نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


اليأس من السياسة واليأس السياسي




من أشد أنواع اليأس سوءاً وخطراً على كيان الأفراد والجماعات اليأس السياسي، وهو اليأس الذي قد لا يعرى منه فرد أو مجتمع، في أي مكان أو زمان من العالم، وإن اختلفت أنصبة الناس منه، وتفاوتت قُدَرُهم في جبههِ وصدِّه . واليأس هذا من نوعين: يأس سياسي، أو من طبيعة سياسية، ويأس من السياسة . وقد يؤدي الأول إلى الثاني أو يتلبَّس الواحد منهما الآخر، لكنهما لا يفضيان على وجه الضرورة إلى النتائج عينها فقد يأخذ اليأس من السياسة صاحبه إلى الإعراض عنها، أو تطليقها إن كان مقترناً بها،


والتفرغ للقراءة أو لتجارته أو للنسل، وقد يفتح ذهنه على مناشط أخرى في المجتمع ذات فائدة عمومية، كالاعتناء بالتعليم والتربية، أو بالعمل
في ميادين حقوق الإنسان والبيئة والمرأة، وهي في جملتها مناشط تعيد تعريف ذلك اليأس من السياسة بما هو "يأس إيجابي" أو يأس دافع نحو فعل إيجابي . وليس ذلك مما ينطبق على اليأس السياسي، حكماً، وإن كان لهذا الأخير أن يقوم من اليأس من السياسة مقام العلة أحياناً .
إذا كان لليأس من السياسة أن يقود في حالة الإيجاب إلى إنتاج أديب، أو ناشط حقوقي، أو عالم ناجح في ميدان اختصاصه، أو رب أسرة مفلح في تربية أبنائه (مثلما يقود - في حالة السلب - إلى إنتاج الخاملين والمتواكلين والعدميين)، فإن لليأس السياسي أن يقود إلى ما هو أبعد أثراً من مجرد اليأس من السياسة، حتى في أشد صور اليأس منها قتامة، إذ له أن يقود إلى اليأس من الوجود مع ما يقترن به من أحوال الشعور باللاجدوى وفقدان المعنى واللامبالاة و- أحياناً - الرغبة في الانتقام من الذات بقتلها: إما القتل المعنوي أو القتل المادي، مثلما له أن يقود إلى الانتهازية والوصولية واستسهال الاتجار بكل ما كان في عداد المبدئي والمصون الذي لا يمسُّ له حُرمٌ ولا يُنال منه، كما له أن يقود إلى الكفر بكل قيمة أخلاقية تشرَّبها من السياسة من عمل في السياسة، مثل قيم الأثرة والتضحية وخدمة الشعب أو المصلحة العامة، وإحلال قيم المنفعة الشخصية والفئوية، وارتضاء السُّخرة السياسية لمن يشبع القيم الجديدة الحالة محل القيم الأصل، وأخيراً له أن يقود لا إلى الكفر بالأخلاق والمبادئ فحسب، وإنما إلى الكفر بالوطن أيضاً! وهذا أشد نتائج اليأس السياسي بشاعة وانحطاطاً .
ماذا نسمي اليوم، بل منذ مطلع هذا القرن الجديد، هذا التزاحم السياسي لدى بعض المعارضات العربية على بناء الصلات الوطيدة بالأجنبي وأجهزته الاستخبارية، ومزايدات تلك المعارضات على بعضها في تقديم أفضل عروض السُّخرة السياسية لذلك الأجنبي، من طريق محالفته وتزويد أجهزته بما لديها (المعارضات) من معلومات عن أنظمتها السياسية، وقدرات جيوشها، وما تبديه من استعداد للتنزل منزلة حصان طروادة والوكيل المحلي لذلك الأجنبي، ناهيك بتحريضه على بلدانها وشعوبها (أنظمتها كما تزعم)، ومناشدته التدخل العسكري ل "إنقاذ" بلدانها من الاستبداد؟
وماذا نسمي تلك الشراذم البشرية من الحجيج إلى "إسرائيل" بألف دعوى ودعوى يجمعها قول بعضهم أن ليس بيننا وبين الدولة الصهيونية عداء ويسوّغها لديهم أن لا مبدأ عندهم يحميهم من غائلة أنفسهم عليهم، وأن لا عاصم من وطنية أو دين يعصمهم من الزلل في ما يعود على الوطن بأوخم العقابيل؟
ماذا نسمي ذلك، وأمثاله من الظواهر الرديئة المنبعثة من شقوق عمراننا السياسي الخَرِب، سوى أنه الثمرة المرة لليأس السياسي، اليأس الذي يغشى النفوس ويعمي الأبصار، ويدفع المصاب به إلى ارتكاب منكرات وطنية مثلما يرتكب المَخْذُور، الفاقد الرشد، جرائم لا يعيها؟
الكفر بالوطن، واسترخاص حرمته، وعرضه لمن يبيع، والاستهتار بمقدسات الناس، الوطنية والقومية والدينية، وممالأة الأعداء وحسبانهم أصدقاء أو حلفاء، واستعداء الأهل - أهل الوطن - الشركاء والتحريض عليهم باسم اختلاف الألسن و"الهويات"، والاجتراء السهل على الجوامع والمشتركات، والإتيان على نسيجها التاريخي بالتمزيق، والركوب على صهوة دبابة الأجنبي، والمجاهرة بالتعاون معه، والتبرج في مديحه وتنظيف صورته ك "فاتح" و"منقذ" وشريك في "الربيع"، هي في مقام أشد المنكرات السياسية بؤساً، وهي هي التي تندسُّ، اليوم، في يومياتنا وتمكن لنفسها في ديارنا بما ملكت من عون الأجنبي ودعم بعض "ذوي القربى"! أما الذين سقطوا في حبائلها، وتنزَّلوا من معاركها منزلة الأبطال الشُّوس، نتيجة ما أصابهم من يأس سياسي قاتل، فهؤلاء أشبه ما يكونون بأولئك الذين "اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم" .
 
 

عبدالإله بلقزيز
الاحد 10 يناير 2021