الانسحاب كان مفاجئاً للجميع بما فيهم الإدارة الأمريكية وحتى دائرة القرار الصغيرة التي تحيط بـ”بوتين”, ومن المؤكد أن هناك من الأسباب القوية التي دفعته لاتخاذ هكذا قرار.
على مدار خمسة أشهر ونصف, وهو عمر القرار الروسي بالتدخل في سوريا, كانت هناك تقارير عسكرية وسياسية دورية تقدم لبوتين من طرفين, وزارة الدفاع وقيادة الحملة في حميميم ومن وزارة الخارجية, المعلومات المسربة جميعها تؤكد على بعض القناعات التي وصلت لبوتين:
من الناحية العسكرية:
“بوتين” أدرك أن كل الوعود والمحفزات التي قدمها قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” كانت كاذبة, وأن القدرات العسكرية لجيش “الأسد” وحلفائه المستعدة لإعادة السيطرة على كل سوريا إذا ما كان هناك دعماً جوياً روسياً, كانت عبارة عن سراب, وأنها لا تملك أي قوة عسكرية, وأن استمرار الروس بعملياتهم الجوية لتحقيق هذا الحلم قد يؤدي لانغماس الروس في الرمال السورية ولسنوات طوال دون فائدة تٌذكر.
بعض التقارير العسكرية حملت لـ”بوتين” صدمة تقول أن الرابح الأكبر والمستفيد الأعظم من الغطاء الروسي الجوي هي “إيران”, وأن محاولات إدخال الضباط الروس لغرف العمليات السورية تم رفضها بقرار من “طهران” المسيطرة على القرار العسكري الأسدي, وأكثر من ذلك, بأن هناك مجموعة من ضباط الجيش السوري المقربين من موسكو تم إبعادهم أيضاً عن مصادر القرار ومٌنعوا أيضاً من الدخول لغرف العمليات الرئيسية.
من الناحية الاقتصادية:
بوتين يدرك أن هبوط أسعار النفط وتردي سعر صرف الروبل مقابل الدولار أطاح بمعظم الاحتياطي من خزائن البنك المركزي الروسي, وأن مدفوعات رواتب الموظفين الروس وصلت لمحطة حرجة, بعد أن توقفت معظم المشاريع الحيوية وأفلست الكثير من البنوك الروسية, عدا عن التكلفة العسكرية المتزايدة للحملة الجوية والتدخل في سوريا, ووصول الأمر لخروج بعض التظاهرات الضيقة في مدن روسية تطالب بعودة الجنود الروس لوطنهم وصرف تلك الأموال على الداخل الروسي.
من الناحية السياسية:
كانت هناك صدمة محرجة لروسيا بعد اتصال لأربع زعماء أوروبيين والإعلان من أكثر من عاصمة غربية بما فيها واشنطن أن العمليات الروسية موجهة لقتل المدنيين والفصائل الثورية المعتدلة وأنها بعيدة كل البعد عن هدفها المعلن بالقتال ضد الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش” وأن غاية الروس تعويم رئيس نظام إجرامي مارس القتل والتهجير ضد شعبه.
كل ما تم ذكره يعلمه الروس وقد تكون مسببات للانسحاب لكنها لم تكن السبب الرئيسي لقرار الانسحاب فما الذي دفع بـ “بوتين” لاتخاذ قرار الانسحاب؟؟؟
بالعودة لتصريحات المسؤولين الإيرانيين والأسديين خلال الأسبوعين الماضيين نجد أن هناك ما يوحي بشقاق كبير بين “دمشق” و”طهران” من جهة وبين “موسكو” من جهة أخرى, فأن يقول نائب وزير الخارجية الإيراني “عبد اللهيان” نقلاً عن “خامنئي”: أن “الأسد”خط أحمر, ثم يعود الرئيس “روحاني” للقول: لسنا مرغمين على تنفيذ المشروع الروسي في سوريا, ثم يعود وزير خارجية الأسد “المعلم” للقول وبرسالة موجهة (ضمنياً) لموسكو: لن نسمح لأفراد أو جماعات أو دول بأن تتحكم بمصير الأسد فالأسد خط أحمر, وختمها مندوب النظام في الأمم المتحدة “بشار الجعفري” ورئيس وفده المفاوض بنكران كل ما يسمى “هيئة حكم انتقالي في سوريا” وضارباً بعرض الحائط كل القرارات الدولية والتوافقات بين موسكو وواشنطن, ومخلاً بكل وعود “بوتين” للغرب والذي اعتبر نفسه الضامن للأسد بالالتزام بما تم التوافق عليه, والقناعة الأكبر التي وصلت لبوتين: أنه فشل بسحب “الأسد” من الحضن الإيراني.
الروس بدؤوا بالانسحاب عسكرياً من سوريا, وما أنكرته “موسكو” من انخراطها بعمليات أرضية وتواجد قوات لها على الجبهات انكشف زيفه بعد إخلاء مواقعهم في “نادي الفروسية” في حماه, ومقر الروس في “مصياف”, ومعسكر “ابن الهيثم” في حمص, وموقعهم في “جب بيت رضا” في ريف حماه شمال شرق قرية “معردس”, أما عن المهندسين والفنيين الموكلين بتجهيز مطار “القامشلي” ليكون قاعدة جوية روسية في الشمال السوري فلم ترد أي أخبار عنهم ولا عن التجهيزات والخبرات التي تتواجد في قاعدتي “الضبعة” و”الشعيرات” الجوية في ريف حمص.
الأيام القادمة بالتأكيد حبلى بتطورات متوقعة وغير متوقعة, أوباما سيكون في ضيافة العاهل السعودي الملك سلمان في الشهر القادم ليؤكد للسعودية ما وعد به سابقاً, بأن لديه رؤية واضحة وتنسيق مع الروس أوصلنا لتلك النتيجة, ومن المؤكد أن سحب “بوتين” لقواته من سوريا سوف يدفع السعودية للرد بخطوة مقابلة وقد تكون خطوة اقتصادية, وأن الانسحاب الروسي من سوريا قد يكون مهد الأرضية الملائمة للزيارة المؤجلة للملك سلمان لموسكو, و”غينادي غاتيلوف” نائب وزير الخارجية الروسي سيكون في جنيف في اليومين القادمين, فهل يكون الدكتور رياض حجاب أحد من يلتقيهم؟؟؟
انسحب الروس عسكرياً وينتظر انسحابهم سياسياً …
في الجولة الحالية ربحت المعارضة وخسر النظام ..
فهل يكون رأس “الأسد” هو أول هدية تٌقدم للشعب السوري بعد تخلي “بوتين” عن النظام؟؟؟
------------
كلنا شركاء