نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


مشروعية البديل الديمقراطي




تتالى دعوات الكثير من السوريين إلى تشكيل أو إنشاء كيانات سياسية جامعة، تستقطب معظم القوى الوطنية الديمقراطية، وتكون مظلة للحراك الوطني الذي ما زال يؤمن ويعمل من أجل تغيير نظام الاستبداد في سورية. ولعل لهذه الدعوات ما يبررها، على أعقاب ما مُنيَ به المشهد السوري من إحباطات متتالية، ففي أواخر العام 2017 سقطت حلب الشرقية بيد نظام الأسد وتم تهجير أهلها، وكان ذلك تمهيداً لمسار أستانا الذي أتاح للروس تجريد الفصائل العسكرية من أسلحتها، والإجهاز على العديد منها، ثم جرّ القسم الآخر إلى مسار المفاوضات التي نتج عنها ما يُسمى ( مناطق خفض التصعيد)، والتي كانت ترجمتها الفعلية سيطرة النظام وحلفائه على الغوطة الشرقية ودرعا والقلمون الشرقي وريف حمص الشمالي، فضلاً عن جرائم التهجير القسري واجتثاث السكان من مدنهم وبلداتهم.


 
الصورة الصادمة للمآلات الراهنة أفرز لدى الشارع السوري رؤيتين، إحداهما تقول: إن القضية السورية خرجت من يد السوريين، وإن كان ثمة حل، فلا شك أنه سيكون نتيجة توافق دولي وإقليمي، ولن يكون ذلك إلا بتوافق مصالح الدول النافذة او المتحكّمة بقضية السوريين، وإزاء هذه الحال، فلا جدوى من أيّ مسعى آخر وتحت أيّ شعار كان. الرؤية الثانية لا تختلف مع الأولى في تشخيص الحالة الراهنة، إلّا أنها مازالت تؤمن بجدوى العمل الوطني بغية استعادة القرار الوطني، كما ترى أنه مازالت الفرصة سانحةً للإمساك بزمام المبادرة( ولو نسبياً)، لمشاركة السوريين في رسم ملامح مصيرهم.
تتخذ دعوات أصحاب الرؤية الثانية أشكالاً شتى للإفصاح عما تسعى إليه، فمنها من يتحرّك ضمنَ إطار حزبي، يتمثل بتقارب مجموعة من الأحزاب والقوى المتشابهة، تعمل وفق برنامج مشترك، من أجل إنتاج رؤى وتصورات موحّدة، كما تسعى إلى ترجمة رؤاها ووثائقها إلى برنامج قابل للتطبيق الفعلي على الأرض، ويطمح أصحاب هذا النموذج أن يكون عملهم نواة لاستقطاب أطياف وطنية أخرى، وبالتالي يمكن لهذا المسعى أن يراكم مُنجزاً سياسياً تشاركياً طالما افتقده السوريون.إلّا أن معظم هذه التجارب كانت تقف عند نقطة لم تستطع تجاوزها، وهي افتقادها لآليات العمل التي تمكّنها من ترجمة رؤاها وتصوراتها إلى برامج عملية قابلة للتحقيق على أرض الواقع.
ثمة شكل آخر لهذه الدعوات يتجسّد بالمنتديات الحوارية التي تتم عبر وسائل التواصل المتعددة، إذْ يرى أصحاب هذا الضرب من التجمّعات أن السوريين بحاجة إلى حوارات معمّقة بين بعضهم البعض، ليس في الشأن السياسي والقضايا الراهنة فحسب، بل في جميع القضايا الفكرية والاجتماعية، وكذلك النواظم الدستورية والقانونية التي ستحدّد شكل الدولة السورية في المستقبل، ويرى أصحاب هذا النموذج أن نجاح أي تجربة سياسية يتقوّم بقدرتها على إنجاز تصوّرمشترك لسورية ( المُتخيَّلة)، وليس للقضايا الراهنة فقط.
وبالعودة إلى مشروعية هذه الدعوات جميعها، من حيث إنها لا تأتي من فراغ، بل تعبّر عن أزمة حقيقية تتمثّل في غياب الطرف السوري، أو انعدام دوره الفعلي في تحديد مصير سورية، وكذلك تتمثّل في حالة العقم المزمن في كيانات المعارضة الرسمية، وعدم قدرتها على حيازة ثقة السوريين، الأمر الذي عزّز حالة من الشعور باليُتْم لدى العديد من السوريين، ولكن هذه المشروعية وما تلاها من جهود ومساعٍ، ما برحت تعمل وتنشط ضمن دوامة لم يهتد أحد حتى الآن إلى كيفية الخروج منها، إلى درجة بات فيها الجميع يفصح عن الهموم ذاتها، والجميع يتكلم باللغة النمطية ذاتها، حتى الوثائق والأوراق والبيانات التي تتراكم في أقنية الإعلام ووسائل التواصل والمواقع الإخبارية ومراكز الدراسات، باتت متشابهة إلى حدّ بعيد.
عديدةٌ هي العلائم الدالّة على عمق الأزمة، تلك الأزمة التي لا تقف حدودها عند قلّة الخبرة أو ندرة الكفاءات السياسية، ولم يكن سببها – أيضاً – غياب النوايا الجادة والإخلاص في العمل والرغبة في عملية التغيير، بقدر ما تعود إلى أزمة في عمق الوعي لدى النخب السياسية والثقافية السورية، التي مازالت تصرّ على مقاربة المُتَخيَّل الحداثي بجملة من الرواكم الباطنية التي تنتمي إلى قطّاع المعتقدات واليقينيات أكثر من انتمائها إلى حيّز الأفكار، ما يؤدي في النتيجة إلى فهم الواقع المحسوس بمنظار اليقين المسبق، ووفقاً لذلك، سوف تبقى نتائج أي مقاربة فكرية أو سياسية للراهن السوري، محكومة بآليات التفكير المنتجة لها،ولعلّ هذا ما يفسّر وصول العديد من المحاولات المشتركة لبعض القوى والتجمعات السورية إلى حالة من انسداد الأفق،والاصطدام بحائط لا يمكن اختراقه أو تجاوزه، بعد أن تكون قد قطعت شوطاً طويلاً في العمل المشترك.
نزوع السوريين – من جمهور الثورة – إلى إيجاد بدائل وطنية توازي الحدّ الأدنى من تضحياتهم، وتستجيب لتطلعاتهم نحو سورية المستقبل، سيبقى محكوماً بقدرتهم على تجاوز الوعي الذي راكمته عهود الاستبداد بشتى أشكاله، وسيبقى محكوماً في الآن ذاته بمدى قدرتهم على استيعاب الكشوفات المعرفية والثقافية الهائلة للثورة السورية،ولعلّ من أهم تلك الكشوفات أن منظومة القيم واحدة، لا تتجزأ، ذلك أن المجتمعات ذات التجارب النسبية الناجحة ديمقراطياً، على مستوى الإدارة السياسية للبلاد، قد حققت نجاحات موازية في الحفاظ على حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، وكذلك في تحقيق مبدأ المواطنة والعدل والمساواة، وحق الاعتقاد والتعبير، وحقوق المرأة ..إلخ، فهل بمقدور القوى السورية الطامحة نحو الحرية والديمقراطية، الانفتاح الجريء والواعي نحو فهم المنظومة القيمية للديمقراطية دون اجتزاء أو تشويه؟.
-----------
سوريا الامل

حسن النيفي
الاربعاء 1 ديسمبر 2021