نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


تونس تعالج تاريخا منسيا من التمييز العنصري




تونس –أكمل فاليكو كوليبالي مباراة كرة القدم مع رفاقه وفي طريق العودة إلى المنزل اعترضته عصابة للسلب، وحينما حاول مقاومة خمسة أشخاص التفوا من حوله انتهى به الأمر إلى تلقيه لطعنتين بسكين كانتا كافيتين لتكتما أنفاسه.


 

مثل الحادث صدمة قوية لأفراد الجالية الايفوارية التي يمثلها كوليبالي في تونس لكنه لم يكن الحادث الوحيد الذي تتعرض له الأقليات المنحدرة من دول افريقية في بلد بدأ يتحسس طريق إلى الديمقراطية بعد ان كان ملهما لثورات الربيع العربي عام 2011.
وقبل كوليبالي تعرضت فتاتان من الكونغو إلى الطعن في الرقبة بقلب العاصمة وجرح شاب آخر كان يحاول الدفاع عنهما. وتعرض طلبة آخرون بجهة أريانة القريبة، إلى العنف الشديد من قبل جماهير غاضبة في أعقاب خسارة تونس في مباراة ضمن نهائيات كأس أمم افريقيا كانت تلعب بغينيا الاستوائية.
ومع تصاعد الجرائم بدأ الطلبة الأفارقة يخرجون إلى الشارع للاحتجاج كما بدأت منظمات من المجتمع المدني بالتنديد علنا بالجرائم العنصرية ومنع الأجانب من دول افريقية من المتع بحق الاقامة والعمل والخدمات الصحية العمومية، برغم نفي المؤسسات الرسمية أي وجود لهذا النوع من التمييز الممنهج في تونس.
قال ممثل عن جمعية الطلبة أثناء وقفة احتجاجية "لطالما اشتكينا في مناسبات عدة، لدى مراكز الأمن، من حالات العنف والعنصرية المسلطين على الأفارقة بتونس، دون أن نتلقى أي رد في الغرض".
وتابع الممثل في ندائه وسط المحتجين من الطلبة "نحن نطالب بحقنا في بطاقات الإقامة كما نطالب بالحماية القانونية والأمنية والعدالة في الحقوق".
في نهاية المطاف أدت ضغوط المجتمع المدني إلى دفع البرلمان التونسي إلى إصدار قانون يجرم التمييز العنصري، وهي خطوة تعد سابقة في المنطقة العربية.
لكن القانون لا ينطوي فقط على مطالب لحماية الأقليات في تونس فهو يأتي بعد ضغوط واسعة للاعتراف بوجود تمييز شائع ضد السود التونسيين أنفسهم في البلاد.
يجرم القانون الذي صدر في تشرين أول/اكتوبر 2018، كل أشكال التمييز والعنصرية وورد في تعريفه بالفصل الاول أنه يهدف إلى "تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، عبر التصدي لمختلف أشكاله وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم، ووضع الآليات الكفيلة بحماية ضحاياه".
كما يقر القانون عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات وغرامات مالية ضد مرتكبي أي أفعال عنصرية، أو من يحرضون على الكراهية كما ينظم عملية التقاضي في مثل هذا النوع من القضايا.
وقال لزهر القروي وهو مستشار للرئيس الباجي قائد السبسي “تونس ملتزمة بالقضاء على جميع مظاهر التمييز وتلافي كل النقائص والإخلالات، التي ما تزال عالقة في بعض النصوص القانونية لتحسين ترتيبها ضمن تقارير الدولة ذات العلاقة”.
لكن منظمة "منامتي" للدفاع عن الأقليات من أصحاب البشرة السمراء تطالب بفعل المزيد في الحملات الاعلامية لزيادة الوعي بقضايا التمييز العنصري.
وتعد منظمة "منامتي" أحد الجمعيات الرئيسية الناشطة في مجال مناهضة التمييز والدفاع عن حقوق السود، وهي تقر بوجود تاريخ طويل من التمييز على أساس اللون في تونس، لا سيما في مناطق بجنوب البلاد.
تقول رئيسة المنظمة ذات البشرة السمراء سعدية مصباح عن حادثة تعود لفترة ما قبل صدور القانون "توقفت بمحطة بنزين وانتظرت من العامل نفخ العجلات لكنه رفض لأني سمراء وقال إنه يرفض الاهانة لمجرد نفخ عجلات السود. تقدمت بشكوى ضده لكن القضاء لم ينصفني".
وقد أودعت الجمعية ملفًا لدى هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بالتقصي في انتهاكات الماضي في تونس وإرساء العدالة الانتقالية، حول الانتهاكات والتمييز العنصري الذي تعرض له ذوو البشرة السوداء طيلة عقود.
ولفتت سعدية مصباح قائلة "يروجون لإحصائيات تقول بأن السود في تونس يمثلون نسبة خمسة بالمئة فقط لكننا لا نرى هذه الأقلية في الاعلام والإعلانات الاشهارية مثلا. يتعين على الدولة تقديم اعتذار عن 170 عاما من الانتهاكات حتى نستطيع أن نعالج هذه الظاهرة معا".
نجحت منظمة "منامتي" في أن تفرض يوما وطنيا لمناهضة العنصرية وهي مبادرة تبنتها رئاسة الجمهورية وأقرتها يوم 23 كانون ثان/ يناير من عام 2019 لتصبح تقليدا سنويا.
ويحمل التاريخ رمزية كونه يتوافق مع ذكرى إلغاء الرق والعبودية، الذي اتخذه باي تونس أحمد باشا باي في نفس هذا التاريخ عام 1846.
وقد أعلن أحمد باشا في الأول عن قرار يقضي بمنع الاتجار في الرقيق او استيرادهم عام 1841، ثم أصدر قرارا ثانيا في العام التالي يقر بأن كل من يولد على التراب تونسي حر لا يباع ولا يشترى قبل ان يلغي العبودية والرق نهائيا في العام 1846.
وتتباهى تونس كونها أول بلد مسلم يتخذ هذه الخطوة وقد سبقت في ذلك عدة ديمقراطيات عريقة في العالم مثل فرنسا والولايات المتحدة. لكن سقوط النظام الاستبدادي عام 2011 أماط اللثام عن واقع لم يكن مألوفا لدى الرأي العام ويتضارب مع تلك الصورة الوردية.
وقد أتاحت حرية الصحافة الكشف عن ممارسات شائعة للتمييز العنصري بين التونسيين أنفسهم بالإضافة لجرائم عنف وعنصرية إزاء الأقليات الوافدة من الدول الافريقية وأغلبها من الطلبة.
تنتشر الأقلية السمراء في تونس بشكل خاص في المحافظات الجنوبية للبلاد مثل قابس ومدنين وتطاوين وقبلي وقفصة. وينتشر لقب "عتيق" كصفة ملحقة بألقاب العديد من العائلات السمراء والذين كانوا توارثوها عن أجيال سبقتهم في دلالة عن عتقهم او تحريرهم. وهو لقب تعتبره هذه الأقلية مهينا لها.
ولا يقف المشكل عند الألقاب الاجتماعية فالعديد من السود الذين ظهروا بوسائل الاعلام للحديث عن الانتهاكات اشتكوا من التضييق على فرص العمل والانتداب كما اتهموا الدولة بتعمد اهمالهم في المناصب العليا بالجهات.
تقول سعدية مصباح "المواطنون التونسيون ذوي البشرة السوداء مواطنون درجة ثالثة في تونس. الدستور لا يتحدث عن البعد الافريقي لتونس التي منحت اسمها للقارة الافريقية ولا يوجد صور لأطفال من البشرة السوداء باستثناء طفل يحمل اسم مامادو".
وتضيف رئيسة منظمة "منامتي" إن "إقرار الدولة بوجود تمييز عنصري يعني أن على المؤسسات تطبيق القانون المتعلق به... العمل الحقيقي يبدأ الآن”.

طارق القيزاني
الاربعاء 30 سبتمبر 2020