عندما تطالع تاريخ العلاقات الأمريكية الروسية ستضحك كثيراً لطرافة وظرافة الشبه بين سيزيف وروسيا ثمّ ستبكي كثيراً عندما تدرك أن العرب و برغم حصافتهم المشهود لها تاريخياً إلا أنه قد فاتهم إدراك الحكمة من هذه الدراما السياسية الممتدة مع تاريخ العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة
تشير تقارير > السي . آي . ايه< أن روسيا قد طلبت في الآونة الأخيرة كمية إذونات كبيرة للعبور بأعداد غير معلومة من مقاتليها إلى سوريا , وتشير تقارير أخرى أنه بالفعل قد أصبحت بعض القطعات العسكرية الروسية على الأرض السورية , إنما اللافت للإنتباه هو استباق هذه التقارير ونشر صور لمقاتلين روس في سورية وأكاد أجزم أن ذلك تم بشكل متعمد ومدروس في الكريملن , مما يثبت أن التواجد الروسي هو رسائل سياسية بالدرجة الأولى وقد تم ضخ الإعلام بهذه الرسائل لتضخيم هذا التواجد وإعطاءه قدر يفوق حجمه لفرض شروط روسية مسبقة بأقل تواجد عسكري ممكن على أي حوار قادم يتناول الملف السوري
روسيا مدركة تماماً قسوة الضريبة التي ستتلقاها إذا جنحت لأي نزعة توسعية في الشرق , ومدركة أنها الصنف المفضل في قائمة الجهادية العالمية , وتواجدها بمثابة العبث بوكر النحل , وماتزال الفوبيا الأفغانية رطبة في ذهنية الدب الروسي
فكل مايشاع عن تواجد عسكري ضخم في سوريا مستقبلاً هو في إطارالخديعة السياسية .
مالذي تريده روسيا من سوريا !
كان تعاطي روسيا مع حدث الثورة السورية منذ بدايتها أشبه مايكون بسلوك موظف فاسد , رسائلها السياسية لم تكف عن التلميح إلى أن الملف السوري قابل للتفاوض والمساومة , فما هو الثمن الذي تريد ؟
حاول العرب مراراً فك شيفرات هذه الرسائل دون جدوى , الصفقات الضخمة التي طار بها العرب إلى موسكو لم تؤت نجاعة وقد استمر الروس على رسائلهم حمالة الأوجه ؛ حاول السعوديون مجابهة هذه المعضلة الروسية بسلاح النفط فأغرقوا الأسواق العالمية كمحاولة لإستخدام نظرية العصا والجزرة , فشكل هبوط أسعار النفط ضغطاً مؤلما للإقتصاد الروسي لكنه ايضاً لم يحقق التغير المرجو في عنجهية الموقف الروسي
لدى الروس قناعة راسخة بأن علاقتها بالعرب لن ترقى للمستوى الذي يجعل منها علاقة استراتيجية في ظل هيمنة الولايات المتحدة على التحالفات في الشرق الأوسط ؛ ومن وجهة نظرها أن وعود العرب بفتح خط علاقات استراتيجي معها لاتعدو عن محاولات إيهام لها لحصولهم على مكاسب في سوريا
لكن ماهو الشيء الذي يجعل روسيا ترفض ود العرب لإبقاء الأسد على كرسي متهالك ؟ ؛ ماهو الشيء الذي يستطيع أن يقدمه الأسد لروسيا ولم يقدمه العرب ؟!
قراءة خاطئة
الذي لم يجيد العرب تفهمه كما ينبغي هو أن التذبذب والإضطراب في مواقف الكريملن من الثورة السورية تارة والتعنت في تارة أخرى ليس بدافع الابتزاز والمنازلة للحصول على أكبر ثمن مادي فقط , إنما هو نتاج اضطهاد نفسي طويل تعرضت له السياسة الروسية
الروس بترسانتهم العسكرية العملاقة لم يمتلكوا على مر التاريخ القوة السياسية التي توازي وتناظر حجم طاقتهم العسكرية , شكل هذا على الدوام عقدة في طموح السياسي الروسي
فلو استعرضنا تاريخ العلاقة الإمريكو روسية لوجدنا أن الأولى كانت تحدد على الدوام سقف المسموح به ونقطة التوقف ولحظة التراجع لروسيا ؛ وذلك شمل حتى فترة الإتحاد السوفييتي وماتلاها في الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة وأزمة الصواريخ الكوبية “الكاريبي” وصولاً إلى حروب الشرق الأوسط الحديثة وشمال افريقيا ( العراق – ليبيا )
في جميع هذه الأحداث أذعن الروس للقرار الأمريكي أما بالإملاءات أو بالوعيد , فمثلاً في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 استجاب السوفييت للتهديدات الأميركية بشكل مدهش وفاق التوقعات الأميريكية للحد الذي فاجأ ساسة البيت الأبيض ذاتهم
وهكذا على الدوام كان يتم إجهاد الدب الروسي في حرب الإمبراطوريات وفي اللحظة الفارقة الأخيرة يقول له السيد الأميركي في واشنطن أنك ستخرج صفر اليدين , فشكل هذا التراكم من الإنقياد القصري للقرار الأميركي شعور إضطهاد في نفسية السياسة الروسية ومازالت حتى اللحظة تكابد للتملص من هذه العقدة , وعلى طاقات الروس الهائلة إلا أنهم مثل دبٍ محتجز في قمقم
المكاسب التي تطمح لها روسيا في سوريا ليست مكاسب مادية بحتة كما ظنّ العرب , بل هي مكاسب معنوية تتمثل بكسر القاعدة التي وضعتها السياسة الأمريكية لروسيا
وهذه إحدى أكبر مسببات العضال السياسي في سوريا إنها معركة الدب مع القمقم المحتجز داخله , وغداً سيعود الدب إلى قمقمه صفر اليدين , وغداً لناظره مُريب
-------------------------
المركز الصحفي السوري
تشير تقارير > السي . آي . ايه< أن روسيا قد طلبت في الآونة الأخيرة كمية إذونات كبيرة للعبور بأعداد غير معلومة من مقاتليها إلى سوريا , وتشير تقارير أخرى أنه بالفعل قد أصبحت بعض القطعات العسكرية الروسية على الأرض السورية , إنما اللافت للإنتباه هو استباق هذه التقارير ونشر صور لمقاتلين روس في سورية وأكاد أجزم أن ذلك تم بشكل متعمد ومدروس في الكريملن , مما يثبت أن التواجد الروسي هو رسائل سياسية بالدرجة الأولى وقد تم ضخ الإعلام بهذه الرسائل لتضخيم هذا التواجد وإعطاءه قدر يفوق حجمه لفرض شروط روسية مسبقة بأقل تواجد عسكري ممكن على أي حوار قادم يتناول الملف السوري
روسيا مدركة تماماً قسوة الضريبة التي ستتلقاها إذا جنحت لأي نزعة توسعية في الشرق , ومدركة أنها الصنف المفضل في قائمة الجهادية العالمية , وتواجدها بمثابة العبث بوكر النحل , وماتزال الفوبيا الأفغانية رطبة في ذهنية الدب الروسي
فكل مايشاع عن تواجد عسكري ضخم في سوريا مستقبلاً هو في إطارالخديعة السياسية .
مالذي تريده روسيا من سوريا !
كان تعاطي روسيا مع حدث الثورة السورية منذ بدايتها أشبه مايكون بسلوك موظف فاسد , رسائلها السياسية لم تكف عن التلميح إلى أن الملف السوري قابل للتفاوض والمساومة , فما هو الثمن الذي تريد ؟
حاول العرب مراراً فك شيفرات هذه الرسائل دون جدوى , الصفقات الضخمة التي طار بها العرب إلى موسكو لم تؤت نجاعة وقد استمر الروس على رسائلهم حمالة الأوجه ؛ حاول السعوديون مجابهة هذه المعضلة الروسية بسلاح النفط فأغرقوا الأسواق العالمية كمحاولة لإستخدام نظرية العصا والجزرة , فشكل هبوط أسعار النفط ضغطاً مؤلما للإقتصاد الروسي لكنه ايضاً لم يحقق التغير المرجو في عنجهية الموقف الروسي
لدى الروس قناعة راسخة بأن علاقتها بالعرب لن ترقى للمستوى الذي يجعل منها علاقة استراتيجية في ظل هيمنة الولايات المتحدة على التحالفات في الشرق الأوسط ؛ ومن وجهة نظرها أن وعود العرب بفتح خط علاقات استراتيجي معها لاتعدو عن محاولات إيهام لها لحصولهم على مكاسب في سوريا
لكن ماهو الشيء الذي يجعل روسيا ترفض ود العرب لإبقاء الأسد على كرسي متهالك ؟ ؛ ماهو الشيء الذي يستطيع أن يقدمه الأسد لروسيا ولم يقدمه العرب ؟!
قراءة خاطئة
الذي لم يجيد العرب تفهمه كما ينبغي هو أن التذبذب والإضطراب في مواقف الكريملن من الثورة السورية تارة والتعنت في تارة أخرى ليس بدافع الابتزاز والمنازلة للحصول على أكبر ثمن مادي فقط , إنما هو نتاج اضطهاد نفسي طويل تعرضت له السياسة الروسية
الروس بترسانتهم العسكرية العملاقة لم يمتلكوا على مر التاريخ القوة السياسية التي توازي وتناظر حجم طاقتهم العسكرية , شكل هذا على الدوام عقدة في طموح السياسي الروسي
فلو استعرضنا تاريخ العلاقة الإمريكو روسية لوجدنا أن الأولى كانت تحدد على الدوام سقف المسموح به ونقطة التوقف ولحظة التراجع لروسيا ؛ وذلك شمل حتى فترة الإتحاد السوفييتي وماتلاها في الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة وأزمة الصواريخ الكوبية “الكاريبي” وصولاً إلى حروب الشرق الأوسط الحديثة وشمال افريقيا ( العراق – ليبيا )
في جميع هذه الأحداث أذعن الروس للقرار الأمريكي أما بالإملاءات أو بالوعيد , فمثلاً في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 استجاب السوفييت للتهديدات الأميركية بشكل مدهش وفاق التوقعات الأميريكية للحد الذي فاجأ ساسة البيت الأبيض ذاتهم
وهكذا على الدوام كان يتم إجهاد الدب الروسي في حرب الإمبراطوريات وفي اللحظة الفارقة الأخيرة يقول له السيد الأميركي في واشنطن أنك ستخرج صفر اليدين , فشكل هذا التراكم من الإنقياد القصري للقرار الأميركي شعور إضطهاد في نفسية السياسة الروسية ومازالت حتى اللحظة تكابد للتملص من هذه العقدة , وعلى طاقات الروس الهائلة إلا أنهم مثل دبٍ محتجز في قمقم
المكاسب التي تطمح لها روسيا في سوريا ليست مكاسب مادية بحتة كما ظنّ العرب , بل هي مكاسب معنوية تتمثل بكسر القاعدة التي وضعتها السياسة الأمريكية لروسيا
وهذه إحدى أكبر مسببات العضال السياسي في سوريا إنها معركة الدب مع القمقم المحتجز داخله , وغداً سيعود الدب إلى قمقمه صفر اليدين , وغداً لناظره مُريب
-------------------------
المركز الصحفي السوري