نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


تونس ..عاطلون يطاردون أحلامهم في خيام وسط المدينة




تونس - وصل سفيان إلى وسط العاصمة منذ شهر أيلول/سبتمبر 2019 وقرر منذ ذلك الوقت أن لا يغادر وزارة التكوين والتشغيل حتى تنفذ الوزارة تعهدها بتوفير فرص عمل له و32 آخرين من المحتجين القادمين من مدينة القصرين.


اضطر سفيان وباقي المعتصمين لقطع 300 كيلومتر للقدوم إلى العاصمة ونصب خيامهم من لحاف البلاستيك على جادة الطريق أمام مقر الوزارة، وعلى الجهة المقابلة من الطريق يقف حراس الأمن أمام أبواب فندق المشتل الفخم الذي يتبع سلسلة فنادق "الجولدن توليب" يراقبون المشهد بحذر من بعيد. بالنسبة للمارة ولنزلاء الفندق وموظفي الوزارة، أصبح مشهد الخيام مألوفا بما في ذلك نشر غسيل الملابس على حبل مشدود بين شجرتين. ولكن لا أحد يجرؤ على فك الخيام بالقوة لأن حق الاعتصام يضمنه الدستور في تونس. يقول سفيان الحريزي /30 عاما/ الحاصل على شهادة جامعية في التنشيط لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "نقضي اليوم أمام الوزارة ونذهب إلى المقهى للترويح. نحاول جمع المال لندفع ثمن القهوة حتى يتسنى لنا قضاء حاجاتنا البشرية. عدا ذلك لا شيء ملفت في حياتنا اليومية". وسفيان هو أحد خمسة إخوة في عائلته، من بينهم ثلاثة من خريجي الجامعات ولكن لا أحد من بينهم يعمل في القطاع العام في حين تعتمد العائلة على ما يكسبه والده من عمله غير المنتظم كعامل بناء في القصرين لسد حاجياتها. من ناحية أخرى، يتلقى سفيان من حين لآخر بعض المال مما ترسله العائلة حتى يصمد في الاعتصام. وبخلاف ذلك يحاول الاعتماد على نفسه وتدبر أمره لقضاء اليوم. ويضيف سفيان ونبرة الاحباط تغلب على صوته "في خلال خمسة أشهر عدت مرة واحدة إلى القصرين لظرف طارئ. ليس هناك شيء في القصرين وهذا حال أغلب الشباب هناك. ليس هناك تنمية ولا تشغيل". يشعر المعتصمون ومن بينهم 16 فتاة و17 شابا بأنه ما من خيار آخر أمامهم سوى الاستمرار في الاعتصام برغم المتاعب اليومية بهدف الضغط على الوزارة ودفعها إلى تنفيذ اتفاق سابق موقع مع الحكومة. ويضطرون إلى الطبخ والمبيت تحت خيام منفصلة. ويعود سبب الاعتصام إلى احتجاجات اجتماعية حدثت في القصرين عام 2016 أشعلها محتج عاطل كان انتحر من فوق عمود كهربائي في حالة يأس. ودفعت تلك الاحتجاجات الحكومة إلى التعهد بتوفير فرص عمل لأكثر من 500 عاطل من كامل الولاية. ولكن لتفادي نيران ثورة جديدة في البلاد في باقي الولايات مثلما حدث في 2011 حينما انتحر بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي حرقا ليشعل انتفاضة شعبية اطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، أصدرت الحكومة قرارا مماثلا بمنح حصة من فرص العمل لعاطلين في باقي الولايات. واستندت الدولة في قرارها إلى نص الدستور الجديدة بعد ثورة 2011 والذي يقر تمييزا ايجابيا لمصلحة الولايات الأكثر فقرا فيما يرتبط بالمشاريع وفرص التوظيف في القطاع العام. ولكن الاحتجاجات الاجتماعية متواترة في القصرين وفي جهات أخرى لأن الكثير من الاتفاقات التي وقعتها حكومات متعاقبة في تونس منذ الثورة لم تجد طريقها إلى التنفيذ. ومثل هذا الاعتصام تنتشر اعتصامات أخرى لعاطلين قدموا من الجهات الداخلية أمام مبنى البرلمان وبعض مقرات الولايات. وأمام مقر وزارة التشغيل يشعر أكثر من ثلاثين عاطلا من المعتصمين في وضع معلق بلا أفق في انتظار أن يتم الإيفاء بالتعهد. أمام مقر وزارة التشغيل، منذ بدء الاعتصام وعلى مدى خمسة أشهر لم يعد حامد الصحيحي /39 عاما/ الحاصل على شهادة الاستاذية في التقنية منذ 11 عاما، إلى القصرين حيث ترك والديه المسنين يكافحان من أجل العيش. يقول حامد "زملاؤنا بدأوا العمل منذ أربع سنوات ونحن لا زلنا ننتظر حتى اليوم. كنا نحلم ولكننا أدركنا انهم يتلاعبون (الوزارة) بنا لهذا جئنا للاعتصام. تركت والداي في وضع صعب ولكن لا يمكنني الآن العودة دون حل واضح". ولم تعد أحلام المستقبل ذات أولية لحامد غير أنه يريد أن ينقذ ما أمكن انقاذه لما تبقى من عمره، ويضيف بتحسر "لم اتزوج وليس لي عمل. كنت من بين المميزين في الدراسة كانت لي أحلام ولكنها بدأت تتلاشى. الهدف اليوم هو أن أضمن عملا يضمن لي عيشا كريما ومعاشا للتقاعد". ومن بين المعتصمين من بلغ سنه 42 عاما. ولكن لا يمثل هذا استثناء في بلد تصل فيه نسبة البطالة بحسب احصاءات رسمية إلى 15 بالمئة وهي تشمل قرابة 650 ألف عاطل، حوالي ثلثهم من حاملي الشهادات العليا. وفي ولايات مثل القصرين وتطاوين، وفي سيدي بوزيد حيث اندلعت الثورة التي اطاحت بحكم بن علي في 2011، يمكن أن تتجاوز نسبة البطالة ضعف المعدل العام. ويمثل هذا ضغطا مستمرا على الحكومات المتعاقبة في تونس منذ بدء الانتقال الديمقراطي في البلاد. وبسبب انحسار فرص العمل يلجأ كثيرون من الشباب إلى الهجرة غير الشرعية عبر البحر للوصول إلى السواحل الايطالية القريبة، ولكن تكرر أسوأ حادثي غرق جماعي في 2018 و2019، زاد من الضغط على الدولة لإيقاف نزيف الموت في البحر. يقول شاكر نصري /33 عاما/ وهو من بين المعتصمين "لم نطلب مناصب عليا. نريد أن نعيش حياة كريمة حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه إذا ما أصيب أحد المعتصمين بحالة يأس شديدة". حصل شاكر على شهادة جامعية فى مجال الاعلام منذ 2009. وخلال فترة بطالته عمل في المقاهي والبناء بشكل مؤقت ولكن لم يحصل على عمل يتناسب مع دراسته، وبدأ في الاعتصام يشعر بالإرهاق وزاد سخطه على الدولة قائلا "نحن على هذا الحال تحت خيام البلاستيك منذ عدة أشهر. نحن مستنزفون ماليا. وعندما تهطل الامطار يصبح الوضع صعبا ومزريا. إذا توقفت الدولة على توظيف 33 شخصا فيجب أن نترحم عليها". يخشى المعتصمون أن يزداد الأمر تعقيدا في فصل الشتاء لأن تسوية وضعيتهم بات مرتهنا بتكوين حكومة جديدة تأخر وضعها بسبب تعثر المشاورات السياسية. كما رفض البرلمان منح الثقة لحكومة مقترحة. يقول شاكر "المشهد مؤلم في المخيم. لا نريد البقاء إلى ما لا نهاية. جميعنا نريد ان نفك الاعتصام ونعود إلى ديارنا. لكن لا يمكننا أن نفعل ذلك قبل أن نحصل على حل واضح".

طارق القيزاني
الجمعة 24 يناير 2020