نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى


ليلة سقوط «غوار الطوشة»




تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، مقطعاً مصوراً من كلمة ألقاها الفنان السوري دريد لحام بين يدي علي خامئني المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. شكلت الحادثة فرصة وإن كانت موجعة جارحة، ليرى الإنسان العربي البسيط ويختبر من جديد، مواقف بعض من يُعتبرون من النخب الثقافية والفنية في العالم العربي.



 
   
كان وقع المفاجأة صاعقاً لمن رأى دريد لحام وسمعه واقفاً بخشوع يقول لخامئني: «في روحك القداسة، في عينيك الأمل، في يديك العمل، وفي كلامك أمر يُلبّى...». بعض أفعال المثقفين العرب تكون من الارتزاق والدناءة بحيث لا يجد لها المرء تخريجاً، أو مسوغاً ثقافياً أو إنسانياً معقولاً، مهما كان حسن النية. هول المفاجأة جاء من كون قائل الخطبة المخزية هو لحام تحديداً وليس أي فنان آخر سواه. لحام الذي رعى صورته الذهنية لدى الجمهور العربي طوال أربعة عقود، كفنان عروبي، منحاز في أعماله الفنية ومواقفه الثقافية وظهوره الإعلامي، إلى مفاهيم القومية والعروبة والنضال وقدسية الأرض والوطن، والوقوف في وجه الدخيل والغازي والمحتل.
 
ورعى صورته كنموذج للمثقف الذي ينطوي فنه على ما يشكل القطيعة مع شمولية الديني، فما بالك حين يعتلي الطائفي الإسلاموي كرسي الحكم معادياً للحياة والإنسان، ممثلاً بولاية الفقيه أكثر أشكال الحكم الديني تخلفاً في العصر الحديث. لحام الذي ظل مع تنوع الأدوار التي قام بها خلال مشواره الفني، هو «غوار الطوشة» في ذاكرة جمهوره. غوار أو الفتى المكافح الظريف، الضعيف المنتزع حقه من دون اقتراف الشرور، مهما أظهر من فهلوة وخبث بريء. غير أن هذه القناعات والصور الذهنية تصدّعت بقوة، على وقع الكلمات الصادمة للعقل والذائقة التي ترنم بها لحام كالمسحور أمام خامئني: «ازدادت قدسية ترابنا، حين ارتقى بعض من رجالاتك إلى عليائها. لك الحب والتقدير والإجلال من شعب صامد وجيش عتيد. عاشت إيران، تحيا سورية». الفنان الذي باع حكي الكرامة للملايين من جمهوره، مدغدغاً عاطفتهم الوطنية ومزايداً عليها، يقف الآن بلا كرامة أمام مرشد الثورة الإيرانية مباركاً ضمناً مشاركته في قتل أطفال وطنه سورية، ومباركاً صراحة تدنيسه ترابها بخطو نعله.
 
كانت خطبة لحام بالنسبة لكثيرين من العرب في كل مكان، فرصة ليروا تهافت شعارات الممانعة أمام ترسانة العلاقات والأهواء والمصالح الشخصية. فرصة ليكتشف المواطن العربي البسيط، أن ما كان يشاهده على خشبه المسرح وشاشات التلفزة، ويستلهم منه قيمه ومبادئه وضميره الشخصي، ويصفق له محبة وإعجاباً، لم يكن أكثر من شعارات مرحلة. جعجعة ارتزاقية لنخب كاذبة في سنوات عجاف، مآلها أن تذهب أدراج الرياح. فالمثقف العربي أثبت دوماً مهارته في النمو والتسلق، والتبديل بمرونة بين الطواقي والقبعات، والتيارات والتقليعات. هذا ما جعل الثقة فيه تتناقص، وما جعل العامة يركنون إلى المتدين الحزبي الذي يقدّم نفسه على أنه المثقف الثابت على القيم والمبادئ، الوصي الأمين على الثقافة باسم التراث والأعراف. هذا سهّل للأخير خصوصاً مع ثورات (الربيع العربي)، المتاجرة بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان من باب ركوب الموجة والاستفادة منها.
 
شكّل لحام والشاعر والمسرحي الراحل محمد الماغوط ثنائياً ناجحاً، منذ أواسط سبعينات القرن الماضي. ومع أن تجربتهما الفنية كانت ملفتة، إلا أنه لا مناص من القول أن ذلك المسرح الذي عكس مستوى ما من الحرية في النقد السياسي والثقافي، لم يكن متمتعاً بحرية حقيقية، لوقوعه في ظل أحد أكثر الأنظمة البوليسية فظاظة، التي تستند إلى إرث راسخ من القمع وعبادة الشخصية. لكن، كأنما انعقدت ضمنياً صيغة توافقية ما بين السياسي والفنان، وإن اختلف هدف أو مصلحة هذا عن ذاك. افتتح الاثنان شراكتهما بمسرحية «ضيعة تشرين» التي استلهمت انتصار العرب على إسرائيل في حرب «أكتوبر» بما لملم انكسارات «حزيران» في النفوس والعقول. بطل «غربة» و «كاسك يا وطن» و «الحدود» و «شقائق النعمان»، وغيرها من الأعمال الخالدة، لم يكن مؤدياً أدواراً تُرسم له من جانب المؤلف فحسب، بل مشاركاً في إبداع النصوص ورسم الشخصيات وتوجيه الأفكار. يقول في أحد حواراته: «مع الماغوط كنت أكتب كلمة كلمة وجملة جملة». لحام لم يقدم نفسه ممثلاً فقط، مثل غالبية زملائه وزميلاته في سورية وباقي العالم العربي، لكنه اختار زاوية الفنان المثقف صاحب القضية والموقف السياسي، فانعكست رؤاه الثقافية والسياسية في أعماله الفنية. وكان حريصاً على نحت صورة الفنان الملتزم. وفي هذا السياق كان تخليه ذات يوم عن لقبه أو مهامه سفيراً للنوايا الحسنة، فلا نيات حسنة في هذا العالم كما قال حينذاك. لكن، هل انبعثت اليوم النيات الحسنة من عمامة خامئني؟!
 
 
إن الذاكرة الإنسانية هشة، بل هشة جداً، والتاريخ لا يرحم. لحام سوّد بيده مسيرته الفنية والإنسانية. فوقوف فنان في مكانته الاعتبارية، وقد جاوز الثمانين من عمره، أمام معمم فارسي ليمجد طغيانه كل هذا التمجيد، وليبارك انتهاكه السافر لسيادة أرضه، لا يمكن تصوره من ضمن الإكراهات أو الإلزامات التي تقع على كاهل المثقف في ظل الأنظمة البوليسية. بل هو الفعل الذي يذهب له المرء طائعاً مختاراً، ثم يُخصّص ما تبقى من وقته لمواقع التواصل الاجتماعي يوجه فيها شتائمه العنصرية للسعوديين.

ليس ببعيد عما قام به الفنان السوري، ما فعلته قبل فترة إحدى المذيعات العربيات، من تقبيل حذاء جندي سوري في برنامج على الهواء شاهده الملايين، مع حرصها على التأكيد أنها حصلت على (البسطار) العسكري في زيارة قامت بها إلى صيدنايا ومعلولا في ريف دمشق. كان فعلاً مقززاً من أي امرأة على الإطلاق، أن تنحني لتقبيل حذاء ما، أياً كان صاحب الحذاء. فما بالك حين تكون هذه المرأة مثقفة، حرصت خلال مشوارها على أن تُظهر انحيازها للقيم الإنسانية والجمالية من حق وحرية؟ وما بالك إذا كانت هذه المهانة أمام حذاء يرمز إلى نظام طائفي قمعي، أمطر شعبه بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية. تهكم حينذاك أحد الشعراء العرب على سلوك المذيعة الأرعن من خلال صفحته في تويتر قائلاً: «ومن يتهيب صعود الجبال/ يعش أبد الدهر بين الجزم».
 
 
إذا، هي المعاني النظرية الجميلة حين تسقط سقوطاً مريعاً في رحلة التحولات البهلوانية، أو في الاختبار الحقيقي الأول للشعارات، خصوصاً و (الربيع العربي) كشف الكذابين والأفاقين من دون أقنعة ولا سواتر، كسيدة الحذاء التي قالت بصوت متهدج: «في ناس عم تلبس هذا البوت وعم بتموت كرمال أمة بأكملها»!
 
لطالما رأى الناس صورة قميئة للمثقف العربي، تُظهره في ثوب الانتهازي، اللاهث خلف مكاسبه الشخصية الذي لا يُسمع صوته الجهوري إلا حين تُصادر إحدى الرقابات العربية كتابه، أو تمنع عرض عمله الفني أو برنامجه التلفزيوني، أو حين يتم تكفيره من جانب السدنة. المثقف الذي يتشدق بمقولات الحرية والتعددية والديموقراطية وقبول الآخر وحقوق الانسان، كرافعة (نهضوية) أو (حضارية)، لأخذه فوق رقاب الناس البسطاء المثقلين بهموم معاشهم اليومي، هو أول من يمارس الديماغوجية والإقصاء والتناقض والطائفية والعنصرية والنعرات القبلية والمناطقية. قد عرّته مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، أكثر مما فعلت في السابق وسائل الإعلام التقليدي، فظهرت إلى العلن تناقضاته ونرجسيته، فإذا هذا المثقف المتعالم، صنو الدروشة والتلفيق، مثل قط بهاء الدين العاملي المتفيقه وفأره الدّعي. فالقط كان ينظّر في الشؤون كافة مع قلة زاده من المعرفة، والفأر كان يدّعي امتلاك زمام العلم والتصوف ببضع آيات وأبيات، وبمجرد مجاورة مزار الشيخ
سعدي الشيرا زي
-----------
الحياة
 
 
 
 
 
 
 
 
.* كاتبة وعضو مجلس الشورى السعودي

لطيفة الشعلان
الاربعاء 17 فبراير 2016