نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


صورة مغايرة للشريف حسين بالذكرى المئوية لـ"الثورة العربية"





في السنوات الأخيرة لدينا عدة مئويات مهمة أنتجت ما نحن فيه من كيانات وانقسامات وحساسيات تظهر حينا وتختفي حينا ، ومن ذلك مئوية "الثورة العربية" التي كان مفجرها يطلق عليها "النهضة العربية" بينما شاعت في الغرب باسم ، " الثورة العربية " ومئوية سايكس- بيكو ومئوية وعد بلفور والبقية على الطريق.


 
ومن الطبيعي أن يحتفي الأردن بشكل خاص بـ "الثورة العربية" باعتباره أن تأسيسه في 1921 يعتبر ثمرة من ثمار "الثورة العربية" ، التي عبرت قواتها شرق الأردن خلال 1917 لتدخل دمشق تحت قيادة الأمير فيصل بن الحسين في مطلع تشرين الأول/ اوكتوبر 1918 وتعلن هناك "الحكومة العربية" ، التي سقطت بعد دخول الجيش الفرنسي أثر معركة ميسلون في 24 تموز/يوليو1920 . وكان من نتائج ذلك أن وجّهت شخصيات عروبية نداء إلى الشريف حسين لإرسال ابنه الأمير عبد الله لـ "تحرير سورية من الاحتلال الفرنسي" ، الذي جاء بالفعل إلى معان في نهاية 1920 لأجل ذلك ثم شكّل في عمان حكومة من النخبة العروبية التي لجأت إلى شرق الأردن برئاسة رشيد طليع في 1921 ، وهو العام الذي شهد تأسيس الإمارة الأردنية الجديدة.

 ومن هنا فقد أُعلن عام 2016 بكامله "عام الثورة العربية" وشهد ندوات علمية في عدة جامعات وأمسيات ثقافية واحتفالات على مدار العام . وعلى الرغم من الطابع الاحتفالي إلا أن هذا لم يمنع رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة في كلمته الافتتاحية في الندوة التي عُقدت في جامعة اليرموك في 8/5/2016 من الدعوة إلى "إعادة كتابة تاريخ الثورة العربية الكبرى وأسبابها ونتائجها" و "طرح المزيد من الأسئلة رغم أنه كُتب الكثير عن هذه الثورة لأن جلّ هذه الكتابات مجّدت الثورة وسردت أحداثها وعظّمت انجازاتها".

الرصاصة الأولى

ويبدو أنه في هذا السياق كُتب وطُبع كتاب زياد تركي الخوالدة "الحجاز تحت حكم الشريف حسين 1908-1924" ، الذي صدر عن وزارة الثقافة الأردنية في نهاية 2017 ، حيث لدينا صورة مغايرة عما هو مألوف عن الشريف حسين . فالصورة التقليدية عن الشريف حسين تركّز على خلافه مع حزب الاتحاد والترقي الذي هيمن على إدارة الدولة العثمانية بعد 1908 وسعى إلى تقليص امتيازات الشريف حسين وضم الحجاز إلى الحكم العثماني المباشر كغيره من الولايات الباقية للدولة العثمانية، وعلى اتصالاته مع الحلفاء لضمان الاعتراف بدولة عربية مستقلة في حال إعلان الثورة على الحكم العثماني (مع أن هذه الاتصالات لم تثمر عن خطوط عامة لهذه الدولة كما هو الأمر مع تفاهمات سايكس – بيكو) ، وصولا إلى إطلاق الشريف حسين للرصاصة الأولى في حزيران 1916 ضد ثكنة الجيش العثماني في مكة إيذانا ببدء العمليات العسكرية ضد الوجود العثماني في الحجاز ثم في بلاد الشام بالتنسيق مع الحلفاء .

 الجديد في هذه الكتاب أنه أكثر نقدية من الكتاب الذي سبق أن أصدرته في عام 2005 المرحومة هنادي يوسف غوانمة  بعنوان "المملكة الهاشمية الحجازية" (عمّان ، دار الفكر) . ففي القسم الأول للكتاب يغطي المؤلف ممهدات "الثورة العربية" وتطوراتها ، بينما يركز في القسم الثاني والأهم على الدولة التي انبثقت ونالت اعتراف الحلفاء (مملكة الحجاز) . ومع أن البيعة للشريف حسين جرت داخل الحرم المكي في 2/10/1916 بلقب "ملك البلاد العربية" إلا أن بريطانيا وفرنسا لم تعترفا به سوى ملكا على الحجاز كما ورد في الصحف الصادرة في مصر تحت الاحتلال البريطاني ، بينما طلب الشريف منع نشر هذا الاعتراف في جريدة "القبلة" التي تصدر في مكة مصرا على لقب "ملك البلاد العربية" إلى أن رضخ للأمر الواقع وبقي يحكم بهذا اللقب حتى تشرين الأول/ اوكتوبر 1924.

سياسة الحسين ودولته

وعلى الرغم مما يرد في الكتب السابقة نجد أن الخوالدة في كتابه الجديد يصل إلى "أن سياسة الحسين منذ قيام مملكته حملت بين ثناياها جراثيم فنائها وهذا ما تمثل في سياسته الداخلية والخارجية"( ص 286). أما بالنسبة لسياسته الداخلية فيقصد الخوالدة "اتجاهاته المتناقضة بين الإقليمية والقومية ، أي انفراده بحكم الحجاز ثم اضطراره دون وعي قومي شامل إلى أن يربط ربطا سطحيا بين أمانيه الإقليمية وبين الأماني القومية حين أعلن نفسه ملكا على العرب" ، ثم سعيه المفاجىء في 1924 لمبايعته خليفة للمسلمين مما أثار عليه اعتراضات جهات اسلامية عربية وغير عربية ، أي في الوقت الذي قامت فيه الدولة السعودية باجتياح أراضي مملكة الحجاز الهاشمية.

وفي هذا الوضع ضغط أعيان الحجاز على الشريف حسين للتنازل عن الملك لابنه الأمير علي، الذي أصبح ملكا في 5 تشرين الثاني/ اوكتوبر 1924. ويلاحظ المؤلف هنا أن الحياة السياسية اختلفت مع تنشّط "الحزب الوطني الحجازي" برئاسة محمد الطويل الذي بادر إلى إصدار جريدة "بريد الحجاز"في جدة خلال الأيام الأولى لحكم الملك علي ، التي استمرت في الصدور حتى 22 كانون الثاني / يناير 1925 ، أي حتى سقوط جدة بيد القوات السعودية المحاصرة ونهاية "المملكة الهاشمية الحجازية".

وعلى الرغم من أن الشريف حسين في اليوم اللاحق لمبايعته شكّل الحكومة الأولى برئاسة ابنه الأمير علي والأمير عبد الله للخارجية والأمير فيصل للداخلية والشيخ علي مالكي للمعارف والشيخ يوسف بن سالم للمنافع العمومية والشيخ محمد أمين للأوقاف والشيخ أحمد بانجاية للمالية ، وقام في اليوم الثاني بتشكيل "مجلس الشيوخ" الذي كان "عبارة عن هيئة شورى وليس سلطة تشريعية" كما يقول المؤلف ، فإن السلطة الكاملة كانت في يد الشريف حسين الذي بقي يحكم بالاسلوب التقليدي على الرغم من تشكيل "المؤسسات" الجديدة.

التكيف مع العصر

ومن هنا فقد وصل المؤلف في نهاية الكتاب إلى أن الشريف حسين "كان كما يبدو عاجزا عن تخطي العقلية القديمة ولم يتكّيف كليا مع ظروف عصره ، فظل يستصعب الجديد ويدافع عن القديم" . وقد بقي الشريف حسين على عقليته حتى بعد أن أُرغم عن التنازل لابنه الأمير علي، حيث ينتهي المؤلف إلى انه "ختم حياته السياسية بمعارضته الحكومة الدستورية التي ترأسها نجله الأمير علي "لأنه "اعتبر القيود المفروضة على سلطة الملك والصيغة الدستورية الحديثة التي أقرّها الأعيان أمرا منافيا للتعاليم الدينية التي يجب أن تبقى دستورا للبلاد"(ص 314). 

وعلى الرغم من ذلك ، وطالما أننا في مئوية وعد بلفور، فقد كان في وسع الشريف حسين أن يبقى ملكا على الحجاز وأن يحكم بالطريقة التقليدية التي يفضّلها لو أنه رضخ لضغوط بريطانيا المتواصلة ووافق على "وعد بلفور" الذي اعتبره مناقضا لـ "وعود بريطانيا" له ، مع أن ابنه الأمير فيصل كان يرجوه أن يبرز تلك "الوعود" مكتوبة حتى يدافع بها عن الحقوق العربية في مؤتمر الصلح بباريس عام 1919.
----------
ضفة ثالثة


محمد. م الأرناؤوط
الثلاثاء 16 يناير 2018