا.
من المهم جدًا اعتراف أبو طالب بالحقيقة المريرة، وإن جاء هذا الاعتراف متأخرًا؛ ومع ذلك، ربما تكون النقطة الأكثر أهمية في المقال هي تأكيد الكاتب على أن السعودية صارت وحيدة وبحاجة لوضع خطط واستراتيجيات مبنية على هذا الأساس. وبدون ذكر اسمه قال الكاتب إن الابتزاز الرخيص الذي تمارسه إدارة ترامب بات واضحًا ويجري ممارسته على الملأ، وقال: إذا أردنا التعامل مع الوضع بتجرد ووضوح فذلك يتطلب معرفة أننا الآن لوحدنا ويجب أن نتدبر أمرنا على هذا الأساس. حلفاء الأمس لم يعودوا اليوم كما كانوا، وابتزازهم الرخيص في أخلاقياته الغالي في ثمنه بادعاء الوقوف معنا في الأزمات أصبح مكشوفا. وهنا لا نعني المملكة وحدها فحسب بل هذه الكتلة الخليجية التي تمثل إلى الآن الكتلة الناجية من مشروع الفوضى والمتماسكة أمنيا واقتصاديا، والتي يتم التحرش بها وتهديدها عبر أكبر وأهم دولة فيها. فكروا جيدا أيها العقلاء لأننا أمام خطر وجودي غير مسبوق.
وفي نفس الصحيفة، طالب أحمد عوض في مقالة كتبها، من الجميع اتخاذ موقف واضح تجاه الهجمات التي استهدفت أرامكو، مشيرًا أن أحدًا لا يملك خيارًا آخرًا، فإما أن يكون مع السعودية أو ضدها، في مصطلح يذكرنا بالرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. وأضاف عوض في مقالته أن الصمت لن يغير أي شيء، وأن أحدًا لن يتحرك لحماية أمن السعودية ما لم تتحرك هي من أجل هذه الغاية، مشيرًا إلى تزايد خطر إيران وتجاوز الميليشيات المناصرة لها الخطوط الحمراء.
ولفت الكاتب إلى أن الهجوم الأخير على أرامكو لم يستهدف المملكة العربية السعودية فقط، بل شكل اعتداءً على استقرار وأمن الاقتصاد العالمي. مشيرًا أن الرياض تلعب دورًا مهمًا في تنمية العالم، والحفاظ على استقرار أسعار النفط وإنتاجه، وأن المجتمع الدولي لا يستطيع التزام الصمت تجاه استهداف أكبر شركة نفط في العالم من حيث الإنتاج والمخزون.
فيما تساءل الكاتب في جريدة الجزيرة منصور ماجد الذيابي، في مقالة أفرد فيها حيزًا مهمًا لشره أهمية أرامكو وموقعها في سوق الطاقة العالمية، عن أسباب صمت الدول الكبرى على هجوم أرامكو، مشددًا على وجود حاجة لضمان أمن موارد الطاقة والتعاون العسكري والاقتصادي.
وفي نفس الصحيفة، قال خالد بن حمد المالك إن هجوم أرامكو لم يكن هجومًا ضد السعودية فقط، بل كان هجومًا على الاقتصاد العالمي والدول الإقليمية، واستهدف سلامة العالم وأمنه، وشدد على ضرورة أن يقف العالم كله إلى جانب الرياض.
فيما أشار عبد الرحمن الراشد، الكاتب في جريدة الشرق الأوسط، إلى أنه من الصعب على العقل السياسي الغربي أن يفهم إيران، لأنه ينظر إليها كدولة، جمهورية لها مقعد وعَلَم في الأمم المتحدة، وهي في الواقع ليست سوى تنظيم ديني إرهابي مماثل لـ"القاعدة" و"داعش".
وبالمحصلة، يبدو أن المملكة العربية السعودية، التي تتكئ على الولايات المتحدة، ليس لها أصدقاء آخرين غير السعوديين أنفسهم. وفي الوقت الذي لا يوجد فيه دولة واحدة لم تتضرر من تحالفها مع الولايات المتحدة، كان لا بد على الرياض أن تفكر في هذا اليوم الذي ستحصل فيه على حصتها من هذا الضرر.
السعوديون الذين يفقدون بسرعة حلفائهم المحتملين في المنطقة، وبدلًا من مد جسور التحالفات مع تركيا وإيران الفاعلين المهمين في المنطقة، ورفع الحصار الجائر المفروض على الشقيقة قطر، لم يبق في أيديهم سوى تحالف هش مع دولة الإمارات العربية المتحدة. لذلك، من المهم بالنسبة لاستقرار المنطقة أن تراجع إدارة الرياض تصورها للتهديدات والتحالفات الكلاسيكية، وتتبع سياسات توحد الأمة وتتحول نحو تحالفات بديلة.
وفي هذا السياق، يمكننا القول إن التعليقات التي تشكك في جدوى التحالف مع الولايات المتحدة، والمننشرة في وسائل الإعلام السعودية، والتي نعتقد أنها ليست بعيدة عن الخطاب الرسمي، تشكل مبعث أمل جديد في المنطقة.
---------
الأناضول

خليل جليك
السبت 5 أكتوبر 2019