نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


مطبّات جنيف والخيارات الصعبة أمام المعارضة السورية






تبحث الإرادة الدولية عن حل سياسي ينهي الصراع ويعيد الهدوء إلى سورية. لكن الشعب السوري لا يبحث عن هدوء بل يبحث عن حرية وعن نظام سياسي يحترم الحقوق ويسمح بمشاركة المواطن في الحياة العامة. وهنا مكمن المخاطر التي يستشعرها السوريون الذين ضحوا للحصول على حريتهم والمخاوف التي تعتورهم من السقوط في اتفاقية تبقي النظام وتكافئ المجرمين


 .
الحل السياسي له عنوان اسمه «جنيف»، وله مضمون اسمه بيان جنيف. لكن هذا البيان معقد ومفتوح على تفسيرات مختلفة. الموقف المبدئي، والمنطقي، الذي يتخذه كل من يعرف حقيقة النظام وإصراره على الحل العسكري هو رفض التعاطي مع «جنيف 2». بيد أن هذا يبدو أنه رفض للحل السياسي، واستهتار بالظروف الصعبة التي يعيشها السوريون، وتكريس لحالة الدمار التي تعيشها البلاد. ورفض جنيف 2 يعطي النظام الفرصة للهروب إلى الأمام وتحقيق مكاسب ديبلوماسية ثم توظيفها سياسياً وعسكرياً لمحاصرة الثورة.
هذا يعني أن على المعارضة السياسية والعسكرية تطوير استراتيجية للتعاطي مع جنيف تساعد في الحد الأعلى على الوصول إلى أهداف الثورة في الحرية والمساءلة والديموقراطية، وتسعى في حدها الأدنى إلى تعرية حقيقة النظام وتضعه في مكانه الصحيح في ميزان استخدام القوة والاستهتار بالحقوق.
من الناحية النظرية ومن حيث المبدأ يمكن لمبادرة «جنيف 2» أن تسهم في تحقيق أهداف الثورة السورية في التحول الديموقراطي وإنهاء حكم الأسد، نظراً لأنها تسعى إلى تحقيق مبادئ إعلان جنيف لعام 2012 التي تقوم على أساس خطة النقاط الست التي أعلنها كوفي عنان في مبادرته المعروفة والتي لاقت دعماً أممياً من خلال قراري مجلس الأمن رقم 2042 و 2043.
تطوير استراتيجية للتعاطي مع جنيف ومفاوضات نقل السلطة في سورية يجب أن يستحضر السياق الجيوسياسي والمصالح الإقليمية والدولية المتشابكة التي تسعى إلى التأثير في منحى المفاوضات وشكل النظام المستقبلي في سورية. وهذا يستدعي تسليط الضوء على مصالح ومواقف القوى الأساسية الفاعلة بدءاً من النظام ومروراً بالقوى الدولية والإقليمية وانتهاء بالقوى الداعمة.
موقف نظام الأسد من جنيف يقوم على أساس إعلان الرغبة في حل سياسي على مستوى الخطاب والمضي في الحل العسكري على مستوى الفعل. ولم يتمكن بشار الأسد، رغم محاولات فاشلة، من إخفاء التزامه بالحل العسكري. وقد أظهر في مقابلته الاخيرة مع جريدة «الرأي» أنه غير معني بالحل السياسي وأن مشاركته إن تمت تهدف إلى تحييد القوى المناؤئة في الصراع العسكري. هذا الموقف يتبناه حليفا النظام الرئيسيان، روسيا وإيران. ازدواجية تعاطي النظام وحلفائه يضع المعارضة في وضع صعب لأن عليها أن تأخذ بعين الاعتبار خطاب النظام السياسي المضلل في الوقت الذي تعمل لمنعه من كسب الوقت والدعم الخارجي والداخلي، والحيلولة دون توفير الفرصة له لرفع الضغوط الدولية عليه والتهرب من استحقاق نقل السلطة.
من ناحية أخرى تواجه المعارضة صعوبة في الحصول على الدعم السياسي والعسكري الكافي لتحقيق نصر واضح على نظام يخالف كل المعايير الدولية المقبولة. فالدول الغربية مترددة في تقديم الدعم الكافي بسبب مخاوف تتعلق بأمن إسرائيل وظهور التيارات الإسلامية المعادية للمصالح الغربية في المنطقة. وعلى رغم وقوف دول شقيقة وداعمة خلف الثورة عموماً و»الائتلاف» خصوصاً، وفي مقدمها تركيا والسعودية وقطر، إلا أن هذه الدول مرتبطة بتحالفات استراتيجية مع الغرب تمنعها من التحرك خارج دائرة القرار الدولي.
الدول الصديقة الداعمة أعلنت أكثر من مرة دعمها الكامل للثورة وأهدافها. ولكن هذه الدول غير قادرة على اتخاذ مواقف بعيدة عن الموقف الأميركي، نظراً لوجود تحالفات عسكرية واستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة، وتأثير أي موقف منفرد على هذه العلاقة التي من الواضح أن أياً منها ليست مستعدة للتضحية بها من أجل انتصار الثورة. لذلك تسهم الدول الداعمة في العمل الديبلوماسي لإقناع إدارة أوباما بتغيير موقفها من الثورة من جهة، وتقديم المعونات العينية كلما سمحت الإرادة الدولية بذلك.
إضافة الى الموقف الدولي تتحكم في التفاوض عوامل القوة والضعف الذي يميز قدرات وأداء المعارضة والنظام. النظام يستفيد من تقاطع المصالح الجيوسياسية في المنطقة والتي تصب في صالحه، كما يستفيد من الاختلال الكبير في موازين القوة الذي يميل لصالحه بصورة كبيرة. تعويل النظام الكبير على قدراته العسكرية والأمنية وإصراره على الحل العسكري تحول مع مرور الوقت إلى عامل ضعف، لأنه أدى إلى تمزيق الجهاز الأمني والعسكري. لكن النظام يستفيد من تمزق المعارضة وفقدانها للخبرة السياسية اللازمة لتوظيف نقاط الضعف عند النظام في معركتها السياسية ضده.
ضعف المعارضة الأساسي يتمثل بحالة التمزق والتنازع بين أطرافها على المستويين السياسي والعسكري. الانقسام السياسي الكبير بين المعارضة السياسية «الداخلية» المتمثلة بهيئة التنسيق والقوى السياسية المتعاطية معها، والتي يتحدد سقف مطالبها بتحقيق مشاركة سياسية أوسع مع النظام وتوسيع دائرة الحريات السياسية. في حين تطالب قوى المعارضة وفي مقدمها «الائتلاف» بتنحية الأسد والفريق الأمني المحيط به وانجاز تحول ديموقراطي كامل في البلاد.
النظام يستفيد أيضاً من دعم الأقليات الطائفية والدينية والقومية التي اختارت الولاء للنظام خوفاً من تهميشها في نظام سياسي لا تثق في قدرته على حمايتها، أو خوفاً من بطش النظام الذي يعمل وفق مبدأ: من ليس معي فهو ضدي. وتزايدت المخاوف بعد دخول جماعات دينية تدعو إلى إقامة دولة دينية وفرض الشريعة الإسلامية بالقوة على المجتمع، وتقاد من قبل قيادات غير سورية أو سورية مجهولة الهوية.
النظام يستفيد أيضاً من تماسك قوات النخبة في الجيش النظامي والدعم المالي والعسكري المستمر الذي يتلقاه النظام من حليفيه الرئيسيين، إيران وروسيا. النظام سيكون قادراً على الاستمرار لوقت طويل طالما استمر هذا الدعم وبقي توازن القوى على حاله. كسر إمكان الاستمرار تتطلب تغييراً جذرياً في هاذين العاملين.
هذا يعني أن على المعارضة أن تعمل على زيادة مستوى التنسيق الداخلي وإيحاد جبهة داخلية متماسكة. توحيد الصفوف ورفع مستوى التنسيق بين القوى السياسية والثورة سيدفع القوى الداعمة إلى إعادة النظر، في ضوء التآكل المستمر في قوى النظام العسكرية والمالية، في مواقفها من الثورة وطريقة التعاطي معها، كما سيؤدي إلى تغير كبير في موازين القوى الداخلية.
يتضمن بيان جنيف الذي أصدرته «مجموعة العمل من أجل سورية» جملة ثغرات يمكن أن يستفيد منها النظام لتعطيل المفاوضات وخلط الأوراق لإحراج المعارضة. في ما يلي أهم هذه الثغرات:
أولاً: التزام المجتمع الدولي بإنهاء المعاناة. الأشهر الماضية أظهرت ضعف هذا الالتزام واستعداد المجتمع الدولي للتعايش مع مستوى عال من القتل والدمار. وبالتالي المطلوب من «الائتلاف» تحديد خطوات معينة في التعاطي مع الاستخدام المفرط للعنف وإعطاء ضمانات محددة لذلك.
ثانياً: لا يلزم بيان جنيف النظام بوقف العنف ولا يحدد إجراءات رادعة في حال استمراره في عمليات القتل. وعلى رغم أن القرارين الدوليين 2042 و 2043 يطالبان النظام بوقف عمليات القتل والاعتقال التعسفي فإن هذين القرارين غير ملزمين.
ثالثاً: يدعو البيان إلى البدء بالعملية الانتقالية ويطالب الأطراف بتحديد جدول زمني لها، ولكنه يترك المبادرة كاملة بين الفريقين المفاوضين من دون تقديم أي ضمانات لتنفيذها.
رابعاً: هناك سكوت كامل بخصوص مصير الاسد، وهذه الثغرة ولدت تفسيرين لاتفاق جنيف: التفسير الروسي الذي يبقي الأسد في موقعه بالتوازي مع الحكومة الانتقالية، والتفسير الأميركي الذي يخرجه من موقع الرئاسة. في غياب وجود تفسير واحد فإن العملية التفاوضية غير ممكنة لأن الأسد لن يتنازل تلقائياً عن موقعه كما هو واضح من تصريحاته.
خامساً: يعطي البيان الحكومة الانتقالية «كامل السلطات التنفيذية» من دون إشارة إلى السلطة العسكرية والأمنية المرتبطة في النظام السوري بمنصب الرئيس. بالتالي المطلوب توضيح هذه النقطة من قبل الراعي الدولي للمفاوضات.
سادساً: ينص البيان على إعادة «النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية». لكنه لا يحدد آليات للمراجعة والجهة المعنية بذلك. لذا يلزم إضافة مهمة انتخاب هيئة تأسيسية تتولى مسؤولية كتابة الدستور الجديد للبلاد.
سابعاً: يشير البيان إلى «أطراف» تمثل الجميع وتشارك في العملية التفاوضية. من الضروري الاصرار على وجود طرفين أساسيين لا غير يمثل أحدهما الحكومة ويمثل الآخر «الائتلاف»، المحاور الوحيد من طرف المعارضة. النظام وحليفته روسيا يطالبان بمشاركة أطراف بعينها، وهذا سيمنح النظام فرصة للعب على حبلين.
على رغم الصعوبات والتعقيدات التي تحيط ببيان جنيف فإن المعارضة لا تعدم الخيارات، ويمكنها أن تحول جنيف إلى معركة سياسية رابحة تعطيها تقدماً كبيراً يدعم مكاسبها. وبطبيعة الحال فإن الخيارات ما زالت غير واضحة تماماً ولكن مقاربة النجاح في مواجهة جنيف تتكون من العناصر الخمسة الآتية:
أولاً: دعوة القيادات السياسية والعسكرية للقوى الأساسية الفاعلة للمعارضة السورية إلى لقاء تشاوري لتبادل الرأي والوصول إلى تصور مشترك.
ثانياً: الإصرار على أن يلتزم النظام والقيادة الروسية بصراحة بأن المفاوضات تهدف إلى قيام هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، بما فيها الصلاحيات الأمنية، لنقل السلطة والإعداد لانتخابات عامة تحت رعاية دولية لانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد وحكومة انتقالية.
ثالثاً: الحصول على ضمان أممي، قبل بدء أي مفاوضات، يحظر على النظام استخدام الطيران الحربي والأسلحة الثقيلة لاستهداف المراكز السكانية.
رابعاً: الإصرار على وصول مجلس الأمن إلى اتفاق على تنحي بشار الأسد والقيادات الأمنية المحيطة به، وذلك بالتوازي مع تشكيل هيئة حكم انتقالي. والإصرار كذلك على أن هذا ليس شرطاً إضافياً، بل فعلاً ينبثق مباشرة من تأسيس هيئة حكومية بكامل الصلاحيات تنهي صلاحيات رئيس الجمهورية.
خامساً: تحديد جدول زمني للمفاوضات وفق نقاط مفصلية، لمنع تحول المفاوضات إلى ذريعة لتدمير المدن والقرى السورية.
سادساً: رفض أي محاولة لإحضار مفاوضين من خارج المعارضة الواسعة الممثلة بـ «الائتلاف الوطني»، لأن هذا يعني أن ممثلي النظام المتضامنين داخلياً سيواجهون جبهة ممزقة من المعارضة، وهذا سيعطي فريق النظام القدرة على ضرب أطراف المعارضة بعضها ببعض.
هل تستطيع المعارضة تبني المقاربة السابقة والتمسك بها. هناك بالتأكيد شكوك نتيجة ضعف المعارضة التنظيمي، والشرخ الذي حدث أخيراً بين «الائتلاف» وقوى الثورة داخل البلاد. أضف إلى ذلك غياب الإعداد المطلوب للتعاطي مع جنيف.
غياب الثقة والمخاوف المتعلقة بالإعداد للمؤتمر شكلت الأساس الذي بنت عليه الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري موقفها الرافض للمشاركة في جنيف. وهذه المخاوف حتى ولو فهمت أسبابها، تنعكس سلباً على العمل السياسي للمعارضة، وتعطي النظام فرصة ذهبية للتهرب من مسؤولياته.
 -----=----
الحياة

لؤي صافي
الخميس 17 أكتوبر 2013