، فالمعارضة " اللينة " إن جاز التعبير ، اعتبرت هذا القرار أشبه بفتح سماوي وبنقطة تحول أساسية في مجريات الصراع ، ولهذا السبب قرأت القرار بكثير من التفكير الرغبوي المبني أساسا على وهم بأن العالم قد قرر فجأة حل المعضلة السورية وفق جدول زمني قصير نسبيا " 18 شهرا " وهذه المعارضة لا تنطلق في قراءتها لهذا القرار من تحليل واقعي لمعطيات الصراع وللتوازنات الإقليمية والدولية ، بل تنطلق من رغبة اساسية عندها في التفاهم مع نظام بشار الأسد وهذه الرغبة تدفعها دوما لافتراض حسن النوايا والعمل وفق مصفوفة من الخيارات البعيدة عن أرض الميدان ، مفترضين أن هذا النظام الذي خاض حربا شرسة ضد شعبه وامتنع عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية ، سيذهب اليوم إلى حل سياسي فقط لأن دولا أساسية في الصراع توافقت أو ادعت التوافق على ضرورة إيجاد حل .
في المقابل المعارضة " الصلبة " إن جاز التعبير أيضا ، قرأت هذا القرار بتوجس شديد وبكثير من الريبة حول مضمونه وأهدافه البعيدة والتي ستؤثر على وضعها ووجودها على الأرض ، وكأن من يصنع الواقع هو القرارات الدولية وليس الميدان ، وربما كان من حق هذه المعارضة ولا سيما الفصائل العسكرية أن ترتاب في هدف هذا القرار ومحاولته خلق سياق جديد للتعاطي مع الحالة السورية .
إن أي تحليل للقرار 2254 لا يمكن أن ينطلق من القراءة الكلاسيكية لقرارات مجلس الأمن ، فهذا القرار بعيد إلى حد كبير عن الأساسيات القانونية للقرارات المماثلة ، ولذلك يجب عدم إضاعة الوقت في تحليل بنية القرار استنادا لقواعد القانون الدولي ، بل يجب تحليله انطلاقا من اللحظة السياسية الراهنة باعتباره قرارا يعبر عن تسويات سياسية غامضة بين قوى دولية وإقليمية متناقضة في الرؤية والمصالح .
إن الوهم الذي ساد في أوساط البعض بأن هذا القرار سيفتح طريقا للحل انطلاقا من لحظة توافق دولي ، هو نوع من وهم الذات وليس حقيقة واقعة ، فالتوافق الدولي مازال بعيدا عن أرض الواقع ، ويجب عدم الخلط بين التوافق الدولي على ضرورة إيجاد حل وهذا مفترض وموجود ، وبين التوافق على شكل الحل ومخرجاته ، وهو أمر مازال غير موجود في الظروف الحالية ، فجميع الدول باتت تدرك أهمية ضبط آليات الصراع وحصره ضمن الجغرافيا السورية ، وهذا يتطلب سحب بعض العوامل الإقليمية وإحلال عوامل أخرى ضمن المشهد السوري ، ولهذا نرى نوعا من التوافق أو الرغبة الدولية بسحب العامل الإيراني من المشهد السوري تدريجيا وإحلال العامل الروسي مكانه كلاعب أساسي ممثل وضامن للنظام ، وفي المقابل سحب العامل التركي وإحلال العامل السعودي مكانه كلاعب أساسي وكضامن للمعارضة ، إن نقطة الانطلاق هذه تفترض إمكانية التفاهم بين السعودية وروسية في وقت لاحق بعد تخفيف أثر العاملين التركي والإيراني باعتبار تفاهمهما على شكل الحل في سورية بات في خانة المتعذر ، إن هذه الرؤية بسيطة وسطحية لأنها لا تراعي مجمل الاشتباك الإقليمي الدائر في كامل الإقليم وترابط هذه الملفات مع بعضها بشكل عضوي من اليمن إلى العراق ولبنان وسورية ، إن إيجاد تسوية جزئية لملف من هذا الملفات غير ممكن في الوضع الحالي ، لأن القوى الإقليمية المتصارعة مازالت مندقعة ولم يتعرض أي منها لخسارة كبرى تدفعها لإعادة النظر بموقفها .
وبالعودة إلى القرار 2254 فإن أهم ملاحظة يمكن إيرادها عليه بأن اللغة المستخدمة في هذا القرار ليست حاسمة وهي لغة ضعيفة لا تعبر عن قرار دولي بإيجاد حل ، بل جاءت لغة غامضة تسمح لكل طرف بتفسير هذه العبارات وفق ما يريد ، وإذا اعتبرنا أن أساس الحل في سورية هو تحقيق عملية انتقال سياسي للسلطة يفتح الطريق أمام خلق آليات تفضي لصياغة دستور جديد وعقد اجتماعي يتفاهم عليه السوريون ، فإن اللغة التي استخدمها القرار الدولي في هذا الشأن مازالت لغة غير حاسمة بل إنها تعتبر تراجعا عن اللغة الحاسمة والواضحة المستخدمة في قرار مجلس الأمن رقم 2118 تاريخ 27 ايلول عام 2013 والذي نص في فقرته السادسة عشر على أن بداية الحل في سورية هي بتأسيس هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية ، بينما نجد في القرار الجديد أنه استخدم مصطلح " تأسيس حكم ذو مصداقية خلال ستة أشهر " وهذا يعني أن المعارضة وحلفائها التقليديين سيذهبون لتفسير كلمة " حكم " بأنها هيئة الحكم الانتقالي التي تحدث عنها بيان جنيف ، بينما سيذهب النظام وحلفاؤه إلى تفسير هذه الكلمة على أساس أنها حكومة وحدة وطنية تحت سلطة بشار الأسد ، إن هذا بالضبط يمكن أن يشكل لنا رؤية حقيقة لغياب التوافق الدولي على الحل في سورية ، فتقريب وجهات النظر بين الحالتين ما تزال متعذرة حتى اللحظة .
إن التوافق الوحيد الموجود في القرار الدولي الجديد ، هو توافق على محاربة ما يسمى بالإرهاب ، وهنا مربط الفرس ، فهذا القرار في حقيقته موجه أصلا لتكثيف الجهود الدولية وجمع المتناقضات تحت سقف واحد وهو مكافحة الإرهاب ، أما الحديث عن حل سياسي فهو اللازمة الضرورية للتغطية على هذا الموضوع الأصلي ، والحديث عن برنامج زمني للحل السياسي ليس أكثر من ساتر دخاني يخفي حقيقة هذا القرار باعتباره موجه أصلا لمحاربة الإرهاب وفق وجهة النظر الدولية .
لقد أسقط القرار حقيقة ما يجري في سورية واعتبره مجرد صراع بين أطراف متعددة متساوية في المسؤولية ، وأن أخطر مافي هذا الصراع هو نمو ظاهرة الإرهاب والتطرف ، ولذلك وضع هذا القرار آلية غريبة لمحاربة الإرهاب ، فهو كلف الأردن بوضع تصنيف للجماعات الإرهابية على أن يعرض هذا التصنيف على الفريق الدولي" دول بيان فيينا " وبعد ذلك يذهب هذا التصنيف لمجلس الأمن لاعتماده بقرار سيصدر لاحقا بناء على الفصل السابع وهو ما سيعطي تفويضا للدول ولا سيما روسيا باستمرار عملياتها العسكرية في كل الأرجاء السورية وحيثما ترى أن هناك فصيلا إرهابيا حسب التصنيف الذي سيصدر لاحقا .
ولعل أغرب مافي القرار الدولي أنه في الفقرة الثالثة أعطى تفويضا لدول " فيينا " بالتعبير عن إرادة الأمم المتحدة ، وهذه سابقة في القانون الدولي لم تحدث من قبل وهو عبارة عن تنازل مجلس الأمن عن صلاحياته لهذه الدول ، وهذا يعني انسحاب المنظمة الدولية من المشهد السوري لصالح مجموعة من الدول لا تتفق برؤيتها ولا بأهداف تدخلها في سورية .
إن هذا القرار ليس قدرا محتوما على السوريين ويبقى إمكانية التعامل معه قائمة إذا أدرك السوريون حقيقة توازنات القوى الإقليمية ومكامن القوة عندهم ، والابتعاد عن خداع الذات بإمكانية تحقيق حل سياسي في الوضع الراهن ، وهذا يعني أن على المعارضة الذاهبة لمحادثات جنيف القادمة أن تدرك أنها تذهب إلى طريق مجهول يجب أن تحاول تجنب الأفخاخ الكبيرة المنصوبة فيه .
-----------
اورينت نت
في المقابل المعارضة " الصلبة " إن جاز التعبير أيضا ، قرأت هذا القرار بتوجس شديد وبكثير من الريبة حول مضمونه وأهدافه البعيدة والتي ستؤثر على وضعها ووجودها على الأرض ، وكأن من يصنع الواقع هو القرارات الدولية وليس الميدان ، وربما كان من حق هذه المعارضة ولا سيما الفصائل العسكرية أن ترتاب في هدف هذا القرار ومحاولته خلق سياق جديد للتعاطي مع الحالة السورية .
إن أي تحليل للقرار 2254 لا يمكن أن ينطلق من القراءة الكلاسيكية لقرارات مجلس الأمن ، فهذا القرار بعيد إلى حد كبير عن الأساسيات القانونية للقرارات المماثلة ، ولذلك يجب عدم إضاعة الوقت في تحليل بنية القرار استنادا لقواعد القانون الدولي ، بل يجب تحليله انطلاقا من اللحظة السياسية الراهنة باعتباره قرارا يعبر عن تسويات سياسية غامضة بين قوى دولية وإقليمية متناقضة في الرؤية والمصالح .
إن الوهم الذي ساد في أوساط البعض بأن هذا القرار سيفتح طريقا للحل انطلاقا من لحظة توافق دولي ، هو نوع من وهم الذات وليس حقيقة واقعة ، فالتوافق الدولي مازال بعيدا عن أرض الواقع ، ويجب عدم الخلط بين التوافق الدولي على ضرورة إيجاد حل وهذا مفترض وموجود ، وبين التوافق على شكل الحل ومخرجاته ، وهو أمر مازال غير موجود في الظروف الحالية ، فجميع الدول باتت تدرك أهمية ضبط آليات الصراع وحصره ضمن الجغرافيا السورية ، وهذا يتطلب سحب بعض العوامل الإقليمية وإحلال عوامل أخرى ضمن المشهد السوري ، ولهذا نرى نوعا من التوافق أو الرغبة الدولية بسحب العامل الإيراني من المشهد السوري تدريجيا وإحلال العامل الروسي مكانه كلاعب أساسي ممثل وضامن للنظام ، وفي المقابل سحب العامل التركي وإحلال العامل السعودي مكانه كلاعب أساسي وكضامن للمعارضة ، إن نقطة الانطلاق هذه تفترض إمكانية التفاهم بين السعودية وروسية في وقت لاحق بعد تخفيف أثر العاملين التركي والإيراني باعتبار تفاهمهما على شكل الحل في سورية بات في خانة المتعذر ، إن هذه الرؤية بسيطة وسطحية لأنها لا تراعي مجمل الاشتباك الإقليمي الدائر في كامل الإقليم وترابط هذه الملفات مع بعضها بشكل عضوي من اليمن إلى العراق ولبنان وسورية ، إن إيجاد تسوية جزئية لملف من هذا الملفات غير ممكن في الوضع الحالي ، لأن القوى الإقليمية المتصارعة مازالت مندقعة ولم يتعرض أي منها لخسارة كبرى تدفعها لإعادة النظر بموقفها .
وبالعودة إلى القرار 2254 فإن أهم ملاحظة يمكن إيرادها عليه بأن اللغة المستخدمة في هذا القرار ليست حاسمة وهي لغة ضعيفة لا تعبر عن قرار دولي بإيجاد حل ، بل جاءت لغة غامضة تسمح لكل طرف بتفسير هذه العبارات وفق ما يريد ، وإذا اعتبرنا أن أساس الحل في سورية هو تحقيق عملية انتقال سياسي للسلطة يفتح الطريق أمام خلق آليات تفضي لصياغة دستور جديد وعقد اجتماعي يتفاهم عليه السوريون ، فإن اللغة التي استخدمها القرار الدولي في هذا الشأن مازالت لغة غير حاسمة بل إنها تعتبر تراجعا عن اللغة الحاسمة والواضحة المستخدمة في قرار مجلس الأمن رقم 2118 تاريخ 27 ايلول عام 2013 والذي نص في فقرته السادسة عشر على أن بداية الحل في سورية هي بتأسيس هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية ، بينما نجد في القرار الجديد أنه استخدم مصطلح " تأسيس حكم ذو مصداقية خلال ستة أشهر " وهذا يعني أن المعارضة وحلفائها التقليديين سيذهبون لتفسير كلمة " حكم " بأنها هيئة الحكم الانتقالي التي تحدث عنها بيان جنيف ، بينما سيذهب النظام وحلفاؤه إلى تفسير هذه الكلمة على أساس أنها حكومة وحدة وطنية تحت سلطة بشار الأسد ، إن هذا بالضبط يمكن أن يشكل لنا رؤية حقيقة لغياب التوافق الدولي على الحل في سورية ، فتقريب وجهات النظر بين الحالتين ما تزال متعذرة حتى اللحظة .
إن التوافق الوحيد الموجود في القرار الدولي الجديد ، هو توافق على محاربة ما يسمى بالإرهاب ، وهنا مربط الفرس ، فهذا القرار في حقيقته موجه أصلا لتكثيف الجهود الدولية وجمع المتناقضات تحت سقف واحد وهو مكافحة الإرهاب ، أما الحديث عن حل سياسي فهو اللازمة الضرورية للتغطية على هذا الموضوع الأصلي ، والحديث عن برنامج زمني للحل السياسي ليس أكثر من ساتر دخاني يخفي حقيقة هذا القرار باعتباره موجه أصلا لمحاربة الإرهاب وفق وجهة النظر الدولية .
لقد أسقط القرار حقيقة ما يجري في سورية واعتبره مجرد صراع بين أطراف متعددة متساوية في المسؤولية ، وأن أخطر مافي هذا الصراع هو نمو ظاهرة الإرهاب والتطرف ، ولذلك وضع هذا القرار آلية غريبة لمحاربة الإرهاب ، فهو كلف الأردن بوضع تصنيف للجماعات الإرهابية على أن يعرض هذا التصنيف على الفريق الدولي" دول بيان فيينا " وبعد ذلك يذهب هذا التصنيف لمجلس الأمن لاعتماده بقرار سيصدر لاحقا بناء على الفصل السابع وهو ما سيعطي تفويضا للدول ولا سيما روسيا باستمرار عملياتها العسكرية في كل الأرجاء السورية وحيثما ترى أن هناك فصيلا إرهابيا حسب التصنيف الذي سيصدر لاحقا .
ولعل أغرب مافي القرار الدولي أنه في الفقرة الثالثة أعطى تفويضا لدول " فيينا " بالتعبير عن إرادة الأمم المتحدة ، وهذه سابقة في القانون الدولي لم تحدث من قبل وهو عبارة عن تنازل مجلس الأمن عن صلاحياته لهذه الدول ، وهذا يعني انسحاب المنظمة الدولية من المشهد السوري لصالح مجموعة من الدول لا تتفق برؤيتها ولا بأهداف تدخلها في سورية .
إن هذا القرار ليس قدرا محتوما على السوريين ويبقى إمكانية التعامل معه قائمة إذا أدرك السوريون حقيقة توازنات القوى الإقليمية ومكامن القوة عندهم ، والابتعاد عن خداع الذات بإمكانية تحقيق حل سياسي في الوضع الراهن ، وهذا يعني أن على المعارضة الذاهبة لمحادثات جنيف القادمة أن تدرك أنها تذهب إلى طريق مجهول يجب أن تحاول تجنب الأفخاخ الكبيرة المنصوبة فيه .
-----------
اورينت نت