ما حصل كان متوقعاً في تركيا ، فهو يأتي في سياق عدد من التفجيرات التي عانت من تركيا حيث أريد تحقيق جملة من الأهداف ؛ من أبرزها توجيه ضربة قوية للحكومة التركية ، ووضعها أمام منعطف خطير ، عقب هذه التفجيرات ،أطلق أردوغان تحذيرات ، وكان أكثر صرامة تجاه الوضع الداخلي، معلناً بلغة واضحة عدم السماح باستمرار الخيانة الداخلية ، وهذا يضعنا أمام السيناريوهات المرتبطة بالجهة التي نفذت التفجير ، والأطراف المستفيدة منه من الخصوم الداخليين والخارجيين ، النتيجة أنه لا يمكن الجزم أن هذه التفجيرات كانت ورائها أطراف داخلية ، بل أطراف خارجية ، وهذا هو الخبر المؤكد .
تجيء هذه التفجيرات في ظل ظروف سعي حزب العدالة والتنمية إلى مزيد من الانفتاح مع العالم العربي والإسلامي ، ويجيء أيضاً في ظل عملية النمو الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ تركيا الحديث ، ويأتي ذلك أيضاً في ظل سعي تركيا إلى إجراء تعديلات دستورية من شأنها تعزيز الديموقراطية ، ومبدأ تداول السلطة ، وتأتي أيضاً في ظل محاولة تركيا بناء نموذج للعالم يوائم بين المرجعية السياسية للاسلام وطبيعة النظام السياسي ، هذه التطورات بالتأكيد لا تروق لكثير من الأطراف الإقليمية والدولية ؛ مما يجعل تركيا في مرمى الهدف .
من المؤكد أن المنفذ ومن ورائه أراد إبتزاز تركيا ، فنظرية الاختراق الأمني والوصول بهذه العملية تخطيطاً ، تمويلاً ، تنفيذاً ،حيث أريد توجيه رسائل لتركيا ، أننا كارهاب وإرهابين قادرين للوصول إلى العمق التركي في أي وقت ، ومتى أردنا .
الهدف من خلال ضرب السياح الألمان بالتأكيد كانت رسالة واضحة لاستفزاز ألمانيا التي لديها مواقف جيدة تجاه عملية اللجوء ومن النظام السوري .
الحكومة التركية لن تجعل هذا الأمر يمر مرور الكرام ، ولن تقف فقط عند مجرد ضبط الحدود ، والاجراءات الاحترازية، والتعاون الدولي لضبط الحدود فقط على الرغم من أهمية هكذا اجراءات ؛ بل سيتم ضرب الجهة التي تقف خلف التفجير، في الوقت الذي يدرك فيه الرئيس أردوغان أن هناك محاولات مستميته لجر تركيا للتدخل العسكري في المنطقة ، لغرض استنزافها ، وجعلها تنكفئ عن المضي في مشاريعها الساعية لبناء الدولة النموذج سياسياً ، وإقتصادياً واجتماعيا .
من المؤكد أن داعش فرع المخابرات السورية والإيرانية ومن ورائها من قوى وأطراف أرادت من خلال هذا العمل الارهابي الجبان أن تنعكس سلباً على تركيا ، وتتسبب بتدهور أوضاعها الأمنية ؛ فاستهداف المناطق السياحية التي تحاط بأطواق أمنية وبهذا التوقيت ، يراد من خلاله زعزعة الوضع الاقتصادي لتركيا ، وتشويه صورة اللاجئين السوريين الهاربين من الموت والدمار الذي يقوم به النظام السوري والإيراني والقصف الروسي المتواصل للمدنيين الأبرياء ، ووضع العقبات أمام الرئيس التركي وحكومته ، ومحاولة إفشاله في المضي في استحقاقات تركيا الداعمة لقضايا المنطقة العادلة ، لا سيما الشعب السوري الذي بات يعاني أكبر عملية إبادة عرفها التاريخ الحديث ، حيث أصبح مختبراً تجريباً لأفتك ما قامت بصناعته المؤسسة العسكرية الروسية .
كذلك جاءت هذه التفجيرات للضغط على الرئيس أردوغان وإجبار تركيا للتوجه نحو التطبيع مع النظام السوري والإيراني والروسي على فرض أنهم يواجهون عصابة داعش الإرهابية ويقاتلونها ، والصحيح هو العكس تماماً ، فبشار الأسد وولي الفقيه وبوتين من أكبر الداعمين لداعش ولجميع التنظيمات الإرهابية وأخواتها التي تمارس القتل والارهاب والدمار في سوريه والعراق وعموم أرجاء المنطقة .
من المؤكد أن العمل على توتير أوضاع تركيا من خلال نقل الإرهاب إلى داخل هذه الدولة لن يجدي نفعاً ، إلا أن نتائجة ستكون بلاشك كارثية على المسبب الأساس ، لأن الرئيس أردوغان لن يقف متفرجاً إزاء ما يجري ، بل ستزيده تصميماً على المضي بسياساته الداعمة للشعب السوري وحقوقه المشروعة في التحرر والانعتاق من هذا النظام الدموي ، وستزيد تركيا عزماً للمضي في تحالفاته الإقليمية ؛ لاسيما بعد انشاء مجلس التعاون الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية ، وبعد قطع الرياض للعلاقات مع طهران والدعم التركي للخطوة السعودية ، وجاءت أيضاً عقب انضمام تركيا إلى الحلف الاسلامي لمواجهة الارهاب والتي بدأت بوادر ردات الفعل عليها تظهر من خلال الأطراف الناقمة على هذا الشكل من التكامل الإقليمي ، ونخص بالذكر دولة ولي الفقيه الناقمة على كل من يواجه سياساتها ومشاريعها العدوانية في المنطقة لاسيما من جانب تركيا والسعودية .
-----------------------------
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية