نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


فينيسيا تشكو من تراجع السياحة عقب الفيضانات




فينيسيا – تفوح من الهواء في الممر المظلم المؤدي إلى الدور الأرضي لكاتدرائية سان ماركوس، رطوبة قوية ورائحة عفن. يتحسس بييرباولو كامبوستريني الجدران بيده، يفرك بضعة قطع أحجار بين أصابعه، ثم يرفعها نحو فمه قائلا: "لها مذاق الملح". يعمل كامبوسانتي في منصب مهندس صيانة وترميم والحفاظ على الكاتدرائية الفينيسية العريقة. يشير المهندس في سرداب الكنيسة الرئيسي إلى نافذة صغيرة مسيجة بالقضبان الحديدية موضحا "دخل الماء من هنا، يبدو كنهر".


يشار إلى أنه في الثاني عشر من تشرين ثان/ نوفمبر العام الماضي، تعرضت مدينة فينسيا أو "البندقية"، المعروفة بمدينة القوارب، لموجة فيضان عاتي، تعتبر الأسوأ خلال أكثر من نصف قرن، ليغمر الماء المدينة التي اعتبرتها منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "اليونسكو"، جزءا من تراث الانسانية. يعتبر مبنى كاتدرائية سان ماركوس، أكثر المباني التاريخية عراقة بالمدينة، وقد تعرض لأضرار وتلفيات لا يمكن إصلاحها، بعد أن أغرق الماء المالح سراديبها وتسرب إلى الجدران، وامتد أثر الرطوبة إلى الفسيفساء التي تزين الأسقف. يقول كامبوستريني "بدت الجدران وكأنها تذرف الدمع". بعد ثلاثة شهور، لم تعد الأضرار ملحوظة، لكن العدو الرهيب لم يفلت الجدران من براثنه، نظرا لأن الماء قد تبخر، إلا أن الملح تبقى وسيؤدي شيئا فشيئا إلى تفسخ وتحلل الجدران وتساقط الرخام الذي يكسوها. "يكفي زلزال بسيط لكي تنكشف الأضرار على الفور، ويظهر سان ماركوس وكأن عمره قد شاخ نصف قرن فجأة"، يعبر كامبوستريني عن أسفه. يوضح مسؤول الترميم أن تكرار حدوث الفيضانات في الآونة الأخيرة، كان هو السبب الأكبر في تفاقم الأضرار التي تعرضت لها الكاتدرائية، لهذا السبب ومن أجل حماية هيكل الكاتدرائية سوف يتم إحاطتها بحلول الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، بحواجز زجاجية حتى منتصفها. تتسلل أشعة الشفق الذهبية لتتألق بألوانها الزاهية على نوافذ الزجاج المعشق. بدأت في ميدان كاتدرائية سان ماركوس الاستعدادات لإحدى فعاليات الكرنفال التقليدي العريق، والتي تبدأ بموكب للقوارب الفينيسية الشهيرة "الجندول". ويعتبر كرنفال فينيسيا أحد أشهر المناسبات الاحتفالية في العالم، ولهذا يعد من أهم عوامل الجذب السياحي للمدينة. لكن هذا العام كان الوضع مختلفا، مقارنة بسنوات سابقة، تشي الحال بتراجع كبير في أعداد السائحين لدرجة أن المدينة تبدو شبه خاوية. تقول مسؤولة السياحة بالمدينة، باولا مار "مررنا بنهاية عام كارثية، وحدث انتعاش ضئيل مع مطلع العام الجديد". وفقا لمار شهدت المدينة تدفقا سياحيا محدودا خلال أسابيع الكرنفال التي اختتمت قبل نهاية شباط/ فبراير، ليعود التراجع مجددا خلال شهر آذار/ مارس الجاري. وزاد الأمر سوءا مع انتشار فيروس كورونا، خاصة مع تراجع السياحة الوافدة من الصين، ومع ذلك تؤكد مار أن هذا ليس السبب الرئيسي، نظرا لأن السياحة في فينيسيا تعتمد بشكل أساسي على السائح الأمريكي والأوروبي. وتؤكد مار قناعتها بأن سبب تراجع السياحة هو "الأنباء الزائفة" بشأن الفيضانات، حيث توضح قائلة "يعتقدون في الهند أن الفيضانات تسببت في مصرع 250 شخصا". وتضيف "يعتقدون أيضا أن المدينة ظلت غارقة تحت الماء باستمرار، في حين أن الأمر لم يتجاوز بضع ساعات وانحسر الماء على الفور. يتحدث مسؤولو الفنادق عن حالة "ذهول" عند السائحين المرعوبين، لدرجة أن بعضهم يتصل ليسأل إذا كان يستطيع اصطحاب أطفاله معه أم أن الأمر مازال شديد الخطورة. توضح مار أنه في الثاني عشر من تشرين ثان/ نوفمبر، وصل ارتفاع منسوب الماء إلى 87ر1 مترا فوق مستوى المد العادي، وهذا لا يعني أن منسوب الماء في الشوارع كان بنفس الارتفاع وأن الناس كانت تتعرض للغرق في الطرقات. وتضيف مسؤولة السياحة بالمدينة أنه مع وصول منسوب المد بسبب الفيضانات إلى 87ر1 مترا، فإن الماء يصل بالنسبة لشخص بالغ في ساحة القديس مرقص، النقطة الأكثر انخفاضا في المدينة، عند خاصرته تقريبا. تشتكي جمعية فنادق البندقية من أن صور الفيضانات خلقت انطباعًا خاطئًا بأن المدينة بأكملها قد دمرت، وأن الاحتياطيات انخفضت بشكل كبير لهذا السبب. وقد لوحظ هذا التراجع في كافة متاحف فينيسيا، بما في ذلك قصر الدوقية. وتقدر الخسائر التي حلت بالمدينة بسبب الفيضانات بنحو مليار يورو ما يعادل 085ر1 مليار دولار، وقد لحقت هذه الخسائر بكل شيء، من مطاعم لفنادق لمقاهي ومتاحف وأسواق، ومع ذلك، فإن هذه المحال جميعا فتحت أبوابها من جديد بعد مرور أيام قليلة من الكارثة. الوضع متناقض تمامًا: لقد بدأت مدينة فينيسيا، وهي مدينة تعاني بصورة لا مثيل لها من "السياحة المفرطة"، في فقدان الزوار بشكل مفاجئ. تطلب السلطات المحلية وأصحاب الفنادق من الصحفيين الأجانب توضيح المعلومات الخاطئة عن مدينة يزعم أنها دمرت. لا يكف عمدة مدينة فينيسيا، لويجي بروجنارو، عن الحديث عن جمال مدينته. "يعتقد الكثيرون أننا ما زلنا تحت الماء ، لكن فينيسيا أصبحت الآن أكثر جمالا من أي وقت مضى"، كما يؤكد. وهو يفسر السبب: تتاح للزائرين فرصة الاستمتاع بمدينة لم تعد مزدحمة بالسياح، بالإضافة إلى أن غرف الفنادق أصبحت متوفرة أكثر من أي وقت مضى: "يمكنك حجز فندق حتى في التو واللحظة، وهو أمر غير ممكن عادةً". العمدة الذي يحاول استمالة السائحين الآن، كان في وقت سابق يحذر من عواقب اكتظاظ المدينة بالسائحين أو من تدفق الزوار بصورة قد لا تحتملها مرافق المدينة. واعتبارًا من تموز/يوليو القادم، سيتعين على السياح الذين يرغبون في زيارة المدينة دون قضاء الليلة فيها دفع رسوم دخول: "هذه التعريفة سارية فقط على أولئك الذين لن يقضوا الليلة هنا" ، يوضح بروجنارو أن سبب فرض تلك الرسوم يرجع إلى أن هؤلاء السائحين يملئون حقائب الظهر الخاصة بهم بالطعام، والمياه وحفاضات الأطفال ولا ينفقون قرشا في المدينة. ومن المقرر أن تتراوح قيمة تلك الرسوم من ثلاثة إلى عشرة يورو ، حسب الموسم. بطبيعة الحال، لا يرغب كل سكان فينيسيا في أن تكتظ مدينتهم بالسائحين، على العكس إنهم يشعرون بسعادة غامرة لأنهم أخيرا سيكون متاحا لهم قدر قليل من السكينة والهدوء، فيما يعاودون التفكير في الرجوع للإقامة مرة أخرى في وسط مدينتهم التاريخية، وبالأخص في كيفية حماية تراثهم العالمي من موجة فيضانات جديدة، سواء أكانت بفعل الطبيعة والمياه أم بفعل طوفان السياحة الذي عانت منه فينيسا في وقت سابق قبل الكارثة.

آنيت ريوثر
الثلاثاء 10 مارس 2020