نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


فصول من كتاب الوهن





حينما يُستَقبل نتنياهو في القاهرة، رغم كل ما يمثله في الذاكرة وما تمارسه حكومته على الأرض، فان ذلك يستدعي سؤالا كبيرا هو:
هل نحن جادون حقا في التعامل مع الملف الفلسطيني أم أننا هازلون؟




(1)

في الأسبوع الماضي أجل وزير خارجية تركيا زيارة عمل لاسرائيل، احتجاجا منه على رفضها الاستجابة لطلبه زيارة قطاع غزة عبر معبر «أرينز».
في الوقت ذاته ألغى وزير خارجية السويد زيارة كانت مرتبة لاسرائيل، احتجاجا على الحملة التي شنتها على بلاده، عقب نشر تقرير صحفي في احدى الصحف السويدية، فضح ضلوع عناصر من الجيش الاسرائيلي في تجارة الأعضاء البشرية التي ينتزعونها من أجساد الفلسطينيين.
أن يطالع المرء مثل هذه الأخبار، ثم بعدها بأيام يفاجأ بزيارة يقوم بها رئيس الوزراء الاسرائيلي للقاهرة (في 9/13) فانه لا يستطيع أن يكتم شعوره بالدهشة. ليس فقط حين يقارن «التسامح» المصري مع موقف الوزيرين التركي والسويدي ازاء فجاجة السلوك الاسرائيلي، ولكن أيضا حين يعجز عن أن يجد نقطة لقاء مشترك بين مصر واسرائيل في الوقت الراهن.
ذلك أن الباحث المحايد اذا ما استعرض السياسات والممارسات الاسرائيلية ازاء فلسطين بل وازاء مصر أيضا، فانه يخلص الى أنها تتضمن من عناصر الاستفزاز والتحدي ما يفترض يغلق أبواب مصر في وجوه القادة الاسرائيليين، ويصبح الاعتذار عن عدم استقبال أي منهم هو أضعف الايمان،
أما حين يحدث العكس، بحيث تواصل اسرائيل عربدتها واستفزازها واهاناتها، ثم يستقبل رئيس وزرائها في مصر، فذلك مما يتعذر فهمه وتفسيره، فضلا عن أنه يغدو من أعجب العجائب.
ان السيد نتنياهو الذي استقبلناه هو من يرفض السلام مع الفلسطينيين، ويتحدث فقط عن سلام اقتصادي، وكأن فلسطين حظيرة ماشية وليست وطنا.
وحين «يتسامح»، فانه لا يمانع في اقامة دولة فلسطينية شريطة أن تكون منزوعة السلاح ومعترفة بيهودية الدولة الاسرائيلية، الأمر الذي يترتب عليه طرد عرب 48 الذين لايزالون يقيمون وراء ما سمي بالخط الأخضر، وحكومته الحالية مندفعة في التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية، وماضية في بيع أراضي الفلسطينيين الغائبين الى من يريد الشراء من يهود العالم، متحدين بذلك كل القوانين والأحكام والاعراف التي تمنع التصرف في ملكية الأراضي المحتلة.
هي أيضا مستمرة في تهويد القدس وطرد سكانها الفلسطينيين من بيوتهم وتسليم تلك البيوت للمستوطنين، والى جانب تمسكها بحصار غزة وتجويع أهلها ومنع اعمارها، فان طائراتها لم تتوقف عن قصف حدود مصر مع القطاع بدعوى تدمير الانفاق، في انتهاك صريح لمعاهدة السلام بين البلدين، التي نصت على أن الحدود مصونة لا تمس...الخ.
كل بند في هذه القائمة كفيل بأن يغضب القاهرة، ويدفعها الى الاحتجاج ورفض استقبال القادة والمبعوثين الاسرائيليين، ما لم يغيروا من سياساتهم ويتوقفوا عن ممارساتهم العدوانية، فما بالك بالبنود اذا تعددت واجتمعت؟..
صحيح أن القاهرة عبرت عن استيائها من بعض الممارسات ــ التوسعات الاستيطانية بوجه أخص ــ لكنها بدلا من أن تترجم ذلك الاستياء الى أي اجراء حازم من قبيل رفض استقبال الرسميين الاسرائيليين أو الضغط بورقة العلاقات، فانها دعت الولايات المتحدة الى التصرف بحزم تجاه الاسرائيليين، ووقفت متفرجة على ما يجري، شأنها في ذلك شأن بقية عواصم العرب.

(2)

في العشرين من شهر أغسطس الماضي، نشرت «لوس انجلوس تايمز» مقالا بعنوان «قاطعوا اسرائيل»، كتبه أستاذ جامعي اسرائيلي هو نئيف جوردون، وبنى دعوته للمقاطعة على أساس أن اسرائيل دولة تطبق نظاما عنصريا فظا، يضاهي ان لم يزد على النظام العنصري الذي عرفته جنوب أفريقيا.
وخلص الى أنه لم يعد هناك سبيل لهزيمة ذلك النظام الا بمقاطعة عالمية واسعة تفضح عنصرية اسرائيل وتضغط عليها، تماما كما حدث مع النظام البائد في جنوب أفريقيا.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تطلق فيها هذه الدعوة في الغرب، فقد شهدت انجلترا عام 2002 حملة قادها بعض الاكاديميين لوقف العلاقات الثقافية والاكاديمية مع اسرائيل.
وفي عام 2005 قررت جمعية العلميين الانجليز مقاطعة جامعتين اسرائيليتين لتأييدهما للاحتلال.
وهو الموقف ذاته الذي تبناه اتحاد الجامعات البريطانية في عام 2007،
وفي الولايات المتحدة قررت الكنيسة المشيخية (الأكبر والأهم في أمريكا) سحب استثماراتها الضخمة في اسرائيل، (عام 2006) بعدما ارتفعت الأصوات في داخلها معتبرة تلك الاستثمارات دعما للاحتلال والاستيطان.
في الأسبوع الماضي واجهت مصر موقفا كاشفا في هذا السياق. اذ قرر مهرجان تورنتو السينمائي اهداء دورته الحالية لمدينة تل أبيب في الذكرى المئوية لانشائها، بدعوى أنها مدينة تجسد التنوع الثقافي.
ورغم كذب الادعاءين فان ما يهمنا في الأمر أن بعض الفنانين الغربيين الشرفاء قرروا مقاطعة المهرجان، وأعلنوا أنه يحتفل بمدينة بنيت على العنف ويتجاهل دورها الوحشي في تشريد آلاف الفلسطينيين من بلدهم.
فسحب المخرج الكندي جون نجريسون فيلما كان مقررا عرضه بالمهرجان،
وتضامن معه في ذلك مخرج آخر هو كين لوتش.
من الذين قاطعوا المهرجان أيضا جين فوندا ودافي جلوفر والمؤلفة ناعومي كلاين.
وهؤلاء احتجوا في موقفهم الذي أعلنوه بأن ادارة المهرجان متهمة بالانحياز الى اسرائيل،
كما أصدر 50 مخرجا وكاتبا كنديا بيانا اعتبروا فيه ادارة المهرجان متواطئة مع آلة الرعاية الاسرائيلية.
هذه الملابسات وضعت المخرجين المصريين الذين رغبوا في عرض أفلامهم بالمهرجان في موقف حرج، لكنهم لجأوا الى حل وسط،
فقرر بعضهم الالتفاف على المشاركة من خلال التوقيع على بيان المخرجين والكتاب الكنديين،
وفي الوقت نفسه، ارسلوا أفلامهم لكي تعرض في مهرجان تورنتو، وكانت حجتهم التي أعلنوها في الصحف أنهم رفضوا ترك الساحة لاسرائيل لكي تستعرض فنونها،

لقد ذهبنا الى تورنتو في حين قاطع مهرجانها عدد من كبار الفنانين الغربيين، الأمر الذي وضعنا أمام مفارقة فضحتنا، وجددت السؤال:
هل نحن جادون أم هازلون في التعبير عن الاحتجاج والغضب؟.

وهذه المفارقة تتضاعف حين تلاحظ أن أصوات مقاطعة اسرائيل تتردد في الغرب، في حين أن البعض يحتال عليها في العالم العربي. لحسابات صغيرة للغاية، مثل دعوة موسيقار اسرائيلي الى مصر وترجمة بعض الكتابات العبرية الى العربية، لاسترضاء اسرائيل وحثها على التصويت لوزير الثقافة فاروق حسني في سعيه للفوز برئاسة منظمة اليونيسكو،
وأسوأ من ذلك وأغرب أن تساق بعض الدول العربية الى التطبيع التدريجي مع اسرائيل، استجابة لخدعة تتذرع بمكافأتها على التجميد المؤقت للاستيطان.
(3)

تطول القائمة اذا ما تتبعنا صفحات سجل الوهن والاستخذاء، لذا سأقف أمام صفحتين اثنتين فقط.

في عام 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي حكما تاريخيا قضى ببطلان اقامة جدار الفصل العنصري الذي شرعت اسرائيل في بنائه، واعتبر هذا القرار أهم وثيقة قانونية في الشأن الفلسطيني منذ صدور وعد بلفور. اذ أكد أن الحقوق الوطنية التي يطالب بها الفلسطينيون غير قابلة للتصرف، وأكد قرارات الأمم المتحدة السابقة، واعتبر الاحتلال غير مشروع، وبنى على ذلك قرارا بوجوب ازالة الحاجز وتعويض المتضررين منه.
وقد صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار، بحيث أصبح ورقة ضغط بالغة الأهمية، تستطيع الدول العربية استخدامها لفضح ووقف المخططات الاسرائيلية الوحشية واحراج تل أبيب أمام الرأي العالمي،
لكن الدول العربية لم تكترث بالقرار، وتعاملت معه بدرجة مذهلة من اللامبالاة.
الورقة الثانية تتمثل في التقرير الذي قدمته اللجنة الدولية لتقصي حقائق العدوان الاسرائيلي على غزة الذي وقع في بداية العام الحالي (2009).
وكانت الجامعة العربية قد كلفت اللجنة بهذه المهمة في شهر فبراير الماضي، بعدما شكلتها من ستة شخصيات عالمية، أغلبهم من كبار رجال القانون.
ورأس اللجنة البروفيسور جون دوجارد من جنوب أفريقيا، وضمت أعضاء من هولندا والنرويج وشيلي والبرتغال واستراليا.

زارت اللجنة غزة، ورفضت الحكومة الاسرائيلية استقبالها، لكنها تمكنت من تقصي جميع حقائق ما جرى، ثم اعدت تقريرا من 250 صفحة قدمته الى الجامعة العربية في 30 أبريل الماضي. وتضمن التقرير وصفا للوقائع وتحليلها، وتقييما قانونيا لها، وخلص الى مجموعة من التوصيات والاجراءات الواجب اتخاذها في مواجهة اسرائيل.
اثبت التقرير ارتكاب اسرائيل قائمة طويلة من جرائم الحرب،
اضافة الى اتهامها بالابادة الجماعية للفلسطينيين،
وقدم 13 توصية للجامعة العربية، دعت الى عرض الأمر على محكمة العدل الدولية،
ومطالبة مجلس الأمن باحالة ملف الوقائع الى المحكمة الجنائية الدولية،
دعت التوصيات الجامعة العربية أيضا الى حث دولها الأعضاء على اتخاذ اجراءات الملاحقة القانونية ضد المسؤولين الاسرائيليين الضالعين في جرائم الحرب التي ارتكبت والابادة الجماعية التي تمت.
الى جانب ذلك، دعا مجلس أبحاث العلوم الانسانية في جنوب أفريقيا الى مؤتمر عقد في شهر مايو الماضي بمدينة كيب تاون، شهده عدد كبير من أبرز الخبراء، لدراسة الممارسات الاسرائيلية في الأراضي المحتلة وموقف القانون الدولي منها.
وأصدر المجلس تقريرا اضافيا في 300 صفحة من القطع الكبير، فضح فيه تلك الممارسات وادانها.
هذا العمل الجاد لم يحرك شيئا لا في الجامعة العربية ولا في أي عاصمة عربية أخرى.
رغم أن الخلاصات التي انتهى اليها اذا اخذت على محمل الجد، كان يمكن أن تهدم السمعة الأخلاقية، فضلا عن السياسية للدولة العبرية، كما كان يمكن أن تستدعي مجرمي الحرب الدوليين الى القضاء الجنائي في أي دولة أوروبية، بل وأمام المحاكم الفلسطينية أيضا.
(4)

أحسب أن ما تقدم يجيب عن السؤال:
هل نحن جادون أم هازلون؟،

حيث تشير مختلف القرائن الى أنه ليس هناك ما يدل على الجدية أو يؤيدها في السلوك العربي. وكل ما نشاهده من اجتماعات وبيانات لا يزيد على كونه جريا يمثل مراوحة في ذات المكان، لم تسفر عن تقدم يذكر لأي خطوة للأمام.
ان شئت فقل انه استسلام لمنطق ادارة الخد الأيسر ازاء كل صفعة تضرب الخد الأيمن. وفي أحسن فروضه فانه يعد استغراقا في «التاكتيك» وتغييبا للاستراتيجية.
هذه الخلاصة تستدعي سؤالا آخر هو:
هل هذا الحاصل في العالم العربي تعبير عن عجز وعدم قدرة، أم أنه تعبير عن عدم الرغبة؟..

لا استطيع أن أسلم بالعجز العربي، وأقبل وصفه بالضعف فقط، لأن العالم العربي يملك أوراقا كثيرة كتلك التي مررنا بها، كما تتوافر له أسباب القوة التي لا تحتاج الا الى ارادة لاستثمارها واستنهاضها،
لذلك أزعم اننا اذا أردنا أن نتصارح وان نتجنب الكذب في الشهر الفضيل. فلا مفر من الاعتراف بان مشكلتنا الحقيقية تكمن في غياب الارادة، الأمر الذي يعني أننا بصدد حالة من عدم الرغبة وليس عدم القدرة.

واذا جاز لي أن استمر في الاعتراف والمصارحة، فانني لا أتردد في القول اننا في مصر عشنا ثلاثة أطوار للقضية،
طور الدفاع عنها بالانحياز للمقاومة واشهار اللاءات الثلاث في الستينيات،
ثم طور التخلي عن القضية بمعاهدة كامب ديفيد في السبعينيات والثمانينيات،
وأخيرا طور تصفيتها وبدء اغلاق ملفها منذ التسعينيات،

وهو تقدير اسأل الله تعالى أن تكذبه الأيام بحيث يعد تعبيرا عن الاحباط بأكثر منه تصويرا للحقيقة.

فهمي هويدي
الاربعاء 16 سبتمبر 2009