نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


مقدمات السلطة المتوحشة ومستقبلها في سورية





سياسة إضعاف الجميع بالجميع تجسّد محور الاستراتيجية التي اعتمدها حافظ الأسد في سورية، منذ أواخر عام 1970. استهدف بهذه السياسة الأحزاب الفاعلة على المستوى الداخلي أولاً، ليتمكّن لاحقاً من التغلغل، عبر الأجهزة الأمنية الكثيرة المتشعبة المتشابكة في الوظائف، إلى عمق المكونات المجتمعية، الدينية والمذهبية والقومية، وحتى العشائرية والمناطقية والأسرية، فعلى صعيد الأحزاب، تمكّن حافظ الأسد من تدجين الأحزاب القومية، العربية والكردية منها، وكذلك الأحزاب الشيوعية (ما عدا استثناءات قليلة غير مؤثرة)، سواء بضمّها إلى الجبهة الوطنية التقدمية التي أسسها لتكون وسيلة للتغطية على سياساته وقراراته الإشكالية، وأداته، في الوقت ذاته، للتحكّم بالأحزاب الأعضاء فيها مقابل فتات من الامتيازات السلطوية؛ أو عن طريق ربطها بمختلف الأساليب بتوجيهات الأجهزة الأمنية وتعليماتها وأوامرها. وفي الحالتين، كان استمرار النظام في نهج تشجيع الانقسامات، بل افتعالها، بموجب استراتيجية عامة كانت ترمي إلى تبديد أية إمكانية لظهور معارضة جادة قوية، تمتلك تأييداً ضمن الأوساط الشعبية.


  أما جماعة الإخوان المسلمين، فقد وجد فيها حافظ الأسد الخطر الأكبر على نظامه، ولذلك اختار أسلوب المواجهة المفتوحة معها، وذلك بعد أن تمكّن من جرّها إلى ميدان المواجهة، بفعل شعارات وممارسات طائفية، الأمر الذي مكّنه من شيطنة الجماعة، بعد أن أفلح في عملية عزلها عن الوسط السياسي السوري، وتحويلها إلى فزّاعة، تهدد الوحدة الوطنية السورية المزعومة، وذلك وفق ماكينته الإعلامية.
وبالتوازي مع هذه العملية، لجأ نظام حافظ الأسد إلى استمالة شرائح واسعة داخل مختلف 
المكوّنات المجتمعية السورية، ليكرّس لاحقاً مقومات الدولة الأمنية، وهي الدولة التي تناولها الراحل طيب تيزيني بكثير من التحليل المفصّل. ومن أهم المرتكزات التي استندت إليها هذه الدولة، الاستبداد العنيف المتوحش، والتشارك في غنائم الفساد والإفساد. والنتيجة التي ترتبت على ذلك، وتفاعلت عبر عقود طوال من حكم حافظ الأسد، تمثّلت في ظهور قوى هجينة وسط الجماعات الأهلية السورية ارتبطت بصورة عنقودية عضوية مع النظام، ولكنها ظلّت، على الصعيد المجتمعي العام، منفصلة غريبة بعضها عن بعض، الأمر الذي ساعد النظام في عملية التحكّم والتوجيه، واستخدامها لتكون بمثابة خط دفاعه الأول ضمن إطار كل جماعة أهلية من الجماعات السورية التي فرض عليها الولاءات ما قبل وطنية، على الرغم من تشدّقه بشعارات ما بعد وطنية، اتخذت طابعاً قومياً أحياناً، وقومياً اشتراكياً في أحيان أخرى، ومقاوماً ممانعاً في مراحل لاحقة.
وهكذا تمكّن حافظ الأسد من تكريس روحية الانقسام بين السوريين على أساس الانتماءات المجتمعية والمناطقية؛ فعلى الصعيد المجتمعي، وزّعهم بين المسلمين والمسيحيين، بين العلويين والسنة والدروز والإسماعيليين. بين العرب والكرد والتركمان والسريان. وعلى مستوى المناطق، اتسع الشرخ بين أهل الريف والمدينة، بين مناطق الداخل والمركز والأطراف. بين سكان العاصمة وتوابعها، بين سكان المناطق النائية وتلك القريبة من العاصمة والمدن الكبرى. ولم يكن هناك أي حديث عن مشروع وطني سوري عام، يكون بكل السوريين ولكل السوريين. مشروع ركيزته التطوير المتوازن لاقتصاد متكامل، يسعى القائمون عليه إلى الاستفادة العقلانية 
من الإمكانات الموجودة، ويعملون على تأمين احتياجات الناس، ويحرصون، في الوقت ذاته، على فتح الآفاق المستقبلية أمام الأجيال المقبلة.
واللافت في الاستراتيجية الأسدية التي اعتمدت لتطويع المجتمع السوري، وسلبه أية إمكانية للاحتجاج والرفض، هو حرص النظام على كسب ودّ رجال الدين من مختلف الأديان والمذاهب والطوائف، إلى جانب الاستفادة من خدمات رجال الأعمال والتجار في المدن الكبرى، خصوصا في كل من دمشق وحلب، وربطهم بشبكات الفساد، وجعلهم موضوعاً للابتزاز. وإقامة العلاقات مع الزعامات القبلية والعشائرية بقصد جعلها مخافر حراسة أمامية ضمن وسطها، تدافع عن النظام، وتشكّك في أمر كل من ينتقد ويعارض، ويشكّل خطراً مستقبلياً على النظام. وهكذا بات المنتفعون السنة في مواجهة المتضرّرين السنة، والمنتفعون من العلويين في مواجهة العلويين المتضرّرين، كذلك بالنسبة إلى الدروز والإسماعيليين وبقية الطوائف. والأمر ذاته بالنسبة إلى المسيحيين، وكذلك الكرد الذين ظلوا في الخريطة السورية كتلة بشرية يتم تحديد هويتها من خلال الانتماء القومي، قبل أي انتماء آخر.
واستكمالاً لهذا الجهد التفكيكي، إذا صح التعبير، الذي بذله لترسيخ الانقسامات ضمن المجتمع السوري، لجأ نظام حافظ الأسد إلى تسطيح العقول عبر ماكينته الإعلامية الديماغوجية، وخفض المستوى العلمي للجامعات والمعاهد الأكاديمية، من خلال العبث بقواعد قبول الطلاب وإعداد الكادر التدريسي وتأهيله، والتحكم في البعثات الدراسية، الداخلية منها والخارجية، وفرض رقابة صارمة على التأليف والنشر والفعاليات الفنية؛ هذا إلى جانب ربط الأطفال السوريين والطلاب في مختلف المراحل الدراسية بالمنظمات التابعة لحزب البعث، وهو الحزب الذي اعتمد واجهة للتغطية على توجهات النظام وممارساته.
وعلى الرغم من البدايات الواعدة للثورة السورية التي أوحت بإمكانية تجاوز الحصيلة السلبية لكل الجهود التي كان النظام قد بذلها من أجل تشتيت السوريين، وذلك بهدف قتل روحية المبادرة فيهم، وسد الطريق أمام أية دعوة تطالب بمساءلة النظام ومحاسبته، إلا أن ما جرى لاحقاً، أن النظام حصل على دعم لا محدود من حلفائه، وعدم ارتقاء الدعم الذي كانت تقدمه من المجموعة الدولية التي أعلنت عن صداقتها للشعب السوري إلى مستوى تمكين السوريين 
المناوئين لنظام الاستبداد والإفساد من تحقيق خطواتٍ نوعية، تفتح الطريق أمام ممارسة ضغوط فعلية ترغم النظام على القبول بإجراءات إصلاحية حقيقية، إجراءات تضمن حقوق السوريين، وتحترم كراماتهم.
ما تبلور، بعد مضي أكثر من ثمانية أعوام على الصراع داخل سورية وعليها، يبين أن تلك الجسور التي كان النظام قد بناها مع المستفيدين ضمن مختلف الجماعات الأهلية ستستمر في مهامها، وهؤلاء يعملون اليوم بمختلف الأساليب من أجل ترويج النظام، والدعوة إلى الإقرار بانتصاره، والتلويح بالمغريات للعودة إلى أحضانه. وغالباً ما يتخذ هؤلاء من المعارضة هدفاً لاتهاماتهم، هذا مع العلم أن كثيرين من هؤلاء قد تمكّنوا من التغلغل إلى داخل صفوف المعارضة نفسها، واستطاعوا، نتيجة غياب القيادة الوطنية المتماسكة، وفقدان الضوابط التنظيمية الصارمة، الوصول إلى مراكز مهمة، استغلوها لضرب المعارضة، والتشكيك فيها، وتوجيهها نحو مساراتٍ لم تجسد يوماً آمال السوريين، بل أثارت مخاوف وهواجس كثيرة، الأمر الذي أضعف التأييد الشعبي العارم للثورة، وأبعد فاعلين كثيرين عن مفاصلها. وتسبّب ذلك كله في مزيد من التراجعات، على صعيد زخم العمل المعارض وشعبيته. ودعم، في المقابل، مواقع الساعين من أجل تسويق النظام بمختلف الأضاليل والأباطيل.
ولكن هل تستمر الأمور هكذا، ويعود النظام ليتحكّم برقاب السوريين ومصائرهم، كما فعل نحو نصف قرن؟ سجلات التاريخ، ومعطيات الواقع، والتجارب الغنية التي اكتسبها الشباب السوري، كلها تؤكد أن الأمور ستتغير نحو الأفضل، عاجلاً أم آجلاً.
------------
العربي الجديد

عبد الباسط سيدا
الثلاثاء 30 يوليوز 2019